أخبار لبنان

دريان لعون: حاول أن تنقذ ما تبقّى من عهدك.. ورئاسة الحكومة لا تقل أهمية عن ‏أي موقع رئاسي آخر

تم النشر في 27 آب 2021 | 00:00

في خطبة شديدة اللهجة، تتوجّه بالإنتقاد العلني غير المسبوق لأداء رئيس ‏الجمهورية العماد ميشال عون وعهده، وبالأخص التهاون في موقع رئيس الحكومة ‏وتحقيقيات المرفأ، وفي حضور الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس ‏حكومة ‏تصريف الاعمال حسان دياب، حذّر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف ‏دريان، من أن "الوقت الذي هو من عمر اللبنانيين يُضيَّع بين مشاورات ولقاءات ‏فيها ويشوبها الكثير من التعنّت والتصلّب ومحاولة إلغاء الآخر"... وأضاف ‏‏"التصويب على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمرٌ مرفوض وغريب ‏عن أصول التعامل مع رئاسة الحكومة والإصرار على هذا النهج من قبل البعض ‏في السلطة القضائيّة التي لا نتدخّل في عملها يُسيء إلى أصول مفهوم التعامل مع ‏الرئاسة الثالثة في قضيّة انفجار مرفأ بيروت"، مردفا : فلتُرفع كلّ الحصانات عبر ‏إصدار قانون من مجلس النواب ولتأخذ العدالة مجراها بعيداً من الانتقائيّة ‏والاستنسابيّة والكيديّة المقيتة فالعدالة الانتقائيّة ليست عدالة. واعتبر ان “ما جرى ‏من انفجار مرفأ بيروت وانفجار التليل في عكار والاشتباكات المتنقّلة في بعض ‏المناطق سببه الأساس هو الترقيع فلنقلع عمّا نحن فيه من تخبّط وإلا فإنّنا ذاهبون ‏فعلاً إلى الأسوأ والانهيار الشامل‎”.‎

وتوجه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون قائلاً، “حاول أن تنقذ ما تبقّى من عهدك ‏وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ وإلى أبعد من جهنّم إلى قعر جهنّم كما بشّرتنا‎”.‎

خطبة: افتتح مفتي الجمهورية مسجد محمد البساتنة في مستديرة شاتيلا - بيروت في ‏حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والرئيس المكلف نجيب ‏ميقاتي ووزراء ونواب حاليين وسابقين والعديد من الشخصيات السياسية والدينية ‏والاجتماعية والثقافية والتربوية والعسكرية والاعلامية ورجال الأعمال وأعضاء ‏المجلس الشرعي ومحافظين ورؤساء بلديات ومخاتير‎.‎

وبعد افتتاح المسجد الذي بناه أبناء المرحوم محمد البساتنه على نفقتهم الخاصة صدقة ‏جارية عن روح والدهم بدعوة من المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، ألقى المفتي ‏دريان خطبة الجمعة، وجاء فيها‎:‎

‎"‎الحمد لله وفق من شاء من عباده إلى الخير، فليس عنه يعدلون، وحبب إليهم العمل ‏الصالح فليس في غير مرضاته يطمعون، وأثابهم على أعمالهم ثوابا جزيلا فإياه ‏يحمدون ويشكرون‎ .‎

سبحان من نسب المساجد إليه وجعلها بيوتا للقدوم عليه ، حث على عمارتها ‏وصيانتها وجعل ذلك من أسباب السعادة. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ‏، فضله عظيم ، وجوده عميم‎ .‎

ونشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، صاحب الخلق العظيم ، صلى الله وسلم ‏وبارك عليه وعلى جميع آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‎.‎

أما بعد‎ :‎

أيها المسلمون: اتقوا الله: فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب ، قال تعالى : ‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون‎.‎

أيها المسلمون : المساجد بيوت الله، لها في الإسلام مكانة رفيعة، وقدسية عالية، ‏أضاف الله المساجد إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم، فقال عز وجل : وأن المساجد ‏لله فلا تدعوا مع الله أحدا، أذن الله برفعها وعمارتها ، وأمر ببنائها وصيانتها ، فقال ‏تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * ‏رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون ‏يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ‏والله يرزق من يشاء بغير حساب‎.‎

هي أحب البقاع وأطهر الأصقاع ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم قال : (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها) ، ولا أدل على تلك ‏الأهمية من فعله صلوات الله وسلامه عليه ، حين قدم مهاجرا إلى المدينة المنورة ، ‏فلم تطأ قدمه بيت أحد من أصحابه رضي الله عنهم حتى اطمأن إلى تحديد مكان ‏المسجد النبوي ، حيث أنيخت ناقته بأمر ربها ، فكان أول عمل باشره بناء المسجد ‏، ليعلن للأمة وليعلم الأجيال أن مرتكزنا القوي هو المسجد ، منه تنطلق الدعوة ، ‏وفي رحابه تتربى الأرواح الزكية ، وبنداءاته تهتدي القلوب التقية‎.‎

في المسجد يجد المؤمن راحته وأنسه، حيث يناجي ربه ومولاه، ويتوجه إلى بارئه ‏بالركوع والسجود، والتلاوة والدعاء. فقد أخبرنا النبي صلوات الله وسلامه عليه ‏عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم : (ورجل قلبه ‏معلق بالمساجد)، فكلما نودي للصلاة سارع المؤمن بشوق، وإذا قضى صلاته ظل ‏قلبه معلقا فيه، قلوب ملأها الإيمان والتقى، فسارعت إلى الخيرات ومحو الخطيئات ‏ورفع الدرجات، سارعت إلى النور التام، فانتظرت الصلاة بعد الصلاة، فلم تزل ‏الملائكة تصلي على أصحابها حتى ينصرفوا، قلوب أبت سبيل المنافقين الذين لا ‏يأتون الصلاة إلا وهم كسالى‎.‎

أبناء المغفور له بإذن الله محمد البساتني، نحسبهم من عباد الله الصالحين ، شيدوا بيتا ‏لله نفتتحه اليوم، برا بوالدهم ، وذكرا حسنا له ولذريته، وصدقة جارية عن روحه ‏الطاهرة، فجزاهم الله أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة، وكل الامتنان والتقدير ‏وصالح الدعوات ، لكل من ساهم وسهل وساعد في إشادة وبناء هذا الصرح ‏الإيماني المميز‎.‎

أضاف المفتي دريان :"اليوم ما زلنا نبني المساجد ولله الحمد. ونشارك بإيجاب في ‏المحافظة على الوطن واستقراره، ولا نشارك في خلق الاضطرابات، أو نوقع ‏الضرر بالاستقرار، ولا بمقتضيات العيش المشترك الحرصاء عليه، ومع هذا، فإن ‏مناخ الإحباط السائد في البلد ، سببه عدم تشكيل حكومة ترعى مصالح الناس حتى ‏الآن ، فالوقت الذي هو من عمر اللبنانيين، يضيع بين مشاورات ولقاءات ، فيها ‏الكثير من التعنت والتصلب ومحاولة إلغاء الآخر، والوطن على شفا جرف هار، ‏وهم لا يزالون يبحثون عن مكتسباتهم التي لا قيمة لها إذا خسرنا الوطن‎.‎

التخبط السياسي والاجتماعي والمعيشي الذي نعيشه مؤلم، وأوجع كل الناس ، ‏وأرهق كاهل المواطن الذي يعاني الأمرين وهو صابر ، ونخشى بعد هذا الوقت ‏الطويل أن ينفد صبر اللبنانيين ، ونقع جميعا في أتون الفوضى الشاملة، التي بدأنا ‏نرى مظاهرها في شتى المجالات، ولا نرضى أن نكون شهود زور على ما ‏يحصل في بلدنا ، فالأمر يحتاج إلى معالجة جدية وفورية، والترقيع لا ينفع ، فما ‏جرى من انفجار مرفأ بيروت ، وانفجار صهريج المازوت في عكار، والاشتباكات ‏المتنقلة في بعض المناطق اللبنانية، سببها هذا الترقيع ، فلنقلع عما نحن فيه من ‏تخبط ، وإلا فإنا ذاهبون فعلا إلى الأسوأ وإلى الانهيار الشامل‎.‎

وقال :"ان موقع رئاسة الحكومة لا يقل أهمية وقدرا عن أي موقع رئاسي آخر في ‏لبنان ، فاحترامه واجب، ونحن حرصاء على أن يبقى هذا الموقع مصانا، حفاظا ‏على التوازن بين مواقع الرئاسات الثلاث . والتصويب على رئيس حكومة تصريف ‏الأعمال، الدكتور حسان ديان، أمر مستهجن، وغريب عن أصول التعامل ‏والتخاطب مع رئاسة الحكومة‎.‎

وإن الإصرار على هذا النهج من قبل البعض في السلطة القضائية - التي لا نتدخل ‏في عملها - ، يسيء إلى أصول مفهوم التعامل مع الرئاسة الثالثة، في قضية انفجار ‏مرفأ بيروت ، فلترفع كل الحصانات بإصدار قانون من المجلس النيابي بهذا ‏الخصوص، ولتأخذ العدالة مجراها أصولا على الجميع بعيدا عن الانتقائية ‏والاستنسابية والكيدية‎.‎

علينا أن نترفع عن الترهات التي ترافق كل تكليف ، كما ترافق تكليف الرئيس ‏نجيب ميقاتي ، الذي جاء بناء لرغبة النواب الذين سموه، وبتزكية من رؤساء ‏الحكومة السابقين، ومباركة من دار الفتوى، التي لا تميز بين أبنائها ، بل هي ‏ترجو الخير للجميع ، نحن في بلد التعايش الإسلامي المسيحي، نرفض أن نميز ‏بين لبناني وآخر، وما يحكى اليوم عن أن المسلم يسمي المسلم، والمسيحي يسمي ‏المسيحي في الحكومة العتيدة، هو أمر خطير ومفرق، وينبغي تداركه ، ولا نرضى ‏أن تساس الأمور هكذا ، وكأننا نعيش في جزر داخل جزر، لا في دولة واحدة ، ‏ومعاييرنا وطنية بامتياز، وليست معايير طائفية . فلنترفع عن هذا المنطق الأعوج ‏، ولننظر بمنظار الحكمة التي تؤيد هذا المنطق ، وإلا فسوف يمزق الوطن أكثر ‏مما هو ممزق، خصوصا وأن شبابه ومثقفيه، أمل المستقبل، يهاجرون، فمهلا يا ‏شباب لبنان، وطنكم بحاجة إليكم، وأنتم مطالبون بالوقوف إلى جانبه في محنته، ‏والأوطان في الأزمات، لا ينقذها ولا ينهض بها إلا شبابها، وكذلك شيبها، فإذا ‏هاجرتم اتسعت رقعة الفراغ التي سيستغلها المتربصون بالوطن، والمستغلون ‏ضعفه في أزماته، فماذا أنتم فاعلون ؟

أضاف المفتي دريان:" المحنة طالت الجميع ، فهل نترك جميعنا الوطن ؟ أم نتشبث ‏في أرضنا ونصبر، ونعمل على تذليل كل الصعاب التي تواجهنا ؟

كلنا يعلم مدى الإذلال الذي يعانيه شعبنا اليوم ، لتأمين لقمة عيشه ودوائه ‏ومحروقاته، فهو حتما نتيجة سياسات الدولة الضعيفة والخاطئة، التي قصرت في ‏أداء دورها للقيام بما هو مطلوب، ومعالجة ما استجد بالطرق العلمية التي تعتمدها ‏دول كنا قديما نسبقها ، فإذا هي اليوم في مصاف الدول المتقدمة‎".‎

وختم المفتي دريان:" لنعد إلى مساجدنا، فهي قلاع الإيمان، وحصون الفضيلة، ‏ومعاهد الثقافة، هي المدرسة والمصلى ، هي بيوت الله في الأرض وكفى ، أطهر ‏الساحات وأنقى البقاع ، فيها تنزل الرحمات وتحل السكينة ، وتنشر الصلة والمودة ‏والرحمة ، ويتعارف المسلمون ، ويتآلفون ويتعاونون ، ويتزاورون ويتراحمون‎ .‎

نفعنا الله وإياكم بهدي كتابه ، وسنة نبيه ، وفعل أصحابه‎.‎

وغفر لمن كان جمعنا بسببه، وتقبل منكم ما قدمتم برا بوالدكم، صدقة جارية إلى ‏يوم الدين‎.‎

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم‎" .‎