أخبار لبنان

المحروقات تُلهب الناس والشارع… والحكومة مشلولة

تم النشر في 21 تشرين الأول 2021 | 00:00

كتبت صحيفة "النهار" تقول: قبل أسبوع تماماً كان لبنان كلّه يرتجف على وقع ‏التوترات الدامية الخطيرة التي اثارتها أحداث الطيونة وعين الرمانة. وأمس، عشية ‏الذكرى الأسبوعية الأولى لهذه الاحداث، ارتجف اللبنانيون غيظاً وغضباً وقلقاً ‏وتشنجاً ولكن بفعل واقعة ليست امنية، وانما مالية اجتماعية من شأنها ان توسّع هذه ‏المرة دائرة الفقر والركود والبطالة والغلاء إلى سقوف غير مسبوقة، عبر رفع ‏فجائي مباغت لكل ما تبقى من الدعم المتدرج لأسعار البنزين والغاز، بعدما رفع ‏سابقاً هذا الدعم نهائياً عن المازوت. وقع جدول أسعار المحروقات الجديد الصادر ‏صباح أمس وقع الصاعقة على اللبنانيين نظراً إلى التحليق العالي جداً والحارق ‏لأسعار المحروقات كافة ولا سيما البنزين بما بدا مؤشراً إلى الرفع النهائي المفاجئ ‏غير المتدرج للدعم. أعاد هذا التطور الأولوية المطلقة في المشهد الداخلي إلى ‏الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، وبدت الحكومة في موقع ضعيف ومحرج ‏للغاية امام الالتهاب الشعبي الذي تسبب به هذا الاجراء وأعاد تحريك الشارع بقوة ‏واتساع من خلال قطع الطرق في مختلف المناطق والتحفز لتحركات احتجاجية ‏مقبلة.‏

جرى ذلك فيما الحكومة معطلة، وجلساتها معلقة حتى اشعار آخر، ورئيس الحكومة ‏نجيب ميقاتي ليس في وارد الدعوة إلى جلسة طالما ان الازمة التي طرحت على ‏طاولة مجلس الوزراء بشأن التحقيق العدلي لم تعالج بعد. وسيزور ميقاتي بعبدا ‏اليوم، وعلم من مصادره ان هذا الموعد مقرر منذ ثلاثة ايام للتشاور مع رئيس ‏الجمهورية في ملفات حكومية غير الدعوة إلى عقد جلسة. وفهم ان لا علاقة لهذه ‏الزيارة بالكلام الذي أعلنه وزير الثقافة محمد مرتضى عن انه وزملاءه وزراء "امل" ‏‏"وحزب الله" سيحضرون الجلسة لا سيما وانه هو من فجّر المشكلة على طاولة ‏مجلس الوزراء، وأدى إلى تعليق جلساته.‏

وعلم ان بعبدا مستعدة لمعاودة جلسات مجلس الوزراء، وتنتظر ميقاتي ليتشاور ‏ورئيس الجمهورية في الدعوة المفترض ان يوجهها لانعقاد مجلس الوزراء. ومن ‏وجهة نظرها، فصل وزير العدل هنري خوري بين القضاء والوزارة، وتالياً ‏حكومة الانقاذ يجب ان تجتمع وان تتحمل مسؤولياتها في الإنقاذ والإصلاح. ‏والثنائي "أمل - حزب الله" فتح الباب من خلال كلام الوزير محمد مرتضى. لذلك لن ‏يكون الرئيس ميقاتي مستفزاً لأحد إذا دعا إلى عقد جلسة.‏

ولكن وفق المعلومات فان المشكلة التي اثارها الوزير مرتضى على طاولة مجلس ‏الوزراء لم يتوافر لها حل بعد. وهو لم يتحدث باسمه انما باسم "أمل"و"حزب الله". ‏وعندما قال انه وزملاءه سيحضرون جلسة مجلس الوزراء إذا دعا إليها الرئيس ‏ميقاتي، فإنما استخدم عبارة "إذا" الشرطية، باعتبار ان ثمة ازمة والواجب الوطني ‏يستدعي التصدي كل ضمن صلاحياته ودوره. والرئيس ميقاتي يدرك هذا الامر ‏ويتصرف على أساسه.‏

لذا تشير المعطيات إلى أنه لن تكون هناك دعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، قبل ‏الوصول إلى اتفاق يقضي بفصل المسار القضائي عن المسار الحكومي في أزمة ‏سياسية- قضائية عطلت مجلس الوزراء وقد تنفجر فيه مجدداً.‏

الرفع الحارق للدعم

ولكن اجراء تسعير المحروقات أمس على أساس الدولار في السوق أي بما يناهز ‏العشرين ألف ليرة معطوفا على الارتفاع العالمي في سعر النفط في الآونة الأخيرة ‏أعاد إلى البلد تشنجاً كبيراً بفعل الارتفاع الناري الحارق دفعة واحدة في أسعار ‏المحروقات إذ تجاوز سعر صفيحة البنزين 312 ألف ليرة وصفيحة المازوت 270 ‏ألف ليرة وقارورة الغاز 229 ألف ليرة. ومع ان كل المؤشرات كانت تنذر منذ ‏فترة طويلة بان رفع الدعم النهائي عن المحروقات سيدفع بأسعارها إلى سقوف ‏عالية للغاية، فان اعتماد الطريقة المتدرجة في زيادات الأسعار وفي الرفع المتدرج ‏للدعم ساعد على احتواء نسبي لهذا الاستحقاق وسط انتظار بدء تنفيذ اعتماد ‏البطاقة التمويلية. ولكن التأخير الحاصل في بدء اعتماد البطاقة ناهيك عن الارتفاع ‏الناري المفاجئ في الأسعار أمس، بدأ يضع البلاد امام متاهة تفاقم كبير جدا للازمة ‏الاجتماعية خصوصا على أبواب موسم الشتاء.‏

وبإزاء هذا الارتفاع الجنونيّ لأسعار المحروقات، بدأت ترجمة غليان الشارع ‏بقطع الطرق وكانت البداية أمس بقطع الطريق في ساحة الشهداء في بيروت كما ‏تمّ قطع السير عند تقاطع جامع عبد الناصر كورنيش- المزرعة بالاتّجاهين. كما تم ‏إقفال المسلك الشرقي من بيروت إلى الدورة مقابل الفوروم من قبل عدد من ‏العسكريين المتقاعدين. وشهدت مدينة صيدا أيضاً تحرّكات احتجاجية من قبل ‏سائقي السيارات العمومية، تمثلت بقطع الطريق عند الكورنيش البحري وكان ‏السائقون العموميون قد قطعوا الطريق صباحاً عند ساحة النجمة. وتمدد المشهد إلى ‏عكار، حيث قطع عدد من المحتجّين طريق عام البيرة القبيات ثم تمدد إلى طرابلس ‏حيث قطع عدد من المواطنين أوتوستراد البالما، والأوتوستراد في الملولة طرابلس ‏وطريق دوار أبو علي. وقام شبان مساء بقطع مدخل مدينة بعلبك الجنوبي. كما ‏قطع مواطنون المسلكين الشرقي والغربي لأوتوستراد جونية عند جسر السولديني ‏بالإطارات المشتعلة.‏

وحاولت وزارة الطاقة والمياه تبرير الاجراء فأصدرت بيانا اكدت فيه انها "ليست ‏الجهة المتحكمة بالأسعار، إذ أن عوامل عدة تؤثر بشكل مباشر على تركيبة جدول ‏الأسعار لهذه المشتقات توقيتاً ومضموناً، والجدول يخضع لآلية اعتمدت بناءً على ‏أمرين: أولاً عدم الاستقرار في اسعار الدولار داخلياً فالسعر يُحدده مصرف لبنان ‏لإستيراد هذه المشتقات من قبل الشركات المستوردة وفق منصة "صيرفة" والأمر ‏الثاني ناتج عن الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية، مما إنعكس ارتفاعاً على ‏السعر المحلي أيضاً بالإضافة إلى احتساب الكِلف الإضافية كالنقل وخدمة المحطات ‏وغيرها".‏

المفاوضات مع البنك الدولي

وسط هذه الاجواء، عقد الرئيس ميقاتي اجتماعاً مع وفد من البنك الدولي ضم ‏المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك ساروج كومار جاه، ‏ممثلة البنك في لبنان منى قوزي، في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ‏والوزير السابق نقولا نحاس. وتم خلال اللقاء البحث في وضع برنامج شبكة الأمان ‏الاجتماعي وتحريك الإصلاحات في مجالَي الطاقة والمياه.‏

وإفادت أوساط مطلعة "النهار" ان عجلة العمل الحكوميّ انطلقت بشكلّ مباشر مع ‏صندوق النقد الدولي، ما من شأنه الفصل بين الجانب السياسيّ والآخر الاقتصادي. ‏وتشير المعطيات التي استقتها "النهار" إلى أنّ ما من عرقلة لمساعي الحكومة في ‏هذا السياق بل إنّ العمل الوزاريّ حاضرٌ في ظلّ مشكلة حقيقيّة كامنة وفق نظريّة ‏رئيس الحكومة في أنّ الدّعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء في الأجواء الراهنة ‏تؤدّي إلى مشكلة مطلوب معالجتها من خارج إطار مجلس الوزراء، من أجل ألا ‏يفسّر الموضوع على أنّه نوع من التحدّي. وتستمرّ الحكومة في وضع خطّة ‏للموضوع المالي والاقتصادي على السكّة الفعليّة من خلال اجتماع السرايا بين ‏رئيس الحكومة والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محي الدين. وقد ‏حصل التباحث في الموضوع الاقتصادي إضافةً إلى اجتماع صندوق النقد مع ‏الفريق المتخصّص التابع لرئيس الحكومة ورئيس اللّجنة الوزارية التي تدرس خطّة ‏‏"الصندوق" برئاسة نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي. ويُرتقب أن يُستَكمل ‏البحث في الملف الاقتصاديّ إضافةً إلى اجتماع صندوق النقد مع الفريق ‏المتخصّص التابع لرئيس الحكومة ورئيس اللجنة الوزارية التي تدرس توجّهات ‏الصندوق.‏

جولة هوكستين

في غضون ذلك بدت الزيارة الأولى للوسيط الأميركي الجديد في عملية التفاوض ‏غير المباشر في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اموس هوكستين على ‏المسؤولين أمس بمثابة مؤشر اولي إلى احتمال إعادة احياء المفاوضات في الناقورة ‏بعد توقف طويل. وجال هوكستين ترافقه السفيرة الأميركية دوروثي شيا على ‏الرؤساء عون ونبيه بري وميقاتي وعرض معهم مسار عملية التفاوض في شأن ‏ترسيم الحدود البحرية والتوجهات المقبلة في هذا الملف. وبدا لافتا ان أي معطيات ‏علنية رسمية لم تصدر عن بعبدا والسرايا فيما وحدها عين التينة وزعت معلومات ‏مفادها انه جرى تأكيد إتفاق الإطار الذي أُعلن في تشرين الأول العام الماضي.‏

وأشار الرئيس بري إلى أننا "أمام فرصة جديدة لإستئناف المفاوضات في الناقورة ‏مع المساعي الاميركية الجديدة التي تبذل في هذا الإطار". كما أثار الرئيس بري ‏خلال لقائه هوكستين "أهمية استثناء لبنان من ضوابط قانون قيصر في موضوعي ‏إستجرار الغاز المصري والكهرباء من الاردن"، وقد عكس الموفد الاميركي ‏للرئيس بري اجواء تفاؤلية بالتقدم إيجاباً حول هذه العناوين.‏

والتقى هوكستين وشيا أيضا وزير الطاقة والمياه وليد فياض إلى مأدبة غداء. وافاد ‏مكتب فياض أن البحث تناول الحلول لقطاع الطاقة وخصوصا المُبادرة المتعلقة ‏بإستجرار الغاز من مصر وإستبداله في سوريا عبر تقنية "سواب" واستجرار ‏الكهرباء من الأُردن عبر سوريا. وشكر فياض هوكستين وشيا على الجهود التي ‏يتم بذلها مع البنك الدولي خصوصاً وأن الولايات المتحدة الاميركية هي من أكبر ‏المساهمين في هذه المؤسسة، مما يُعبّد الطريق أمام تقدُّم الإتفاق لإنجاز تمويل هذا ‏المشروع. وفي هذا الإطار، أطلع هوكستين فياض على خبر جديد جيد بأن الإدارة ‏الأميركية قد أصدرت رسالة تطمين تؤمن حماية المشروع والأفرقاء المشاركين فيه ‏من تداعيات عقوبات "قانون قيصر".‏




النهار ‏