أخبار لبنان

الشِرك بالدولة

تم النشر في 29 تشرين الأول 2021 | 00:00

‏ زياد شبيب- صحيفة النهار




يوصف النظام السياسي في لبنان بأنه ديموقراطي وذلك بالاستناد إلى معيار ‏ظاهري شكلي هو أن المواقع الدستورية في السلطة التنفيذية يتم تداولها بصورة ‏سلمية وبالاستناد إلى عملية انتخاب لممثلي الشعب تحظى في الظاهر أيضاً ‏بالشرعية التمثيلية. كما ينطلق البعض من وجود حريات في لبنان تمارس في ‏الحياة العامة وتخوّل المعترضين إبداء الرأي وانتقاد السلطة، للقول بأننا في بلد ‏حريات مقارنة بغالبية الدول المحيطة. أما المقياس الحقيقي لهذه وتلك فهو مدى ‏التأثير الفعلي في موازين القوة وفي التحكم الحاصل في مفاصل السلطة من قبل ‏الجهات التي تتولى هذه السلطة بصورة فعلية، لا سيما أن التداول الظاهر للسلطة ‏لا يطال إلا بعض الوجوه التي لا تعتبر في عداد المجموعة الممسكة بزمام السلطة ‏الفعلية والتي تدير البلد عبر المؤسسات الدستورية أحياناً، متى كان ذلك ملائماً لها، ‏وخارج تلك المؤسسات أو رغماً عنها أحيان كثيرة.‏

التمسك بالسلطة بشتى الوسائل، على نهج نيكولا ماكيافيلي، هو السمة السائدة عند ‏جميع القوى المشاركة فيها، ولهذا الغرض جميع الوسائل المتاحة تكون مباحة. من ‏استعمال ما تبقى من موارد عامة إلى استخدام المرافق العامة المسيطر عليها ‏بواسطة محازبين لخدمة المؤيدين، إلى شنّ الحروب الإعلامية وحملات التشهير ‏والاتهامات بالفساد، إلى الاستنهاض عبر الشحن الطائفي بالاتجاهين وتعزيز ‏الشعور بالخوف من الآخرين أو بالتفوق عليهم، وصولاً إلى إراقة الدماء عندما ‏تتعطل السبل الأخرى. ‏

يضاف إلى ذلك كله موضوع السلاح. فقد ثبت بعد الأحداث المتعددة وآخرها موقعة ‏الطيونة، أن السلاح خطر وجودي يهدد لبنان، وقد ظهرت القدرة على استعماله ‏بشكل كبير والاستعداد لذلك وبالتالي تحويل أي حي سكني إلى ساحة معارك ‏عسكرية. وبالتالي فإنه مما لا شك فيه أن السلم المدني الظاهر القائم بعد العام ‏‏1990 لم ولن يتحول إلى سلم حقيقي دائم ما لم تصبح الدولة هي الجهة الوحيدة ‏التي تملك القدرة على استعمال القوة المسلحة. هذه الوظيفة التي تعود للدولة وحدها ‏أصلاً اعتاد اللبنانيون على الشرك فيها، وبسبب تمادي الشواذ في لبنان منذ عقود ‏نسي البعض ما هو الأصل وما هو الصواب. وبنتيجة ذلك إذا قام الجيش مثلاً ‏بإرداء مسلحين يطلقون النار في موقعة كموقعة الطيونة فإن هنالك من يستنكر ذلك ‏ويعتبره اعتداءً.‏

المشكلة أنه عند انتهاء الحرب العام 1990 لم تكن الدولة هي المنتصر بل مجموعة ‏القوى الطائفية المسيطرة على الأرض والتي لم تكن لتسمح بحصول اتفاق الطائف ‏لو لم تكن ضامنة دخولها المؤسسسات الدستورية وترجمة قواها العسكرية على ‏شكل حصص في المواقع داخل الدولة. ولهذا السبب لم تقم الدولة بصورة فعلية حتى ‏اليوم. ولعل أحد أبرز مظاهر هذه الحالة أن أجهزة الدولة ولا سيما الأمنية منها قد ‏اعتادت الخضوع لمنطق القوى التي سيطرت على الدولة، وهي في الواقع تعلق ‏القيام بواجباتها في حفظ الأمن وقمع المخالفات وتوقيف المرتكبين، على رفع غطاء ‏القوى السياسية الطائفية، عن هؤلاء المخالفين. ونتيجة ذلك أصبح القانون يطبق ‏حصراً على من لا غطاء فوقه وتفاقمت بالتالي الحاجة والرغبة عند كل القوى ‏المسيطرة في تعزيز عناصر قوتها واستقوائها.‏

كل هذه العلل تزول حين يبدأ التطبيق الفعلي للدستور ويزول النظام المكوّن من ‏ائتلاف القوى السياسية الفاشية ذات التكوين الطائفي القائم على الخوف من الآخر ‏أو التفوق عليه بالسلاح أو العدد، وإحياء النظام الدستوري الذي تكون المؤسسات ‏هي المكان الوحيد الذي تمارس فيه السلطة الحقيقية.‏