مخطئ مَنْ يعتقد ان "التسريب الليلي" المجتزأ او "الخاطئ" ، حتى لا نقول"الكاذب"،بعد كل اجتماع يعقده الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون، يمكنه ان يقلب الحقائق الدامغة والوقائع المثبتة على الورق.
وواهم مَنْ يعتقد ان الظرف الذي يمر به الوطن والناس يسمح ل" جن الكهف" بالمضي في لعبة التسلل ليلا لتخريب ما يتم الاتفاق عليه . وواهم اكثر مَنْ يعتقد بعد، ان هذه اللعبة غير مكشوفة امام الناس والعالم باسره، والدليل القاطع ان البلد يعيش منذ سنة بلا حكومة،فقط لان هناك مْنَ يريد الامساك بالبلاد والعباد.
دستوريا فان رئيس الحكومة المكلف هو الذي يشكل الحكومة ويطلع رئيس الجمهورية عليها ويتشاورا في شأنها ، لكن الواضح ان هناك مَنْ يريد العكس، ويسعى لفرض تشكيلته على رئيس الحكومة والامساك بقرارها بقوة التوقيع النهائي او بالحسابات العددية المخفية خلف"اسماء ملغومة" تهبط بالمظلة وتسحب من التداول بعدما ينكشف امرها.
ويبدو ان البعض لم يفهم ،او يتقصّد عدم الفهم ،ان اصرار رئيس الحكومة المكلف على الانفتاح الايجابي على كل الاراء والاقتراحات التي تقدمها كل الاطراف هو من باب الحرص على الاسراع في تشكيل الحكومة لاطلاق ورشة المعالجات المطلوبة، وليس طمعا بالمنصب باي طريقة.
والاهم ان البعض لم يفهم ان صمت الرئيس المكلّف ازاء المحاولات المستمرة لتجاوز دوره وصلاحياته، ليس تسليما بالامر الواقع، بل هو باب التهذيب الشخصي والحرص على المقامات واحترام الاكبر سنا، كما تقول قواعد التربية العائلية التي تربينا عليها، والرهان على فهم المعنيين من تلقاء انفسهم ان ما يفعلونه لا يمكنه القبول به.
مشكلة الرئيس المكلّف، كما يقول عارفوه، انه يعطي الايجابية مداها الاوسع في النقاش مع كل الاطراف المتعاطفة معه او المناوئة له ، الى درجة ان البعض يفسرّها تسليما ب" الاملاءات والهوبرات"، لكنه يرد دائما على هذه المقولة بانه لا يسجل على نفسه انه اخطأ في حق الاخرين، ولكن اذا تجاوزوا الخط الاحمر في الخطأ معه ، فعندها يتخذ بمفرده القرار المناسب على ايقاع توقيته الشخصي وقناعاته الوطنية والشخصية.
اما في الوقائع الحكومية الحقيقية، فان الرئيس المكلف قدم امس لرئيس الجمهورية تشكيلة من ٢٤ وزيرا مع اسماء الوزراء المقترحين لها، وابقى فيها النقاش مفتوحا على اسمي وزيري الداخلية والعدل، انطلاقا من لائحة اسماء لمن يقترحهم للداخلية، على ان يعرض الرئيس عون الاسماء التي يقترحها لوزارة العدل.
وقد شهد الاجتماع امس نقاشا اوليا في الاسماء على ان يستكمل في اجتماع جديد، سيتم تحديد موعده في ضوء الاتصالات التي ستجري اليوم.
"هل فعلاً يريد ميقاتي تأليف الحكومة؟ وهل حمل إلى بعبدا صيغة "واقعية" أم ملغومة؟وهل يريد محاصرة عون أو الاعتذار؟"اسئلة طرحها البعض، بمهنية صحافية صرف او بايحاء معروف المصدر، لا فرق، والجواب عليها بسيط للغاية: نعم الرئيس ميقاتي يريد تأليف الحكومة والا لما كان قبل التأليف اصلا، والاعتذار غير وارد في حساباته طالما هو مستمر في مسعاه للتشكيل، وهو ليس من النوع الذي يضع "الالغام" في طريق احد ، بل مهمته فكفكة الالغام التي تواجه الوطن، بدليل انه نجح في تجربتين حكوميتين كانتا حافلتين بالالغام المزروعة امام اللبنانيين بفعل حسابات ورهانات خاطئة، والمؤسف ان البعض اليوم يريد تكرار هذه الرهانات بوجه اقبح.
ولان في الاعادة افادة، ليقرأ البعض بتمعّن ما قاله "الاخوين رحباني" بصوت فيروز في مسرحية "ناطورة المفاتيح" وليتعظ قبل فوات الاوان"إذا بَدِّي ضـَلّ إنتَ رح تـْضـَلّ، وْبيكـُونو اللـِّي راحو راحو بَلا تـَمَنْ!. مِنـْشان هَيْك رَح إلـْبَس فـِقـْري وْتـَعاسـْتي، وْتـَوِّج حالي بالأعْشاب البـَرِّيـِّة، وْإتـْمـَشـَّى بْإحتِفال تحت زيْنـِة الشـَّجَر وْقِبـِّة السـَّما.. صَوْب أرض جْديدِة إتـْمَشـَّى.. وْكِلّ ما إبْعَد مَسافِة عَرْشـَك بْيــِغـْرَق شـِبـِر حتى توصل إنـْت للأرْض وْأنا للحرِّيـِّـة".