عرب وعالم

تحديات الطاقة في الحوض الشرقي للمتوسط (ج1)‏

تم النشر في 2 أيلول 2021 | 00:00

محي الدين الشحيمي، استاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا ‏

‏ ‏


يزدحم الحوض الشرقي للبحر المتوسط بجيوسياسيات عديدة وتكتيكات متغيرة وتحديات ظرفية ‏كثيرة ترافقها بشكل مواز وقائع الأمور , حيث أن التوترات المتنامية والمشكلات اللامتناهية , ‏والصراعات المعلقة من دون الحلول , والدائرة في منطقة الشرق الأوسط وبشكل خاص ‏بالحوض الشرقي للمتوسط بدوله المترنحة وفي آسيا وأوروبا , والتي لها بشكل حكمي وطبيعي ‏تداعيات هامة تنعكس مباشرة على شكل تحديات مثيرة على أسواق الطاقة.‏

فمن المرجح أن يكون لضعف الحدود وزيادة التدخل الأجنبي في هذه الصراعات تأثيرات سلبية ‏على الاستثمارات وعلى مسير التحديات في المنطقة , وخاصة في قطاع الطاقة .‏

فلا خلاف ولا جدال ابدا بشأن تقصير الأرقام المتعلقة بأسواق الطاقة ومن صعوبة التنبؤ بها ‏لديناميكيتها الرشيقة , فهي على هذا المنوال دائما , ولكن التحولات السياسية والتغييرات المناخية ‏وصعود نجم المواد الهيدروكربونية ( مركبات الهيدروجين والكربون في حالتها السائلة أو ‏الغازية) غير التقليدية , بالاضافة الى ظهور أنواع جديدة ونوعية للطاقة المتجددة , كلها أمور ‏تشير وتدلنا بحصرية تامة الى حدوث تغييرات نوعية في النطاق العملي لتحديات الطاقة , وهي ‏تحديات مختلفة وبعيدة كليا عن تلك التي تنشأ من جراء التفاعل الحيوي المعتاد بين العرض ‏والطلب والأسعار , والمتصلة بشكل وثيق بالتداول اليومي الاقتصادي وسلم الأرقام وأسهم ‏البورصات . هنالك قلق كبير من احتمال حدوث انهيار آخر في قدرة الدولة على التنظيم في ‏جميع أنحاء المنطقة , واذا ما تفلتت السلطات وتحررت لسبب معين بالذات أو لشكل محدد بطبعه ‏واضحت هي نفسها أقوى من مستوى الدولة يكون لدينا مشكلة في تماسك الدولة وقرارها , لأن ‏غالبا ما تجد المؤسسات المركزية صعوبة في استعادة زمام الأمور بوقت سريع , علما بأنه من ‏غير المرجح أن يتخلى الفاعلون غير الحكوميين مثل القطاع الخاص ومكانة ونفوذ الشركات ‏المتعددة الجنسيات , فمن المستحيل ان يتم التفادي عن القوة والنفوذ المستحوذ عليه حديثا وهذا ‏حكما ما يؤثر سلبا على مناخ الاستثمار, اذا ما طبقت الشروط المناسبة وبالطبع على آفاق النمو ‏الاقتصادي ويؤدي أيضا الى تحد من نوع آخر .‏

فاذا توسعنا قليلا بمسألة الأمن وكيفية معالجتها فيمكننا القول بأنه من غير المرجح أن تتخلى ‏الولايات المتحدة عن دورها الرائد للصين أو حتى لغيرها من الجهات الفاعلة , فهناك على ما ‏يبدو استراتيجية ممكنة لحفظ التوازن من شأنها الابقاء على نفوذ الولايات المتحدة الاميركية ‏ونشاطها قويا , ولكن مع تواجد عسكري أقل لها في المنطقة .‏

لقد أسهمت مبادرة ” الحجم الصحيح ” في تعزيز التصور سواء كان صحيحا أم لا في انسحاب ‏الولايات المتحدة على المدى الطويل , وهذا رأي نال المزيد من الدعم بسبب زيادة ثقة الولايات ‏المتحدة في موقفها من الطاقة .‏

فعلى مستوى التحديات وخصوصا في مجال الطاقة المتجددة هنالك امكانية كبيرة لزيادة حصتها ‏من الطاقة المائية والشمسية ويمكن أيضا توسيع توليد الطاقة الكهرمائية رغم أن ذلك يحتاج ‏ويعتمد استراتيجيا على التوافق السياسي والصراحة ومبدأ النوايا الحسنة والمفاوضات الشفافة ‏والشراكات , وهو أمر معقد لحد كبير لغياب نماذج الحوار والتعاون المصلحي فيما بين الدول ‏وبالاضافة الى وجود تعقيدات حتى داخل الدول ذاتها أيضا .‏

نستطيع أن نذكر هنا بثلاث أحداث رئيسية ساهمت بمتغيرات جيوسياسية مؤسسة ومؤثرة وهي:‏

‏1-التطور الواسع النطاق لخاصية الغاز والنفط الصخري وتطوره الملحوظ وآثاره الكبيرة على ‏أسواق الطاقة العالمية .‏

‏2-الربيع العربي والذي أدى الى انهيار الأنظمة الكلاسيكية في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط ‏والشرق الأوسط وافريقيا , والتي ما زالت تبعاته تتوالى بديناميكيات جديدة للعلاقات بين الدول. ‏‏3-انخفاض الطلب على الطاقة والتأرجح في سعر النفط وتداعياته المباشرة على المستوى الانتاج ‏والاستهلاك .‏

وهنالك استراتيجية تطبقها في الكثير من الأحيان البلدان المصدرة والمستوردة للطاقة وهي حماية ‏طرق الوصول الى مصادر متنوعة من العرض والتسويق أيضا , أي بالائتمان الى أسلوب ‏التنويع عمليا ونمطيا , حيث أن التنويع استراتيجية تعمل بها دول متعددة , لذلك تكمن هذه ‏الاشكالية في لب هذه الديناميكية , ما اذا كانت دول الحوض الشرقي للمتوسط ستتحرك أو ‏بوسعها أن تتحرك لأبعد من مجرد اقامة علاقة تجارية أو تبادلية صرفة .‏

فيتم تطوير مصادر وقود بديلة في مناطق مختلفة من العالم وفي منطقة الحوض الشرقي ‏للمتوسط بشكل خاص , فالشرق الأوسط وشمال افريقيا لديهم امكانات كبيرة للطاقة المتجددة , ‏حيث تحاول بعض الدول الاستفادة من هذه الامكانية , وتحاول دول أخرى الاستفادة من هذه ‏الامكانيات وتحاول دول أخرى الاستفادة من امكاناتها من النفط والغاز غير التقليدية , مستلهمة ‏بعض الشئ من التطورات الأميركية والأوروبية , ويتوقع أن تستغرق هذه التطورات بكليتها وقتا ‏طويلا , وذلك نظرا للعوائق الهيكلية والتكاليف المتوقعة والجغرافيا والجيولوجيا الفريدة من ‏نوعها في كل بلد على حدة .‏

يشهد الطلب على الطاقة من الحوض الشرقي للمتوسط وشمال افريقيا نموا سريعا وذلك بسبب ‏النمو السكاني والتنمية الاقتصادية واستمرار الأسعار المنخفضة وعليه فان كثافة الطاقة تتزايد ‏في هذه المنطقة وهي أن كانت تتناقص في بقية أنحاء العالم وهذا لوحده تحدي , وفي الوقت ‏نفسه هنالك فرصا كبيرة لخفض الطلب مثل اصلاح الدعم وزيادة كفاءة استخدام الطاقة .‏