كتبت صحيفة "النهار" تقول: لم تكفّ الصدمة المهينة للسلطة عموماً التي ترددت أصداؤها بقوة أمس غداة "فضيحة السرايا" حتى برز تطور ديبلوماسي غير مسبوق ينطوي على معطيات ودلالات يعتقد انها على جانب كبير من الأهمية فاجأت بدورها كل اركان السلطة، كما جميع القوى السياسية، بحيث بدا الجميع في حالة غياب عن مجريات تطورات خارجية متقدمة تسعى بقوة الى منع انهيار لبنان. هذا التطور تمثل في المفاجأة التي اثارها صدور بيانين متزامنين أمس عن كل من السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية آن غريو تعلنان فيهما انهما ستتوجهان معاً الى المملكة العربية السعودية لعقد اجتماعات اليوم مع مسؤولين سعوديين، وان هذه الزيارة تأتي عقب الاجتماع الثلاثي بشأن لبنان لكل من وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ووزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود الذي سبق ان عُقِد في 29 حزيران الماضي، على هامش مؤتمر قمة مجموعة العشرين، في مدينة ماتيرا في إيطاليا. وهذه سابقة ديبلوماسية من حيث زيارة سفيرتين لدولتين كبريين دولة ثالثة بارزة في موقعها حيال لبنان للبحث في الازمة اللبنانية، الامر الذي دفع بعض الأوساط الى الاستنتاج بأن دولاً أساسية وعديدة بدأت تتعامل مع الواقع اللبناني كأن لا سلطة فيه بعدما سقطت كل معالم الثقة الدولية بهذه السلطة وبالطبقة السياسية.
وأكدت السفيرة شيا انها "ستؤكد أهمية المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني، فضلاً عن زيادة الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي. وبالشراكة مع نظيريها الفرنسي والسعودي، ستواصل العمل على تطوير الاستراتيجية الديبلوماسية للدول الثلاث التي تركز على تشكيل الحكومة وحتمية إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان بشدة".
بدورها اكدت السفيرة غريو انها "ستشرح خلال لقاءاتها بأنه من الملحّ أن يشكلّ المسؤولون اللبنانيون حكومةً فعالة وذات صدقية تعمل بهدف تحقيق الإصلاحات الضرورية لمصلحة لبنان، وفقاً لتطلّعات الشعب اللبناني. وستعرب مع نظيرتها الأميركية عن رغبة فرنسا والولايات المتحدة في العمل مع شركائهما الإقليميين والدوليين للضغط على المسؤولين عن التعطيل. ستشدّد أيضاً على ضرورة المساعدات الإنسانية الفرنسية المقدّمة مباشرة للشعب اللبناني وللقوات المسلحة اللبنانية ولقوى الأمن الداخلي التي ستستمر فرنسا والولايات المتحدة بدعمها".
ويتخذ هذا التطور أهميته من كونه يأتي امتداداً للقاء وزراء الخارجية للبلدان الثلاثة بما يعكس ان اتفاقاً او تفاهماً محدداً حصل في ذاك اللقاء وستحمل لقاءات السفيرتين الأميركية والفرنسية مع مسؤولين سعوديين اليوم معطيات جديدة حيال تنفيذ ما سيتفق عليه في شأن الازمة الحكومية اللبنانية، كما في موضوع مد لبنان بمساعدات حيوية تحول دون انهياره. حتى ان بعض الأوساط الديبلوماسية والسياسية ابرز أهمية بعيدة المدى للتنسيق الأميركي الفرنسي السعودي، اذ تجري الان بلورة جهد ثلاثي من خلال التنسيق مع السعودية الراعية الأساسية لاتفاق الطائف حيال الازمة اللبنانية الراهنة. ويتركز هذا الجهد على الضغط المتعاظم على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل حكومة جديدة، كما يتركز في الجانب الاخر على درس الجوانب الأكثر إلحاحاً في موضوع دعم القطاعات الأكثر حاجة للشعب اللبناني.
وليس بعيداً من أجواء التحضيرات الفرنسية لعقد مؤتمر دعم ثالث للبنان قبل الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، وصل امس الى لبنان منسق المساعدات الدولية من اجل لبنان السفير بيار دوكان، في زيارة تستمر حتى الثلثاء المقبل، يلتقي خلالها الفاعليات الاقتصادية والسياسية. وتهدف الزيارة، وفق بيان عن السفارة الفرنسية، الى "متابعة المساعدة الفرنسية والاستمرار في حض وتحفيز الشركاء الدوليين وتحديد الحاجات من اجل مؤتمر الدعم 3 الذي سيخصص للشعب اللبناني والذي سينظم قريبا".
الحريري وكتلته
وسط هذه التحركات الخارجية البارزة استمر الملف الحكوميّ بعيداً عن دائرة الحسم خلافا للتسريبات الإعلامية التي ملأت المشهد الداخلي وأوهمت الرأي العام الداخلي بان الساعات المقبلة ستشهد اعلان الرئيس المكلف سعد الحريري اعتذاره عن التأليف. ولعلّ الجديد البارز حكوميّاً الذي يمكن الإضاءة عليه، يتمثّل في معلومات "النهار" من أجواء اجتماع الرئيس الحريري مع كتلته النيابية امس ، حيث وضعهم في الأسباب التي تحول دون ولادة الحكومة، مشيراً الى تعنّت فريق العهد الذي لا يريد حكومة، وفق التعبير الذي استخدمه مباشرة. ولفت الحريري أمام نواب كتلة المستقبل إلى أنّه وافق على التكليف لأنه قارب وضع البلد واستعدّ لخوض مهمّة وقف الانهيار، من ضمن تصوّر قائم على تأليف حكومة من اختصاصيين غير حزبيين. ورأى أن البلاد تتّجه فعليّاً مع كلّ يوم إضافي إلى مزيد من الانهيار، والشعب اللبناني يفتقد القدرة على التحمّل. وانطلاقاً من هذه الصورة، وضع الرئيس المكلّف على طاولة الخيارات أمام أعضاء كتلة "المستقبل" مجموعة أفكار ومقترحات سيعمل على دراستها، بما في ذلك خيار الاعتذار عن عدم التأليف الذي عاد ليبرز كاحتمال أساسيّ بين مجموعة الأوراق التي يحملها في يده، من دون أن يعني ذلك اتّخاذ قرار بالاعتذار حتى الآن.
وفيما لا يبدو انطلاقاً من المعطيات التي ترويها مصادر "بيت الوسط" أنّ الحريري في صدد التحضير لتقديم مسوّدة حكومية جديدة حتى الساعة الى رئيس الجمهورية، تؤكد معلومات أخرى انه من غير الوارد ان يقبل أي من رؤساء الحكومات السابقين وتحديدا الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام ان يتوليا مهمة تشكيل الحكومة مكان الرئيس الحريري في حال اعتذار الأخير، كما فهم انه ليس وارداً أقله حتى الان ان يغطي الحريري أي اسم محتمل لتأليف الحكومة في حال اعتذاره.
باسيل: اكثر الخاسرين
في المقابل أكد رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل لـ"النهار" أنّ "اعتذار الحريري عن عدم التشكيل هو خسارة بالنسبة الينا وليس ربحاً كما يعتبر البعض، بل نحن أكثر الخاسرين، ويحزننا جداً أن يعتذر، ونحن قمنا بكل شيء كي تنجح عملية التشكيل، ومستعدون للقيام بأي خطوة من شأنها المساهمة في استمرار الحريري بمهمته وعدم إضاعة المزيد من الوقت الذي يجب أن نستثمره في ضبط الانهيار". ورداً على سؤال في شأن إمكان التفاهم مع الحريري إذا تشكلت الحكومة، قال باسيل: "في الماضي تفاهمنا مع الحريري على الكثير من المواضيع، وبإمكاننا اليوم الاتفاق، ولا شيء من جهتنا يمنعنا من التفاهم معه، وأنا جاهز كما في السابق للنقاش في كل الأمور وسنجد مساحة مشتركة تصبّ في مصلحة الجميع".
وفي موضوع إصرار"التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية على تسمية الوزيرين المسيحيين، أكّد باسيل أن "الرئيس عون لم يطالب يوماً بتسمية اي من الوزيرين المسيحيين، والاقتراح المنطقي يقضي بموافقة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على اسمين من لائحة مقترحة عليهما تتضمّن أسماء اختصاصيين غير محسوبين على أي منهما، فيتفقان على الإسمين بما يؤدّي الى ان لا يحصل رئيس الجمهورية بأي شكل على الثلث الضامن، ولا تنحصر كذلك التسمية بالرئيس المكلّف. كما انّ موضوع الثقة قد تمّ معالجته، فلماذا الاعتذار ؟"
النهار