دعا المحقق الأممي المعني بملف حقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، إلى إجراء تحقيق مستقل وذي مصداقية بشأن الاتهامات التي تلاحق الرئيس الإيراني المنتخب حديثا، إبراهيم رئيسي، في خطوة قد تشكل إحراجا لطهران، على الصعيدين السياسي والدبلوماسي.
ودعا المحقق الأممي إلى التحقيق في دور إبراهيم رئيسي المركزي في الإعدامات الجماعية التي طالت آلاف المعارضين الإيرانيين عام 1988، حين كان رئيسي مُدعياً عاماً في العاصمة طهران، ومُشرفا على تلك الحملة.
وكانت وكالات الأنباء قد نقلت عن المحقق الأممي قوله إن مكتبه جمع شهادات وأدلة طوال أعوام كثيرة عن هذه القضية، وإنه مستعد لتقديمها مباشرة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أو أية هيئة أممية أخرى يُمكن لها أن تُجري تحقيقياً حيادياً.
وكان المحقق الدولي أشار في أوقات سابقة إلى حملة منهجية تقوم بها السلطات الإيرانية، خلال الفترة الأخيرة، لمحو آثار المقابر الجماعية التي نتجت عن تلك الحملات التي طالت المعارضين الإيرانيين.
"اللحظة مناسبة"
وذكر جاويد رحمن بأن الوقت الراهن هو الأكثر مناسبة لتحقيق بتلك الأحداث، لأن الشخص المُتهم سيصبح رئيساً للجمهورية وعليه تحمل المسؤولية.
وحملة الإعدامات المقصودة في التقارير الأممية، هي تلك الموجة الضخمة التي قادتها النواة الصلبة للنظام الإيراني ضد الخصوم السياسيين الداخليين عقب انتهاء حرب الخليج الأولى مباشرة عام 1988، بعدما كانت الحملة الأولى للتصفيات قد نُفذت في أوائل الثمانينات.
ونفذت التصفيات من خلال المحاكمات الشكلية الشهيرة التي قادها القاضي صادق خلخالي، والتي أدت إلى هيمنة التيار الديني المتطرف على الثورة الشعبية التي أطاحت بحاكم إيران الأسبق الشاه محمد رضا بهلوي.
محاكمات صورية
وكانت حملات عام 1988 بمثابة محاكمات صورية قضت خلال أسابيع قليلة على آلاف المعارضين السياسيين للنظام الإيراني، من الجماعات اليسارية الإيرانية المنضوية تحت مظلة "حزب توده" الإيراني، مروراً بأعضاء من جماعة "فدائي خلق"، وليس انتهاء بالمعارضين القوميين الأكراد والعرب والبلوش في مختلف مناطق البلاد.
وكان النظام الإيراني يخشى وقتئذ أن تؤدي نهاية الحرب الإيرانية العراقية إلى انتفاء تحججها بالحرب لعدم الالتفات إلى الأوضاع الداخلية، وبالذات السياسية منها، وأن يؤدي ذلك إلى زخم سياسي لدى القوى المعارضة، فبدأ حملته العسكرية/القضائية لمحق المعارضين، وكان الرئيس المُنتخب، مؤخراً، إبراهيم رئيسياً مُدعياً عاماً في العاصمة الإيرانية طهران، المكان الذي شهد أكبر الحملات تلك.
تقرير أممي مُفصل كان قد صدر خلال العام 2018 تحت مُسمى "أسرار مخضبة بالدماء – لماذا تُعتبر إعدامات 1988 في إيران جرائم مستمرة ضد الإنسانية"، ورجح أعداد الضحايا بالآلاف، يتراوحون بين ثلاثة آلاف وثلاثين ألفاً.
وذكر التقرير بأن سرية تنفيذ تلك العمليات حال دون التوصل إلى أرقام دقيقة حول ما جرى.
والرئيس الإيراني المُنتخب كان قد نفى في تصريحات عقب صدور ذلك التقرير، وقتها، بأن يكون قد ترأس المحكمة التي أصدرت تلك القرارات، لكنه أعترف بشكل غير مباشر بما حدث وأشار إليه التقرير الأممي، واصفاً ما جرى بأنه كان يمثل الشعب الإيراني، وأنه "واحد من إنجازات النظام المشرفة".
وأضيفت مطالبات المُحقق الدولية الأخيرة لتصريحات سابقة للأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، التي قالت عقب الإعلان عن فوز الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي بمنصب رئاسة الجمهورية "إن إيران لا تزال تخفي حقيقة ما جرى عام 1988، وإذا ما كان للرئيس الإيراني الجديد يد فيها. أن الأمر يتعلق بإعدامات لآلاف السجناء السياسيين، وتخفي السلطات الإيرانية، حتى اليوم، الملابسات المحيطة بمصير الضحايا وأماكن جثثهم، إخفاء منهجياً، يصل إلى حد الجرائم المستمرة ضد الإنسانية".
مآلات الدعوة
وحول إمكانية تسليم السلطات الإيراني للرئيس المُنتخب لأية هيئة تحقيقية أممية، أو فتح الملفات والسماح للمحققين الدولية بزيارة إيران وإجراء استقصاء حُر ومنظم بهذه الواقعة ودور الرئيس المُنتخب فيها، شرح الباحث الإيراني مهرداب شيرزادي في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" ذلك، قائلا إن "من المُستبعد تماماً أن تُقدم السلطات الإيراني على أي أمر من ذلك، فالمسألة بالنسبة لها واحدة من الأسرار الأمنية الداخلية، مثل الملف النووي تماماً".
أضاف أن التحقيق المستقيل والإدانة الأممية الواضحة لما جرى، سيعني فعلياً إدانة النظام السياسي في البلاد وسلوكه التقليدي تجاه مواطنيه ومعارضيه السياسيين، وسيفتح المجال أمام إمكانية حدوث مطالبات أخرى في ملفات أخرى تتعلق بممارسات حقوق الإنسان، من ضحايا الثورة الخضراء عام 2009 في السجون الإيرانية، مروراً بضحايا التظاهرات السلمية وليس انتهاء بالكشف عن مصير آلاف الضحايا الذين سقطوا في السجون الأمنية للنظام طوال سنوات".
الباحث الإيراني أضاف خلال حديثه "لا يعني هذا أن الأمر بلا طائل، فالعديد من الرؤساء المُنتخبين لاحقتهم ممارساتهم الجنائية لسنوات، وبعضهم نال عقاباً خلال السنوات الأخيرة من أعمارهم، والرئيسان التشيلي والصربي مثالان مباشران خلال السنوات الأخيرة".
سكاي نيوز عربية