كتبت صحيفة النهار تقول: أياً تختلف الانطباعات والمعطيات والتقديرات لدى الأوساط السياسية اللبنانية حيال ما حصل أمس في لقاء جدة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فإن أحداً لا يمكنه إنكار الطابع المفاجئ الذي خرج به هذا اللقاء حيال لبنان تحديداً. فقد بدا من الواضح تماماً أن الرئيس ماكرون نجح في تحقيق اختراق ديبلوماسي لا يستهان به من خلال مضيّه في الاضطلاع بدور مؤثر ومثابر لرعاية الوضع المأزوم في لبنان وهذه المرة من باب اختراق الانسداد الخطير الذي أصاب علاقات لبنان مع المملكة العربية السعودية، إحدى أعرق الدول في مد الدعم السياسي والمالي والاقتصادي تاريخياً للبنان. وتمثل هذا الاختراق في اتّصال ثلاثي بين ماكرون وبن سلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي مترافقاً مع الإعلان عن إعادة ضخّ الحياة في العلاقات اللبنانية السعودية من جهة والتزامات لبنانية في شأن القضايا السيادية والإصلاحات من جهة أخرى.
شكل نجاح ماكرون مفاجأة ينتظر أن تترك تداعيات إيجابية ربما تبدأ في انعكاس مباشر على سعر الدولار في الساعات المقبلة فيما ترصد الأوساط المعنية ترجمة إضافية لهذا الاختراق الذي جاء غداة استقالة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي.
وجاء تحقيق الاختراق على لسان الرئيس ماكرون، من جدّة، الذي أعلن عن مبادرة فرنسية سعودية لمعالجة الأزمة بين الرياض وبيروت. وقال ماكرون أنه تحاور مطولاً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول لبنان وعمل معه حول الملف اللبناني، ثم اتصلا معاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقالا له أن السعودية وفرنسا ستلتزمان معاً العمل لدعم الشعب اللبناني. وكان الأمير واضحاً في قوله أنه سيبذل كل الجهود لإعادة فتح المجالات الاقتصادية والتجارية مع لبنان، وأنه سيعمل أيضاً لمساعدة الشعب اللبناني، فيما يخصّ الاحتياجات الطارئة إن كان بالنسبة للطاقة أو الحاجات الإنسانية. ولفت ماكرون إلى ضرورة أن تتمكن الحكومة من الاجتماع و العمل بسرعة والقيام بالإصلاحات المطلوبة. وكشف أنه سيتصل غداً بالرئيس اللبناني ميشال عون. وختم قائلاً: "الرسالة كانت واضحة بين السعودية وفرنسا، وأننا توصلنا إليه معاً، وقد أبلغناه معاً في اتصالنا للرئيس ميقاتي. والآن سنعمل معاً على تنفيذ هذا البرنامج".
وعما إذا كان انطباع ماكرون أن السعودية ستعود وتلتزم بمساعدة لبنان مالياً عندما ينفذ البلد إصلاحاته وتعمل الحكومة، قال ماكرون: "نعم هذا التزامهم إزاء فرنسا".
وسألت مراسلة "النهار" رندة تقي الدين الرئيس الفرنسي إذا كان ولي العهد السعودي دعا ميقاتي إلى السعودية، فقال: "في الوقت الحاضر السعودية أخذت في عين الاعتبار الأمرين: استقالة وزير الإعلام اللبناني بعد ما قاله من تصريحات وموقف، وتصريحات الرئيس ميقاتي القويّة بالنسبة للسعودية، فأعتقد أن هذا اللقاء يمثّل إعادة التزام للسعودية في لبنان وعمل وثيق بين فرنسا والسعودية إزاء هذا البلد".
ولاحقاً صدر عن الديوان الملكي السعودي البيان الآتي:
"أجري اتصال هاتفي ضمّ كلاً من الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، حيث أبدى الأخير تقدير لبنان لما تقوم به المملكة العربية السعودية وفرنسا من جهود كبيرة للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني والتزام الحكومة اللبنانية باتخاذ كلّ ما من شأنه تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون ورفض كل ما من شأنه الإساءة إلى أمنها واستقرارها. وتمّ الاتفاق بين الدول الثلاث على العمل المشترك لدعم الإصلاحات الشاملة الضرورية في لبنان. كما تمّ التأكيد على حرص المملكة العربية السعودية وفرنسا على أمن لبنان واستقراره".
وصدر بيان سعودي فرنسي مشترك شدّد فيه الجانبان على "ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيّما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود "، كما اتفق الطرفان على العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير.
وأكّدا في البيان المشترك "ضرورة حصر السلاح بالمؤسّسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات"، وشدّدا على "أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، بالإضافة إلى الاتفاق على استمرار التشاور بين البلدين في كافة تلك القضايا، وإنشاء آلية سعودية-فرنسية للمساعدة الانسانية في إطار يكفل الشفافية التامة، وعزمهما على إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني، ولفتا إلى "أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية ذات الصلة".
وما لبث رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أن غرّد عبر "تويتر" ردّاً على تغريدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقال: "إن الاتصال الذي جرى بيني وبين فخامة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وسمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو بمثابة خطوة مهمة نحو إعادة إحياء العلاقات الأخوية التاريخية مع المملكة العربية السعودية".
وأضاف: "أودّ أن أخص بالشكر فخامة الرئيس ماكرون وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لحرصهما على ديمومة الصداقة تجاه لبنان. وإنني أود أن أؤكّد التزام حكومتي باحترام التزاماتها بالإصلاح".
ميقاتي لـ"النهار"
ومساءً، أدلى الرئيس ميقاتي بتصريح إلى "النهار" في شان هذا التطور فقال: "بمسعى وجهد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لا يدّخر جهداً لدعم لبنان، جرى تواصل اليوم بين فخامته وسمو ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان وبيني فتح الباب أمام صفحة جديدة من العلاقات بين لبنان والمملكة نريدها علاقات لا يعتريها أيّ شوائب، كما كانت دائماً وتاريخياً. فنحن لا ننسى وقوف المملكة وسائر دول الخليج إلى جانب لبنان واللبنانيين في كل الأوقات، ونقدّر أيضاً احتضانهم اللبنانيين بروح الأخوة".
وأشار إلى أنّه "أكّد لسمو ولي عهد المملكة عزم لبنان على العمل لتعود العلاقات إلى سابق عهدها، وأن الحكومة ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات الأساسية التي من شأنها أن تفتح الباب مجدّداً لدعم لبنان في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها على الصعد كافة"، مضيفاً "وقد أجريت اتّصالين هاتفيين مع فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ودولة رئيس مجلس النواب نبيه بري لوضعهما في صورة الاتّصال مع الرئيس ماكرون وسمو الأمير محمد بن سلمان، فعبّرا عن ارتياحهما وشدّدا على تمسّكهما بأفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية والدول العربية الشقيقة كافة، لا سيّما دول مجلس التعاون الخليجي.
كما دعا ميقاتي جميع الأطراف في لبنان إلى أن "تقدّر دقّة الأوضاع والظروف وعدم الإقدام على أيّ أمر أو التدخل في أيّ شأن يسيء إلى الأشقاء العرب ويلحق الضرر باللبنانيين. وقد آن الأوان للالتزام مجدّداً بسياسة النأي بالنفس وعدم اقحام أنفسنا ووطننا بما لا شأن لنا به".
المشهد الداخلي
أمّا المشهد من الداخل فغلبت عليه مؤشرات المرونة عشية أسبوع قد يشهد تطوّرات بارزة لجهة مسالة إعادة عقد جلسات مجلس الوزراء في حال التوصل إلى مخارج يجري العمل عليها مجدّداً. ولفت في هذا السياق تشديد عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن فضل الله على أن "حزب الله" يعمل من أجل أن "تنجح الحكومة في عملها، وكنا ولا نزال منفتحين على كل المعالجات التي تؤدّي إلى إعادة ضخّ الحياة لجلسات مجلس الوزراء، ونحن نعبّر دائماً عن تأييدنا وتشجيعنا لقيام الوزراء بمهامهم، ولعمل اللجان الوزارية، وإعداد الملفات والأوراق، ولكن أيضاً نريد للحكومة مجتمعة أن تعمل، وهناك طريق واضح أمام القيمين عليها يستطيعون سلوكه، وفي أيديهم معالجات يستطيعون اللجوء إليها للخروج من أزمة عدم اجتماعها، ولا سيّما أن أسباب عدم اجتماعها باتت معروفة".
وأفادت مصادر سياسية متابعة "وكالة الانباء المركزية" أن حركة اتّصالات تدور في الكواليس بالواسطة وبالمباشر، بين بعبدا والسرايا وعين التينة وميرنا الشالوحي والضاحية، لإنضاج اتفاق تحرير مجلس الوزراء، غير ان التفاهم لا تزال دونه عقبات، ففيما يرى الثنائي الشيعي أن تفعيل مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء وتجييرَ محاكمة هؤلاء إليه، بقرار نيابي يولد من ساحة النجمة هو الأنجح والأسرع، يربط رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل موافقته على تأمين الميثاقية وتصويت بعض نوابه لهذا الإجراء، بضمانات حيال المغتربين يقدّمها إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أيّاً يكن قرار المجلس الدستوري الذي يبدأ الإثنين درس الطعن المقدّم أمامه من "تكتل لبنان القويّ"، وربما أيضاً بتعيين بديل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فإذا انتزعها، من غير المستبعد أن تقرّ هذه الصيغة في جلسة مجلس النواب المقرّرة الثلثاء المقبل. وإلّا فإن الاتّصالات ستستمرّ حتّى إيجاد الحل.
وأبدى المجلس السياسي في "التيار الوطني الحر" في بيانه أمس "استياءَه من استمرار تعطيل مجلس الوزراء من دون أيّ مبرّر، فالحكومة غير مسؤولة ولا صلاحية لها في حسم الخلاف القضائي القائم". ورأى "أن إيجاد الحلّ هو من صلاحية القضاء أو مجلس النواب الذي يمكنه أن يتّبع الأصول اللازمة في هذا المجال". وجدد التيّار "مطالبته الحكومة بتعيين بديل لحاكم مصرف لبنان. فالأسباب الموجبة لإقالته باتت أكثر من أن تحصى، بدءاً من فشله في الحفاظ على سلامة النقد الوطني، وهو في بديهيات وظيفته، وليس إنتهاء بمخالفاته الكثيرة لقانون النقد والتسليف والدعاوى المقامة ضدّه في 7 دول، إلى جانب الملاحقات القضائية الحاصلة في حقّه داخلياً، وصولاً إلى استمرار تمرّده على قرار الحكومة إجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، بذرائع واهية. لكل ذلك، كيف للثقة في العملة الوطنية أن تستقيم فيما المسؤول المباشر عنها وسيرته المهنية والشخصية موضع شكّ وشبهة وملاحقة دولية؟".
النهار