كتبت صحيفة " النهار " تقول : اذا كان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اعتذر لكثافة إطلالاته من بعبدا، لئلا يفسر سلباً احتجابه عن الكلام، فان ذلك لم يكفل في المقابل حجب المهزلة الفاقعة التي تدور حلقاتها امام رأي عام يشهد أسوأ ما عرفه شعب في العالم من مآس وكوارث وفواجع، وفي قمة الفواجع سلوكيات السلطة المقيمة على مصيره. فقد بدا مخيفا بكل المعايير ان تبلغ مستويات الاختناقات المعيشية والخدماتية والشلل والجفاف في كل القطاعات تحت وطأة أسوأ ازمة محروقات شهدها بلد في العالم، هذا السقف المفجع فعلاً فيما يتمادى الترف القاتل في يوميات اجتماعات مسار تأليف الحكومة المتهادي، وكأن ثمة في قمة السلطة اللبنانية من لا يعرف ولا يتناهى اليه ولا يدرك ان لبنان بات في قعر قعر ذاك الجحيم.
وسط "علك الصوف " الكلامي المتسرب عن محاصصات الكراسي والحقائب الوزارية، تعصف بالبلاد اعاصير أزمات المحروقات والدواء والخبز، وتتكثف معالم التفلت والفوضى الأمنية المقلقة من مثل ما حصل امس في احراق محطة محروقات في الكفاءات وظهور عصابة مسلحة بكل السلاح الظاهر واطلاق قذائف صاروخية على المحطة، ثم احتراق محطة للكهرباء في قصقص ليلا، وفي المقابل كان يجري قطع طرق واوتوسترادات كطريق جبيل الساحلية وسواها احتجاجا على انقطاع المحروقات او توقيف عدد من الناشطين في دعوى الاعتداء على منزل النائب طارق المرعبي. كل هذا التصعيد المثير للقلق الكبير من انفجار لا بد حاصل لم يثن المعنيين عن قصور هائل تمثل في ترك التداعيات المتفجرة للخلاف على وقف الدعم عن المحروقات من دون حل، فبقيت الازمة تتصاعد وتتخذ وجوهاً بالغة القسوة على الناس خصوصاً وسط فضيحة الفضائح التي تتكشف فصولها تباعاً مع اعلان الجيش والقوى الأمنية العثور على عشرات المستودعات في مختلف المناطق والتي تخزن فيها ملايين الليترات من المازوت والبنزين. وقدر الجيش الكميات المضبوطة من المحروقات خلال حملته في الأيام الأخيرة بحدود ستة ملايين ليتر.
في الحادي عشر
ومع ذلك راهن كثيرون على ملامح حلحلة للتعقيدات التي لا تزال تحول دون ولادة سريعة وملحة للحكومة ينتظرها العالم الخارجي كما الرأي العام الداخلي كبداية يتيمة لا بديل منها لبدء وقف المعاناة المخيفة التي يرزح تحتها اللبنانيون. ومع ذلك ظل كلام المحاصصات والاشتراطات وتوزع الحقائب يملأ فضاء بعبدا التي لوحظ انها تتبع "دوائرها " منذ أيام تكتيكاً جديداً غير موفق يعتمد استباق كل اجتماع إضافي بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس ميقاتي بضخ وتسريب الكثير من الأجواء المفرطة في التفاؤل كما بشرت امس بولادة للحكومة "خلال الساعات المقبلة" ليتبين لاحقا ان التعقيدات ذللت نسبياً في ظل "زيادات" طارئة مع التوغل في تعقيدات التسميات وتوزيع الحقائب وتقاسمها.
وحاول ميقاتي بعد الاجتماع الحادي عشر البارحة في قصر بعبدا عدم القطع مع الأجواء التفاؤلية من دون الابتعاد عن تحفظه فأوضح: "نحن نستكمل المشاورات وهناك نية لدى الجميع بتشكيل حكومة جديدة. فعدم تشكيل حكومة هو خطيئة كبرى بحق الوطن" ووصف الحوار مع رئيس الجمهورية بانه "إيجابي، ونتمنى أن تبصر الحكومة النور قريباً".
وحاول تبديد الأجواء عن عقبة تسمية وزير للداخلية، فقال: "من الذي قال ان هناك عقبة اساسية تسمى وزارة الداخلية؟ هذا كلام ورد في الصحف. المهم بالنسبة الي ان أزيل اي عقبة او عقدة موجودة في مسار #تشكيل الحكومة". كما نفى ان يكون سليمان فرنجية عاتبا عليّه وقال "سليمان بك فرنجية يعلم تماماً أن لا حكومة من دون تمثيل يليق به وكتلته." كما كرر انه "لا يرتبط بتوقيت معين، فنحن نبذل كل جهدنا لإزالة كل العقبات الموجودة " واكد ان الرئيس سعد الحريري "يدعم تشكيل الحكومة وأنا على اتصال مستمر معه ومع رؤساء الوزراء السابقين بل هو يشجع تشكيل حكومة بأسرع وقت" وقال "هناك بعض العقبات التي لا تزال موجودة ونعمل على تذليلها. ولا تزال امامنا الامتار الاخيرة من سباق التشكيل وإن شاء الله نحن نعمل على حلها بطريقة لائقة ومقبولة من قبل الجميع".
وافادت معلومات ان عملية غربلة الاسماء بدأت والنقاش يجري لاختيار اسماء ترضي الداخل والمجتمع الدولي للحصول على المساعدات. واشارت الى ان حقيبة الطاقة ستكون من حصة رئيس الجمهورية وان تيار "المردة" طلب الحصول على أكثر من حقيبتين إلا أنّ الاتصالات أفضت إلى الاتفاق على حقيبتين فقط. كما اشارت معلومات الى ان حقيبة الاتصالات حسمت مبدئيا للمردة، اما حقيبة الطاقة فالاتجاه لأن تكون ضمن حصة رئيس الجمهورية لكن باسم توافقي، وان الحقائب التي لا تزال محور نقاش لناحية الاسماء هي العدل والداخلية التي تردد ليلا انها حسمت للواء ابرهيم بصبوص، وآلت حقيبة الثقافة الى القاضي محمد مرتضى (قريب من حزب الله)، والمال والزراعة الى الرئيس نبيه بري، والتربية للاشتراكي، والاشغال لـ "حزب الله" ايضا.
أشارت مصادر في بعبدا لـ"النهار" الى أنّ "هناك تقدّماً في الملف الحكومي الذي استكمل فيه الرئيسان بعض النقاط على أن يلتقيا مجدّداً في الساعات الـ48 المقبلة بعد مواصلة التشاور لا سيّما أنّ ثمّة تفاصيل تستدعي ذلك". وقالت هذه المصادر أنّه "ذللت نسبة كبيرة من النقاط العالقة ونقاط أخرى يتمّ العمل على تذليلها إنّما في الإجمال ثمّة حلحلة". وأضافت: "بات توزيع الحقائب تقريباً مكتملاً، فيما موضوع الأسماء يأخذ حيّزاً من النقاش". ولفتت المصادر إلى أنّ "أجواء اللقاء عموماً كانت أفضل من الأمس، وتمّ التفاهم على القسم الأكبر من الأسماء على الحقائب فيما التعاون واضح بين الرئيسين".
وأفادت معلومات لاحقا انه بعد اعتراض الرئيس عون على فايز الحاج شاهين لحقيبة العدل عاد وتوافق مع ميقاتي على اسناد هذه الحقيبة الى القاضي جهاد الوادي.
المحروقات
في غضون ذلك حصلت حلحلة نسبية في ملف المحروقات اذ افيد ان مصرف لبنان وافق على ادخال شحنتي محروقات لشركتين تحتويان على 80 مليون ليتر ديزل تكفي السوق من 5 الى 6 أيام ولكنه لم يوافق على شحنة البنزين بكمية 40 مليون ليتر التي تحتاج اليها السوق. وأفادت المعلومات ان المصرف المركزي قرر فتح الاعتمادات للباخرتين لإفراغهما على السعر المدعوم أي 3900 ليرة للدولار. كما تردد ان مصرف لبنان وافق على إدخال شحنة غاز على السعر الرسمي المدعوم تكفي السوق اللبنانية لأيام عدة.
وفي هذا السياق دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقد جلسة عامة، في الثانية من بعد ظهر الجمعة في قصر الاونيسكو، لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون حول ملف الدعم لإتخاذ الموقف أو الاجراء أو القرار المناسب. وتسلمت الأمانة العامة لمجلس النواب، قبل ظهر امس، الرسالة التي وجهها عون الى مجلس النواب بواسطة رئيس مجلس النواب، حول موضوع وقف الدعم عن المواد والسلع الحياتية والحيوية، "في ضوء القرار الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان برفع الدعم عن المحروقات من دون انتظار صدور البطاقة التمويلية، وما تركه هذا القرار من تداعيات سلبية زادت من حدة الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية التي يعيشها البلد".