معروف الداعوق - اللواء
يطمح رئيس "حزب القوات" اللبنانية سمير جعجع للفوز بأكبر كتلة نيابية بالانتخابات المقبلة، كما اعلن مؤخرا بصراحة، ولذلك يلاحظ أنه وضع في سلم أولوياته المطالبة بتقصير ولاية المجلس النيابي، لاتاحة اجراء الانتخابات النيابية قبل موعدها في شهر أيار المقبل، معللا اصراره على هذا المطلب، بأن الانتخابات هي مدخل لتغيير الواقع السياسي المتردي وبدء مرحلة جديدة واعدة.
لم يقتصر الامر عند هذا الحد، بل حث نواب كتلة القوات على تقديم هذا المطلب على ماعداه والاضاءة عليه في كل اطلالاتهم ومواقفهم،بالمجلس النيابي وغيره،بينما لوحظ انحسار التركيز على مأزق تشكيل الحكومةالجديدة ،والجهات المسؤولة عن التعطيل والتجاوزات الدستورية،ومشاكل اكثر أهمية في هذاالظرف الصعب الذي يمر به البلد..
بدا موقف جعجع هذا مستغربا ونافراً، في ظل تدحرج المشاكل والازمات، وليس مقنعا للكثيرين، وعما إذا كان توقيت هذا الطرح ملائما أم لا ، لا سيما وانه، عندما حدث الانفجار المدمر في مرفأ بيروت، قبل ما يقارب العام ،حاول رئيس حزب القوات اللبنانية ركوب موجة تداعياته الماساوية، فلوح مرارا باستقالة نواب كتلته، حمّس بعض النواب المستقلّين، الذين تجاوبوا بالفعل ولكنه كعادته، وضع استقالات نوابه في جيبه كما اعلن، وقطع بازار المساومات الطريق على اي محاولةللاستقالة، لانهاء ولاية المجلس وإجراء انتخابات مبكرة، وترك النواب المستقيلين يحصدون نتائج الاستقالةالسياسية لوحدهم . التغيير السياسي الذي يسوّق جعجع لحدوثه الان من خلال اجراء الانتخابات النيابية،وهمُ و غير ممكن، في ظل الواقع السياسي الداخلي المعقد و المرتبط بالصراع الاقليمي.
حتى ولو فازت القوات بأكبر كتلة نيابية مسيحية بالانتخابات المقبلة، لماذا؟ ببساطة لان المشكل الأساس الذي يقبض على انفاس البلد في مكان آخر ، يصرُ جعجع على تجاهله اوالتغاضي عنه وهو استمرار ميشال عون بسدة الرئاسةلماتبقى من ولايته المشؤومةوموكلا جانبامن مهامه الدستورية لصهره النائب جبران باسيل، خلافا
للدستور لتقرير مصير الحكومةالجديدة والبت بالأمور المهمة للرئاسة. يتجنب جعجع توجيه الانتقاد المركز والهادف لتصرفات وممارسات رئيس الجمهورية وصهره التي اوصلت البلد الى حالة الانهيار المدمر،الا بالمناسبات لرفع العتب امام الرأي العام من وقت لآخر. بينما يلاحظ ان عون المستند الى تفاهم معراب،الموقّع مع جعجع،لايبدو منزعجا من معارضة القوات الخجولة، يغطي من موقعه الرئاسي، استمرار حزب الله بسلاحه غير الشرعي، قابضا على مفاصل الدولة ومتحكما بالوضع السياسي فيها .قبلها جرّب رئيس حزب القوات مع تحالف قوى ١٤ آذار سابقا، وكان لديهم الاكثرية النيابية، تغيير الواقع السياسي نحو الافضل واصطدموا بجدار السلاح غير الشرعي، المعطل لكل محاولات التغيير والانتقال الى مرحلة اكثر اشراقا يتمناها معظم الناس.
الآن يحاول جعجع الهروب إلى مطلب إجراء الانتخابات النيابية اليوم قبل الغد، مسددا سيل الاتهامات للمنظومة الفاسدة،وكأنه اتٍ مع بعض قواته، من المدينة" الفاضلة"،ولم يشارك في السلطة في وزارات بصماتها ماثلة في الصحة على سبيل المثال اوماقبلها . يريد الهاء ألناس بالانتخابات عوضا عن مساءلته عن ادائه الملتبس في الواقع السياسي، وما يقوم به من دور وجهود للبحث بمطالب أكثر أهمية يعانون من ويلاتها كل ساعة، ولا يجدون من هو قادر على انهاء هذه المعاناة او ايقافها عند حدود معينة. يهرب جعجع إلى الانتخابات ،لتجنب مساءلته عن دوره ومسؤوليته بتسهيل وصول عون ،احد اسباب المشكل الحالي بالبلد الى رئاسة الجمهورية، نكاية بكل من طرح اوسوّق لترشيح خصمه السياسي ،رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة ولقطع الطريق نهائيا على اي مرشح محتمل، لايرضى عنه او يماشيه . هروب رئيس حزب القوات الى الانتخابات النيابية، برغم مايحدث بالبلد،لاحداث التغيير الذي يروج له، طامعا بوراثة تركة التيار الوطني الحر الموعودة، وهي التي تدغدغ طموحاته منذ زمن، بعد ظهور بوادر تفرق" العشاق عن دف "العونية المثقوب ،ليصبح رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية بالبرلمان المقبل ومن خلالها الى نعيم الكرسي البراقة، قد يكون ممكنا او محفوفا بصعوبات وعوائق غير متوقعة، ولكن تحقيق طموحه ،في الطريق إلى حلمه الأساس والابدي، بالرئاسة الاولى في ظل انعدام كل التحالفات السياسية مع حزبه ، وبعدما جرب حظه سابقا وفشل،يبدو مستحيلا .ولكن كل ذلك سابق لاوانه، وهو مرتبط بظروف اجراء الانتخابات . الا إن طرحها كاولوية على ماعداها من مشاكل وازمات، في هذا الظرف بالذات وعلى انقاض الانهيارالمتواصل ،تظهر بوضوح ان جعجع وحزبه، في مكان والناس في مكان بعيد جدا ،وليس اقطاب السلطة لوحدهم في مكان والشعب في مكان ثان فقط،وهذا اكبر دليل على أن مايعانيه الناس يبقى آخر همومهم..