أقام سيادة متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده، جنازاً لراحة نفوس الضحايا الذين سقطوا في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي (مستشفى الروم) من ممرضات
ومرضى وزوّار، في قاعة الاستقبال في مدخل المستشفى الذي أصابه انفجار المرفأ إصاباتٍ مدمّرة، بحضور اهل الضحايا،
ومحافظ بيروت القاضي مروان عبود والمحافظ السابق القاضي زياد شبيب ونقيب أطباء لبنان بيروت البروفسور شرف أبو شرف، ونقيبة الممرضات الدكتورة ريما ساسين قازان والمدير العام للمستشفى ادغار جوجو والمدير الطبي الدكتور إسكندر نعمة وأعضاء مجلس الإدارة والاداريين والاطباء والممرضات والعاملين الصحيين واهل المستشفى.
بعد الصلاة كان لسيادة المطران كلمة جاء فيها:
"فـــي مِــثْـــلِ هـــذا الــيـــوم مـــن الــســنـــةِ الــمـــاضــيـــةِ، كـــان هـــذا
الــمــســتــشــفـــى يَــضُـــجُّ بـــالــحــيـــاةِ والــحـــركـــة، وفــجــأةً، وقُـــبَــيــلَ
الــمــغــيـــب، وكــأنّ يـــداً آثــمـــةً امــتـــدتْ لــتــحـــوّلَ الــحــيـــاةَ جــحــيــمـــاً
ابــتــلـــعَ أرواحـــاً عـــزيـــزةً، وتَــرَكَ مـــآسٍ، وخــلّــفَ دمـــاراً وبـــؤســـاً مـــا زلــنـــا بــعـــد مـــرورِ ســنـــةٍ نــلــمــلـــمُ آثـــارَه بِــغَــصَّـــةٍ وألـــم. لــقـــد ولّـــدَ انــفــجـــارُ 4 آب ذهــولاً عــنـــد أبــنـــاءِ بــيـــروت الـــذيـــن فــقـــدوا
أبــنـــاءَهـــم، وخَــسِــروا مــنـــازلَــهـــم، وأصــبــحـــوا مــشــرّديـــن بـــلا
مـــأوى، عـــاجـــزيـــن عـــن اســتــيــعـــابِ مـــا حـــلَّ بــهـــم، ولا ذنـــبَ لــهـــم إلاّ أنــهـــم اخــتـــاروا الــعــيـــشَ فـــي هـــذه الــمــنــطــقـــةِ الــعـــزيـــزة.
أمـــا هـــذا الــمــســتــشــفـــى، الـــذي نـــذرَ نــفــسَـــه مــنـــذ أكــثـــرَ مـــن
قـــرنٍ ونــصـــفِ قــرن، لــخـــدمـــةِ الــمـــريـــضِ والــمــحــتـــاج، فــقـــد
فَــقَـــدَ مُــمـــرّضــاتٍ عـــزيــزاتٍ جــداً عــلـــى قــلـــوبِــنـــا، ومـــرضـــى وزواراً أحــبّـــاء، كــمـــا فَــقَـــدَ الــكــثــيـــرَ مــمّـــا ســـاهـــمَ آبـــاؤنــا وأجـــدادُنـــا فـــي بــنـــائِـــه عــلـــى مَــرِّ الـــزمـــان. هـــذا الــمــســتــشــفـــى ســقــطـــتْ أجـــزاءٌ مــنـــه عــلـــى رؤوسِ مَـــن كـــانـــوا داخــلَـــه وجُـــرِحَ الــمــئـــاتُ
وأُصــيــبـــوا، مـــرضـــى وأطــبـــاءَ ومــمـــرّضــيـــن وزواراً، لــكـــنّ إرادةَ
الــحــيـــاةِ كـــانـــت أقـــوى مـــن الـــدمـــار، والإيــمـــانُ كـــان أقـــوى مـــن
الإســتــســلام، فــهـــبَّ الــجــمــيـــعُ، رغـــم جـــراحِــهـــم، وتــكـــاتــفـــوا مـــن
أجـــل إخـــلاءِ الــمـــرضـــى والــجـــرحـــى، وإســعـــافِــهـــم، ومــســـاعـــدةِ
كـــلِّ مـــن يــحـــتـــاجُ إلـــى الــمــســاعـــدة، رغـــم آلامِــهـــم وعِــظَـــم
الــفـــاجــعـــة. هـــؤلاء الأعـــزاء، لــهـــم مــنّـــا كـــلُّ الــمــحــبّـــةِ والــشــكـــرِ
والــصـــلاةِ لــكـــي يــحــفــظَــهـــم الـــربُّ الإلـــه كــمـــا حــفِــظَــهـــم فـــي
تــلـــك الأمــســيـــة، ولــكـــي يــغــدقَ عــلــيــهـــم مِـــنْ
نِــعَــمِــه الــســمـــاويـــة مـــا يــخـــوّلُــهـــم الــعــيـــشَ بــســـلامٍ طــيــلـــةَ
حــيـــاتِــهـــم.
أمـــا ضــحـــايـــا هـــذا الإنــفــجـــارِ الــكـــارثــي، ومــنــهـــم مــمـــرضـــاتُــنـــا
الــعـــزيـــزات، فــنــســألُ اللهَ أن يــغــمـــرَهـــم بـــرحــمــتِـــه، ويــجــعــلَـهـــم
فــي فـــردوسِـــه مـع قـــدّيــســيـــه وأبـــرارِه.
ولا يــمــكــنُــنـــا إلاّ أن نــتــذكّــرَ الأزواجَ الـــذيـــن فــقــدوا رفـــاقَ دربِــهـــم،
والأطــفــالَ الـــذيـــن خــســـروا والـــديــهـــم، والأهـــلَ الـــذيــن فُــجــعـــوا
بــفــقـــدانِ فـَـلِـــذاتِ أكــبــادِهـــم، ونــقـــولُ لــهـــم إنــنـــا نــشــاطــرُهـــم
الــحـــزنَ
والألـــم، وإنــنـــا لـــن نــهـــدأَ قــبـــلَ مــعـــرفـــةِ الــحــقــيــقـــةِ الــتـــي،
وإن كـــانـــت لـــن تُــعــيـــدَ الأحــبّـــاء، إلاّ أنــهـــا تُــبــلــسِـــم الــجـــراحَ
قــلــيـــلاً،
لأنــهـــا تــســتـتــبـــعُ مــعـــاقــبـــةَ الــجُــنـــاةِ والــمــجـــرمــيـــن الـــذيـــن
كـــانـــوا
وراءَ الــكــارثـــةِ الــتـــي ضـــربـــتْ عـــاصــمــتَــنـــا وأدمـــتْ قــلـــوبَــنـــا
. ســـوف نــبــقـــى مــعــهـــم، رافــعــيـــن الـــصـــوتَ، ومُــطـــالــبــيـــن
بــمـــتـــابــعـــةِ الــتــحــقــيـــقِ حــتـــى الــنــهـــايـــة، لــكـــي يــنـــالَ عــقـــابَـــه كـــلُّ مُــســتَـحـــــقٍ الــعــقـــاب.
هــنـــا نــؤكّـــدُ مــجـــدّداً أنّ لا أحـــدَ فــوق الــقـــانـــون وأنّ مَـــن يــعــيــقُ
تــحــقــيــقَ الــعـــدالـــةِ مــجـــرمٌ بــحـــقِ الــضــحـــايـــا الأبـــريـــاء الـــذيـــن
لـــم يــشـــاؤوا الــمـــوتَ، ولـــم يــخــتـــاروا أن يــكـــونـــوا ضــحـــايـــا،
وبــحــقِ أهــلِــهــم وأحــبّــائــهــم الــمـتـألّــمــيــن عــلــى فــراقِــهــم، وبــحـــقِ
شــعــبِــنـــا وعـــاصــمــتِــنـــا بــيـــروت.
إنّ الــمــســـؤولَ الــحــقــيــقـــي الـــذي يــعـــي مــســؤولــيــتَـــه وواجــبـــاتِــه
يــكـــونُ قـــدوةً فـــي احــتـــرامِ الــقـــانـــونِ وتــطــبــيــقِـــه، وفـــي وَضْــعِ كـــلِّ إمــكـــانـــاتِـــه بــتـــصـــرّفِ الــتــحــقــيــقِ لــكـــي تــنــجــلـــي الــحــقــيــقـــة.
أمـــا مَـــن يــتــهـــرّبُ مِـــن وجـــهِ الــعـــدالـــةِ فــيَـــديـــنُ نــفــسَـــه بــنــفــسِـــه، وإن نــجـــا مـــن حُــكـــم الأرضِ فــلـــن يــنــجـــو مـــن عـــدالـــةِ الــســمـــاء.
كــمـــا نـــدعـــو أبــنـــاءنـــا الأحــبـــاء، الـــذيـــن أصــابَــهـــم هـــذا
الــتــفــجــيـــرُ الآثِـــمُ بـــأيِّ شــكـــلٍ مـــن الأشــكـــال، إلـــى عـــدمِ الــيـــأسِ
وإلـــى عـــدمِ تـــركِ هـــذه الأرضِ الــمــبـــارَكـــةِ لِــمَـــن لا يــســتــحــقـــونَــهـــا. هــنـــا وطــنُــكـــم وأرضُ آبـــائــكـــم وأجـــدادِكـــم، وهـــي حـــقٌّ لــكـــم، ومـــن واجــبِــكـــم الــمــحــافــظـــةُ عــلــيــهـــا مــهــمـــا قــســـتْ الــظـــروف، لأنّ
هـــذا الــلــيـــلَ، مــهــمـــا طـــال، لا بُـــدَّ أن يــنــتــهـــي، ولا بُـــدَّ لــلــنـــورِ أن
يُــشـــرِقَ مـــن جـــديـــد، ولـــلأمـــلِ أن يُـــزهـــرَ فـــي قــلـــوبِــكـــم.
أمــا هــذا الــمــســتــشــفــى الــوطــنــيُّ الــعــريــقُ فــأعِــدُكــم أنــه ســيــعــودُ
مــجــدّداً، بــمــشــيــئــةِ الله، وجــهــودِ إداريّــيــه وأطــبّــائــه ومـــمــرّضــيــه
ومـــوظــفــيـــه، صــرحــاً اســتــشــفــائــيــاً عــلــمــيــاً نــفــتــخــرُ بــه
جــمــيــعُــنــا ويــفــتــخــرُ بــه لــبــنــانُ والــلــبــنــانــيــون. نــحــن لــم نَــعْــتَــدْ
الإنــحــنــاءَ أمــام الــصــعــوبــات، والإنــكــســارَ أمــام الــتــحــديــات. صــحــيــحٌ أنّ خــســارتَــنــا كــبــيــرة، وأنّ مــؤســســاتِــنــا كــلَّــهــا أُصــيــبــتْ إصــابــاتٍ
مــبــاشَــرة، ويــلــزمُــنــا الــكــثــيــرُ مِــن الــجــهــدِ والــوقــتِ والــمــالِ
لإعــادتـِــهــا إلــى مــا كــانـــتْ عــلــيــه، لــكــنّ الــصــحــيــحَ أيــضــاً أنّ
إيــمــانَــنــا بــالله لا حــدَّ لـــه، واتـــكــالَــنــا عــلــيــه لا مــتــنــاهٍ، وعــلــى
مِــثــال
مــمــرضَــتِـــنــا الــحــبــيــبــة Pamela الــتــي حَــمَــلَــتْ، فــي عــتــمــةِ
الإنــفــجــارِ وبــشـــاعــةِ الــمــوتِ، بــراعـــمَ الــحــيــاةِ الــثــلاثــةَ وخــرجــتْ
بــهــم إلــى الأمــان، هــكــذا سَــنــحــمِــلُ الأمــانــةَ مِــن عــمــقِ الــمــأســاةِ إلــى الــحــيــاةِ الــتــي نــتــمــنّــاهــا أبــديــةً لــلــبــنــانَ ولــهــذه الــمــؤســســةِ
الــتــي وَرِثْــنــاهــا عــن أجــدادِنــا، وسَـــنُـــوَرِّثُــهــا لــلآتــيــن بــعــدَنــا أكــبــرَ
وأبــهــى.
ثِــقـــوا بـــالله وضــعـــوا رجـــاءكـــم عــلــيـــه ولا تــخـــافـــوا لأنّ الإنــســـانَ
الــمــتــخــشـــعَ والــمــتـــواضـــعَ لا يـــرذلُـــه الله".
وبعد فاصل اوبرالي مع التينور ادغار عون تحدثت الممرضة جيهان صادر باسم الممرضات وتمَّ عرض فيلم عن المستشفى كما كان بعد الإنفجار يوم 4 آب
2020 مع شهادات مؤثرة لأطباء وممرضين وأشخاص كانوا في المستشفى
حينذاك، وتم افتتاح معرضا للصور الفوتوغرافية للمصورين الصحافيين وعدد من أطباء المستشفى والممرضين والعاملين فيه.