زياد سامي عيتاني*
في النصف الأول من القرن الماضي، وعلى بعد دقائق من العاصمة بيروت، المدينة المزدحمة التي تضج بالحياة، وعلى إمتداد شاطئ الساحل الجنوبي بين منطقتي "الجناح" و"الأوزاعي" ذات الرمال الذهبية والبحر الفيروزي النقي، أنشئت مسابح ومنتجعات سياحية ومطاعم، تمكنت بسرعة خارقة من
منافسة تلك كانت كانت منتشرة بمحازاة الواجهة البحرية لبيروت من "جادة الإفرنسيين" و"الزيتونة"، مروراً ب"ميناء الحصن" و"عين المريسة"، وصولاً إلى الروشة.
أطلق على هذه الكيلوميترات الشاطئية إسم "وجه لبنان"، حيث كان أول لمحة جمالية للربوع اللبنانية يشاهدها المسافرون عند هبوطهم في المطار القريب، وذلك لما كانت ذات يوم "الريفييرا"
(اللبنانية)، التي تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى النخب اللبنانية، الذين أمضوا في تلك الفسحة أجمل أيام حياتهم، كما يقول الكثير ممن تمتع ببحرها ورمالها وشمسها خلال السنوات المجيدة، يوم كانت تنتشر كلوحة فنية خلابة "الشاليهات" و"أكواخ القش" والمظلات المتعددة الألوان، خصوصاً وأنها كانت توفر لهم جميع الملذات والإلهاءات التي يبحثون عنها، للإسترخاء والإستجمام، حيث كان الكبار والصغار يتدفقون إلى تلك الفسحة البحرية، بحثاً عن النضارة، ولتحرير أجسادهم من أغلال الملابس، للإفادة من فوائد البحر والشمس.
**
إنه العصر الذهبي لشاطئ ذهبي، لا بل شاطئ أسطوري، عندما كانت الرمال بيضاء، البحر نقي وصاف، أناقة صارمة، حتى في ثوب السباحة (!)، سرعان ما ساهم "جنونه" في سمعة المدينة الممتعة والعالمية، المنفتحة على الحداثة، ومزاحمة أرقى المدن السياحية على هذا المتوسط يوم كان أبيضاً...
وأبرز تلك المسابح، كانا "السان سيمون" و"السان ميشال"، حتى أن المنطقة صارت تعرف بإسميهما، إضافة إلى شواطئ كوت دازور"، "ريفيرا"، و"أكابولكو"، الذي بناه في مطلع الستينات عاد إلى لبنان المغترب Pépé (بيبي العبد) القادم من المكسيك مع قريبه الثري ميشال العبد (الذي تكفل بإنشاء ساعة العبد في ساحة النجمة)، حيث ضم مسبحاً و"شاليهات" ومطاعم بطابع مكسيكي. إلا أن أكثر ما كان يشد الأنظار في هذا المنتجع مبناً فريداً بموقعه وشكله، وهو "شاليه" رجا صعب الشهير، الذي صممه وأشرف على أثاثه وإضاءته المصمم الفرنسي الشهير جان روبيير، الذي بنى هذا الهيكل الفريد بما يشبه طبقاً طائراً، قائم على أربع أعمدة بيضاوية، مع محافظة الدرج الحلزوني البسيط في قلبه المحاط بسياج فولاذي رفيع على المنظر المفتوح للبحر عند مستوى المدخل، ويؤدي إلى هبوط يشبه الحلقة، فيمنح الغرف المختلفة المحيطة متعة الإطلالة على منظر البحر...
وأول ما كان يشد إنتباه المتجهين جنوباً، بعد تجاوزل شاطئ الرملة البيضاء الذهبي (السان بلاش) هو مسبح وفندق "إيدن روك" ذات الغرف العشرين المطلة على البحر، وشرفة الحديقة الفريدة المغطاة بالخيم النقالة مع طاولات وكراسي إستلقاء، والمروج والمطعم الذي كان يقدم المأكولات والمقبلات الشرقية والأسماك وثمار البحر على أنواعها، فضلاً عن النادي الليلي، الذي كان مقصداً لمحبي السهرات الموسيقية الصاخبة.
**
-يتبع السان سيمون:
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.