أخبار لبنان

الكهرباء إلى ساعتين يوميّاً وإلى الصفر بعد خمسة أيام!‏

تم النشر في 3 تموز 2021 | 00:00

صار الحديث عن العتمة ممجوجاً. هي واقعة فعلاً، ولا بديل عنها طالما أن ‏مصرف لبنان يحجب دولاراته عن القطاع، المنهار أصلاً. من أصل 1800 ‏ميغاواط ممكنة، تنتج كهرباء لبنان 788 ميغاواط، لكن هذه الكمية الضئيلة ‏سنخفض بدءاً من اليوم إلى 638 ميغاواط. سيؤدي ذلك إلى وصول التغذية إلى ‏ساعتين يومياً، وإلى الصفر بعد خمسة أيام، إذا ما لم يفتح المركزي الاعتماد ‏الخاص بباخرة الديزل التي وصلت إلى بيروت منذ أيام. حتى إذا حلت هذه ‏المشكلة، فإن أزمة عدم تمويل الصيانة في المعامل، ستسهم في استمرار إطفائها.‏

لا حلول جدّية يمكن الركون إليها في أي من القطاعات الحيوية. بالترقيع تُعالج كل ‏الأزمات. أزمة المحروقات نموذجاً. ارتفاع السعر بما يفوق الخمسين في المئة، لم ‏يسهم في إنهاء الطوابير أمام المحطات. لكن الكهرباء قصة مختلفة. تلك قنبلة ‏موقوتة تُهدد الناس بالعتمة يومياً. في الأصل، استمرار التغذية بالطريقة الراهنة، ‏ليس سوى احتيال على العتمة التي صارت واقعاً.‏

ولّى زمن حلم الـ24 على 24 ساعة تغذية. العودة إلى التقنين السابق، أيام كان ‏الحد الأدنى للتغذية 12 ساعة يومياً، صار أقصى الأحلام. وهذا صعب المنال، ‏بالنظر إلى الواقع الراهن: معدّل التغذية في بيروت اليوم ما بين 5 و7 ساعات، ‏فيما ينخفض في بقية المناطق إلى ما بين 3 و5 ساعات. الكارثة الفعلية أن هذا ‏المستوى المنعدم من التغذية كان أفضل مما سبق. بحسب إحصاءات مؤسسة ‏كهرباء لبنان، فإن الإنتاج ارتفع إلى 788 ميغاواط، بعد عودة الباخرتين التركيتين ‏إلى العمل. وفيما وصلت طاقتهما الانتاجية إلى 293 ميغاواط، لم يزد الإنتاج في ‏معملي الزهراني ودير عمار معاً على 270 ميغاواط (القدرة الإنتاجية القصوى ‏‏880 ميغاوط) بسبب السعي إلى تمديد عمرهما، بعدما وصلا إلى مرحلة توجب ‏الصيانة الدورية لهما، والتي تكلّف ما يزيد على 40 مليون دولار، بحسب الشركة ‏المشغلة. وفيما يُنتج المعملان القديمان في الجية والزوق 148 ميغاواط، لا يزال ‏المعملان الجديدان شبه متوقفين عن العمل (ينتجان 32 ميغاواط من أصل نحو ‏‏370 ميغاواط) بسبب رفض مصرف لبنان دفع ما يقارب 5 ملايين دولار لتأمين ‏الزيوت وإجراء الصيانات الضرورية. علماً أن دفع هذا المبلغ يمكن أن يزيد ‏التغذية نحو ساعتين إضافيتين.‏

حتى هذا الوضع المأساوي، أعلنت المؤسسة أنها لن تكون قادرة على المحافظة ‏عليه. إذ أشارت في بيان أمس إلى أنه نظراً لعدم فتح مصرف لبنان لاعتماد باخرة ‏‏«غاز أويل» وصلت إلى دير عمار في 28 حزيران الماضي، ونظراً لاستنفاد ‏مخزون هذه المادة بشكل حاد جداً، «ستعمد إلى توقيف المعملين بالتتابع، مما ‏سيخفض القدرة الاجمالية لهما بحوالي 150 ميغاواط، ويطيل فترة الإنتاج لأربعة ‏أيام».‏

هذا يعني أن الإنتاج سيتراجع إلى 638 ميغاواط، والتغذية ستتراجع ساعة ونصف ‏ساعة وسطياً في كل المناطق. كما أن تأخير فتح الاعتماد سيؤدي إلى إطفاء ‏المعملين بشكل تام في اليوم الخامس! وبحسب ما تردد، فإن تأخير فتح الاعتماد ‏يعود إلى خلاف بين مصرف لبنان ووزارة المالية بشأن كيفية تسديد الوزارة ‏للاعتمادات، لكن مصادر «المالية» نفت وجود أي مشكلة، مشيرة إلى أن الاتفاق ‏قضى بالاقتراض بالدولار وهو ما يحصل.‏

للتذكير، فإنه بعدما فتح مجلس النواب اعتماداً استثنائياً لكهرباء لبنان بقيمة 300 ‏مليار ليرة، رفض مصرف لبنان تحويله إلى الدولار، من دون الحصول على ‏تغطية قانونية سمحت لوزارة المالية الاقتراض من المصرف بالعملات الأجنبية. ‏لكن مع اعتبار أن ذلك كان الحل، فإن الأزمة التي أطلّت في آذار ستعود في نهاية ‏تموز. الـــ200 مليون دولار المخصصة للفيول شارفت على النفاد، ويتوقع أن لا ‏تكفي لشراء الفيول حتى نهاية الشهر. وإذا لم يُفتح اعتماد جديد لن يكون بإمكان ‏وزارة الطاقة شراء الفيول.‏

سلفة «كهرباء لبنان» تكفي حتى نهاية تموز

لا اتفاق بين المصرف والحكومة بشأن قيمة المبلغ الذي صرف من الاعتماد الحالي ‏حتى اليوم، لكن التقديرات تشير إلى ما يتجاوز 100 مليون دولار. أما سبب ‏الخلاف فيعود إلى الشحنة التي استقدمت أثناء وقف المجلس الدستوري العمل ‏بقانون السلفة. إذ تبيّن لاحقاً أن مصرف لبنان يريد اعتبارها جزءاً من الـ200 ‏مليون دولار. وبالنتيجة، إضافة إلى الـ100 مليون دولار التي صرفت، فإن ‏الـ100 مليون دولار الباقية لن تكفي لأكثر من الاعتمادين اللذين فُتحا لباخرتي ‏فيول (60 ألف طن) ومازوت (50 ألف طن)، إضافة إلى اعتماد يُتوقع أن يُفتح ‏قريباً لشحنة مازوت (55 ألف طن)، بما يكفي لتشغيل المعامل، وفق المعدل ‏الراهن، حتى نهاية تموز.‏

إلى ذلك الحين، وإلى أن يتضح ما إذا كان سيعاد فتح اعتماد بالقيمة نفسها، كما ‏يتردد (تعتبر وزارة الطاقة أن ذلك يمنع إطلاق مناقصات لشراء الفيول أو وضع ‏خطط للاستيراد)، وطالما أن مصرف لبنان مصرّ على رفض تأمين الدولارات ‏التي يحتاجها القطاع، فإن المؤسسة ستستكمل سياستها في إطفاء بعض وحدات ‏الإنتاج من أجل تقليص استهلاك الفيول وتأخير الصيانات قدر الإمكان. وتؤكد ‏مصادر عاملة في القطاع أن كل ما يجري حالياً سببه حرمان مصرف لبنان ‏للمؤسسة من الدولارات الضرورية لشراء الفيول بالكميات التي تحتاجها ولإجراء ‏الصيانات اللازمة وشراء قطع الغيار، ولولا ذلك لأمكن زيادة الإنتاج إلى 1800 ‏ميغاواط. علماً أن وزارة الطاقة سبق أن أبلغت المصرف أكثر من مرة أن ما يدفعه ‏على الكهرباء يبقى أوفر من تغطيته حاجة المولّدات للمازوت لتغطية الفارق، لكن ‏من دون جدوى. اليوم، وبعدما وصل سعر المازوت إلى 55 ألفاً، فإن هذه المعادلة ‏قد تغيّرت، لأن النقص صار يطال المولدات أيضاً، التي تضطر لإطفاء محركاتها ‏لسببين: عدم توافر الكميّات الكافية من المازوت وعدم القدرة على تعويض ساعات ‏القطع الطويلة، ما يضطرها إلى التقنين بدورها «حماية» لمحركاتها.‏

بالنتيجة، وبعد بيان «كهرباء لبنان»، ستتراوح التغذية خارج بيروت بين ساعة ‏ونصف وثلاث ساعات ونصف، مقابل ثلاث ساعات ونصف إلى 5 ساعات ‏ونصف في بيروت! وهذا يعني أنه لولا عودة باخرتي الكهرباء إلى العمل، لكانت ‏حلت العتمة بشكل كامل، إذ إن وصول الإنتاج إلى معدل 345 ميغاواط يعني عملياً ‏استحالة تأمين استقرار الشبكة.‏




الأخبار