كتبت "انهار" تقول: اذا كانت مواقف الدول الكبرى التي عادت تطل على المشهد اللبناني تكتسب أهمية بارزة من شأنها ان تعزز الإتجاه الى تعليق خيار اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري او التريث فيه على أقل تقدير، فان هذا الملف على أهميته لم يحجب التطور القضائي الساخن الذي بدا معه ان مواجهة حادة جديدة ومصيرية بدأت حول التحقيقات الجارية في ملف انفجار مرفأ بيروت، عشية احياء الذكرى السنوية الاولى للانفجار.
ذلك أن خلاصة بديهية انتهت اليها طلائع المواجهة التي بدأت فصولها بين المحقق العدلي في انفجار مرفآ بيروت القاضي طارق البيطار والهيئة المشتركة لمجلس النواب ووزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال محمد فهمي، مفادها ان المعركة الحاسمة الثانية في هذه القضية المتوهجة قد اندلعت علماً ان المعركة الاولى كانت أدت الى إسقاط المحقق العدلي الأول في هذا الملف فادي صوان تحت وطأة الضغوط والمداخلات السياسية التي اجهضت مهمته. ولعلّ المفارقة الأشدّ إثارة للقلق على مسار التحقيق العدلي الذي يتبعه المحقق العدلي الثاني انه على رغم ان مجلس النواب لم يقل كلمته الحاسمة النهائية بعد في طلب المحقق العدلي رفع الحصانات عن ثلاثة نواب – وزراء سابقين، وأرجأ قراره طالباً مزيداً من الأدلة فان الظروف الموضوعية التي تواكب هذه الجولة من التحقيقات لم تعد واقعياً ومعنوياً ولا أيضاً بقياس 11 شهرا بعد الانفجار تحتمل هذا الترف في التريث والمماطلة لو لم يكن ذلك مؤشراً على بداية مواجهة بين المجلس والمحقق العدلي تمهد لرفض رفع الحصانات واعتبار المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو المرجع الصالح، لا القضاء، لمحاكمة النواب – الوزراء السابقين وتالياً ترسيخ الإقتناع السائد بأن كشف الحقيقة في انفجار المرفأ ممنوع !. فما حصل أمس إن من جهة اجتماع الهيئة المشتركة لمجلس النواب في عين التينة او لجهة التسريب الملتبس غير الرسمي لقرار وزير الداخلية برفض طلب الاذن بملاحقة المدير العام للامن العام شكل حقيقة الصدمة الأولى التي سددت من رموز الطبقة السياسية الى المحقق العدلي في استعادة مخزية تماماً لدس الافخاخ في مهمة القاضي بعدما بدأ توغله نحو تجاوز الممنوعات والخطوط الحمر في مقاربة تحديد التبعات الجزائية والإدارية والأمنية في ملف انفجار المرفأ.
ومن شأن بروز طلائع هذه المواجهة الحتمية ان يثير هذه المرة تداعيات سلبية للغاية نظراً الى حال التعبئة النفسية والمعنوية الواسعة جداً لدى الرأي العام الداخلي حيال رفض أي عرقلة او تعطيل او ضغط على المحقق البيطار من شأنها نسف مهمته والحاقها بمصير سلفه، خصوصاً ان شبهة العرقلة بدأت تتصاعد مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانفجار المرفأ بكل ما ستحمله من انفعالات.
وكان اجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل لدرس طلب رفع الحصانة عن النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر و نهاد المشنوق افضى الى “وجوب طلب خلاصة عن الأدلة الواردة في التحقيق وجميع المستندات والأوراق التي من شأنها اثبات الشبهات” كما اعلن نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي. واضاف: “ستعقد الهيئة المشتركة فور تزويدها الجواب المطلوب اجتماعا آخر واستكمال البحث واعداد التقرير للهيئة العامة لمجلس النواب وفقا للأصول”. واكد ان المجلس النيابي “يتعهّد بمتابعة هذا الملف بحذافيره وفقاً للدستور وصولاً لتبيان الحقيقة كاملة في موضوع انفجار المرفأ”.
وكشف رئيس لجنة الادارة والعدل النائب جورج عدوان: “نحن كتكل جمهورية قوية فقط من سجّلنا اعتراضاً على تأجيل موضوع رفع الحصانات وكنّا مع اتخاذ القرار اليوم”.
وواكب هذا التطور احتشاد اهالي ضحايا المرفأ امام عين التينة وحاولوا الدخول الى المقر، الا ان القوى الامنية تصدت لهم قبل ان يتوجّهوا الى وزارة الداخلية للاعتصام. وقد صدر عنهم بيان حذر النواب من ان “تهرّبكم من التحقيق يعادل السماح لنا بالدخول الى بيوتكم من دون أي اذن، لجلبكم للتحقيق بالقوة ومعرفة مدى تواطئكم مع الميليشيات الداخلية او الدول والأموال الخارجية. لا زلنا ننتظر مثولكم امام القضاء وفي حال عدمه انتظروا منا ما لم ترونه سابقا من تحركات غير سلمية”.
واكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “ان انفجار المرفأ قضيتنا ومعركتنا وسنخوضها حتى بلوغ الحقيقة، في مجلس النواب عبر مواقف كتلة “الجمهورية القوية” لرفع الحصانات عمن وردت اساؤهم في طلبات القاضي البيطار، وهنا تبرز صوابية عدم استقالتنا من البرلمان”. وقال ” اذا أصّر البعض على ترهيب المحقق العدلي على غرار ما فعلوا مع سلفه القاضي فادي صوان وقد حملوه على التنحي بكل الوسائل الممكنة بدءاً من بعض العيوب في شكل الادعاءات وصولا الى ممارسات ترهيبية فعلية، آنذاك لا مناص من طلب لجنة تقصي حقائق دولية كنا طالبنا بادراجها في بنود الورقة الفرنسية إبان اجتماع قصر الصنوبر مع الرئيس ماكرون فعارضها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد”.
روسيا والحريري
اما في الملف الحكومي فبرز امس بيانٌ صدر عن وزارة الخارجية الروسية، ووزّعه المكتب الاعلامي للرئيس سعد الحريري، عن اتصال هاتفي بين الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والرئيس الحريري أكد فيه الجانب الروسي “ضرورة دعم كل الجهود في سبيل الإسراع بتشكيل لبنان حكومة مهمة قادرة، من التكنوقراط، برئاسة الرئيس سعد الحريري. كما شدد على ضرورة الوصول إلى توافق وطني بين كل القوى السياسية والطائفية الأساسية الفاعلة، على مبادئ الوحدة الوطنية ووحدة الأراضي اللبنانية والاستقلال والسيادة”.
البيان المشترك
وبرزالتطور الثاني في صدور البيان الاميركي-الفرنسي المشترك حول زيارة سفيرتي البلدين في بيروت دوروثي شيا وآن غريو للمملكة العربية السعودية الذي أشار الى انه “خلال زيارة العمل هذه، أكدت السفيرتان غريو وشيا الحاجة الماسة إلى حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة تكون ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات. وقد اشارتا إلى أن الحكومتين الفرنسية والأميركية، وكذلك شركاء آخرين يعتمدون التوجه نفسه، يقومون بمواصلة تقديم المساعدة الطارئة إلى الشعب اللبناني بما في ذلك الدعم الصحي والتعليمي والغذائي. كما شددت السفيرتان غريو وشيا على أن إجراءات ملموسة يتخذها قادة لبنان لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد ستكون حاسمة لإطلاق دعم إضافي من فرنسا والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين والدوليين".
وفي هذا السياق شدد مساعد وزير الخارجية الاميركية على ان “الجيش اللبناني ركيزة أساسية للاستقرار في البلاد”. وصرح عبر محطة “الحدث”: “لن نخصّص أموالا لمساعدة لبنان دون رؤية تغييرات أساسية”. ولفت الى انه “على سياسيي لبنان تشكيل حكومة فوراً إذا أرادوا الظهور بمظهر القادة".
النهار