أخر الأخبار

كباش إيراني ـ أميركي في لبنان

تم النشر في 12 تشرين الأول 2021 | 00:00

كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":



قال مصدر سياسي لبناني بارز إن زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان للبنان تأتي في سياق مواجهة تدفق الوفود الأميركية إلى بيروت للتأكيد على النفوذ الذي تتمتع به طهران في لبنان باعتباره واحداً من أهم محاور الممانعة في المنطقة من خلال حليفها «حزب الله» لما لديه من فائض قوة أتاح له الإمساك بزمام المبادرة بغياب السلطة المركزية وتحلل إداراتها. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن النفوذ الإيراني في لبنان يفوق نفوذه في سوريا والعراق، وأن حديثه عن الحوار السعودي – الإيراني لم يكن إلا من باب التغطية على الأسباب الحقيقية لزيارته والتي ليست محصورة بتقديم التهاني لأركان الدولة لمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة، وإنما لرفع معنويات محور الممانعة في مواجهة معاودة واشنطن التمدد سياسيا في لبنان.

وكشف المصدر السياسي أن العرض الذي تقدم به عبد اللهيان بتزويد لبنان بالمحروقات والمشتقات النفطية وبمساعدته لبناء معملين لتوليد الطاقة لم يحمل أي جديد، وكان سبق لأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله أن طرحه في أكثر من إطلالة تلفزيونية له. ولفت إلى أن الجديد في هذا الخصوص يكمن في أنه بحثه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي نقل عنه مرجع حكومي سابق قوله لعبد اللهيان: ليس في مقدورنا أن نتحمل مشكلة جديدة بتعريض بلدنا إلى عقوبات، وأظن أنكم لا تريدون توريط لبنان، ونحن وإياك نتفق على تجنيبه الصدام مع المجتمع الدولي.

وأكد أن عبد اللهيان طلب من ميقاتي التدخل لما لديه من صداقات ونفوذ لدى المجتمع الدولي لإقناع الولايات المتحدة الأميركية بعدم تعريض لبنان إلى عقوبات بذريعة أنها مساعدات إنسانية تُقدم للشعب اللبناني، وقال إن ميقاتي أخذ علماً بـ«نصيحة» عبد اللهيان الذي غادر السراي بعد انتهاء الاجتماع من دون أن يدلي بتصريح، فيما رد رئيس الحكومة على العرض الإيراني بالترحيب بأي جهد من الدول الصديقة والشقيقة والمجتمع الدولي ما دام يندرج في سياق مساعدته في الحفاظ على منطق الدولة ومؤسساتها الدستورية.

وقال إن رؤساء الحكومات السابقين أبدوا ارتياحهم لموقف ميقاتي الذي أبلغه إلى الموفد الإيراني، وهذا ما أكده له الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام اللذان التقياه مساء الخميس الماضي وأطلعهما من جانبه على أنه لن يدخل مع أحد في مهاترات وحرتقات سياسية، وأنه يقوم بكل جهد لوضع البرنامج الإنقاذي لحكومته على سكة التنفيذ، ويعطي الأولوية لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء لزيادة ساعات التغذية، وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن ميقاتي يتواصل باستمرار مع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الموجود حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو يواصل درس خياراته الانتخابية تمهيداً لاتخاذ قراره النهائي ترشحاً وتحالفاً فيما لم يحسم ميقاتي حتى الساعة قراره وإن كان لمح في اجتماعه بالسنيورة وسلام إلى عدم رغبته بالترشح.

وتأكد أيضاً أن ميقاتي لن يتدخل بالتعديلات المقترحة على قانون الانتخاب الحالي الذي لا يزال نافذاً وهو يترك التعديلات للهيئة العامة في الجلسة التشريعية التي يفترض أن يعقدها البرلمان الثلاثاء المقبل مع بدء العقد العادي للبرلمان في 19 الجاري والتي ستخصص للنظر في هذه التعديلات فيما يستعيد النواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر الذين ادعى عليهم المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار حصانتهم النيابية مع بدء العقد العادي والتي تمنع ملاحقتهم طوال فترة انعقادها.

كما أن ميقاتي يعطي الأولوية لتحقيق إنجاز يشكل رافعة للحكومة التي شُكلت في ظروف استثنائية تتطلب منها اتخاذ قرارات غير عادية لإخراج البلد، كما تعهدت في بيانها الوزاري، من الأزمات المتراكمة، وهذا يعني أنه لن يدخل على الأقل في المدى المنظور في بازار التعيينات التي يمكن أن تقحم الحكومة في اشتباك سياسي يهدد انسجامها في ضوء ما يتردد بأن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يطحش لإصدار دفعة دسمة من التعيينات يكون له – بحسب المصدر السياسي – الحصة الكبرى بين الذين سيعينهم مجلس الوزراء من موظفي الفئتين الأولى والثانية ليكون في وسعه تقديم رشاوى انتخابية لعله يستعيد حضوره السياسي لإعادة استرداد ما خسره شعبياً.

وتأكد أن ميقاتي ليس في وارد شراء مشكلة سياسية مجانية في حال أعطى الأولوية للتعيينات على أبواب استعداد البلد للدخول في معارك انتخابية طاحنة، وهذا ما أبلغه إلى السنيورة وسلام مع أنه لا يمانع بحصرها بالضروري منها والمقصود بها إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى.

لذلك فإن الانتخابات النيابية إذا ما أُجريت في موعدها، لأن لا مجال لتأجيلها مع اشتداد الضغط الدولي لإنجازها، ستتم هذه المرة بطروحات سياسية غير مسبوقة وتدور المنافسة تحديداً بين من يتمسك باتفاق الطائف ويدعو إلى استكمال تطبيقه وتنقيته من الشوائب التي أصابته من جراء الممارسة، وآخرين يتوزعون على محوري «الممانعة» بقيادة إيران والفيدرالية التي أخذت الدعوات المؤيدة لها تتمدد تحت «عباءة» الإسراع بتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة.

وعليه، فإن لبنان مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات وعدم تبيان طبيعة التحالفات أكانت سياسية أو محصورة بتبادل الأصوات سيشهد حضوراً دولياً وإقليمياً مميزاً هذه المرة يتخلله مبارزات أشدها بين طهران وواشنطن، وإن كان عبد اللهيان تمنى على ميقاتي التدخل لدى الإدارة الأميركية لتمرير ما وصفه بمساعدات إنسانية للبنانيين، مع أنه من موقعه كوزير للخارجية يدرك سلفاً بأن طلبه مردود، ليس من ميقاتي الذي قال كلمته وعفا لبنان من عقوبات أميركية، وإنما من واشنطن لأن مجرد رفعها عن إيران يعني أن الاتفاق في الملف النووي بدأ يقترب، وهذا ليس صحيحاً، وإلا لماذا أخذت تشتد الحملات على الولايات المتحدة من المنصات التابعة لمحور الممانعة بقيادة «حزب الله» الذي لوح بلسان رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين بإخراج التأثير الأميركي من أجهزة الدولة.