ولم يعد حر الصيف ولهيبه سبباً وحيداً لهذا "النزوح" الطوعي الجماعي الى "كينايات " الأولي تلك الأشجار المعمرة العملاقة التي تختزن عمراً يمتد الى اكثر من مائة عام ، حتى منحت المكان اسمها وامتياز فيئها وتقاسمت والنهر ذكريات أجيال وأجيال ولا تزال تنبض بروادها كباراً وصغاراً يلقون في مياهه مع اجسادهم هموم حاضرهم .. وأكثرها وطأة على المواطن هذه الأيام ازمة انطفاء كهرباء الدولة والمولدات في آن ، والتي تدفع عددا كبيرا من العائلات اسبوعياً واحيانا خلال الأسبوع الى الهروب من "جحيم" البيوت الى " جنة "طبيعية قريبة المنال مسافةً وامكانيات ، ما يجعل من محلة الكينيات على الأولي بالنسبة لهم ملاذاً مثالياً من الحر ، ومتنفساً لبعض الوقت من الاختناق بالأزمات الحياتية يلتقطون خلالها انفاسهم هواءً نظيفاً وترويحاً عن النفس، نزهةً وتريضاً وسباحة وابتراداً في مياه النهر .. او لممارسة هواية فيما يصطحب بعضهم معه نرجيلته ينفث مع دخانها هموم يومه.
وها هي " كينايات الأولي ، بحلتها المتجددة ، بإشراف "جمعية محمد زيدان للإنماء " التي قامت قبل سنوات بعملية تأهيل للضفة الجنوبية للنهر وتنظيم الجلوس بفيء أشجارها ، تنبض بالرواد من العائلات يقصدونها خلال عطلة نهاية الأسبوع ( أيام الجمعة والسبت والأحد ) من صيدا ومن غير منطقة في محيطها شرقا وشمالاً وجنوباً ، حيث يشهد هذا المرفق الطبيعي الذي يعتبر جزءا من تراث وذاكرة صيدا، اقبالاً كثيفا ًمنذ بداية فصل الصيف ، زادت من وتيرته ازمة انقطاع الكهرباء عن البيوت ، فيجدون فيه ما يخفف عنهم هموم يومياتهم وضغط الأزمات على اختلافها ، وما يحررهم من " أسر" التقنين الكهربائي في المنازل الى متعة الاستجمام تحت ظلال اشجار الكينا في ضيافة النهر الكريم بتدفقه وببرودة مياهه ولو لبضع ساعات ، قبل العودة من جديد للغرق في لجّة الأزمات اليومية .
رأفت نعيم