أخبار لبنان

على صهوة دفء بين عاصفتين ..حكاية شغف يرويها بحر صيدا!

تم النشر في 18 كانون الثاني 2022 | 00:00

بخطى متباطئة كما الوقت الذي يمر ثقيلاً مرتجفاً يلفحه صقيع الأزمات قبل صقيع الطبيعة ، يمضي معظم ساعات نهاره برفقة فرسه البيضاء كأنها قطعة من ثلج كانون تدحرجت على كتف بحر اعتاد ان يحمل هموم من يلوذ به .. او من يرمي اليه بوجعه وما اكثره هذه الأيام ..

كلاهما في " ضيافة " شمس تسللت أشعتها من وراء غيم متفرق فكسرت بعضاً من قرّ ذاك النهار السيبيري على شرفة المتوسط ... مرسلة بعض دفء يتقاسمانه مع رواد الكورنيش ..

" دلوعة " .. أطلقه عليها اسماً وصفة ، لكثرة ما اهتم بها وتعلقت به ، حتى أصبحا جزءاً من مشهد التصق بكورنيش المدينة وذاكرة رواده ..

وجد في خيله ما يخفف عنه وحدته وما يملأ معظم اوقاته سواء بالإهتمام بها او بالخروج الى حضن الطبيعة ولا ضير من اكتساب الرزق ولو على سبيل التسلية وملء الوقت بعمل مفيد يدر عليه بعض ريع من تسيير " رحلات " قصيرة على صهوة ذات الأربع يستأجرها المتنزهون كباراً وصغاراً للقيام بجولة على طول وعرض مرمحها الرحب – كورنيش المدينة المحاذي لخليج اسكندر قبالة المرفأ الجديد ..

يقودها صاحبها رواحاً وغدواً ، لا لجام يكبح جماحها الا ما يأمرها به .. ايماءة رأسه امامها بوصلة طريق .. وايعاز بالسير او التوقف ، او بالانعطاف يميناً أو يساراً والعودة استكمالاً لشوط او إيذانا بالانطلاق بشوط جديد مع "متنزه " آخر ..

يناديها اذا ابتعدت عنه او شردت الى حيث وجدت شيئا تأكله .. ليعيدها الى طوع اشارته وما عودها عليه ..

هو شغف متبادل من نوع خاص ، وتعلق مزدوج الاهتمام والتأثير كما الفائدة ، فهو صاحبها الساهر على رعايتها وتأمين قوتها، وهي رفيقة مشاويره ومؤتمن احاديثه وهي قدماه ومركبه عند التعب من طول المشي و لإختصار الوقت والمسافات .. لا تشكو ثقل حمل او طول مسير ، ولو أرهقتها كثرة المهام ولا تمل من رفقة ولا زاد عدد الذين يطلبون ود سرجها ومتعة التنزه على ظهرها والتقاط الصور معها..

يقول صاحب " دلوعة " الذي يعرّف عن نفسه بكنية " أبو اعتماد " : " ليست مهنة بقدر ما هي تسلية مقابل بدل معقول".. وتلك هي حالي وعادتي منذ 12 سنة!.. " .

وعن سبب "تغنيجه" لفرسه بهذا الإسم يقول : أسميتها " دلوعة " لأني بعاملها كإنسان.. بحكيها بتفهم عليي .. ما بتخذلني وما بتعصي إلي أمر .. "!.

نسأله ما الذي تغير طوال هذه السنوات ، فيبتسم ملتفتاً لفرسه ويشير الى ان أمورا عدة تغيرت ، منها اقبال المتنزهين على ركوب الخيل والذي لم يعد كالسابق ويقتصر حالياً على الصغار خصوصاً .. يضاف الى ذلك ان " العشرة آلاف ليرة التي يتقاضاها كبدل نزهة قصيرة على ظهر فرسه ، لم تعد تغطي كلفة الشعير فيقول من باب المقارنة " كنت اشتري كيس الشعير بـ 20 ألف ليرة .. اليوم صار بـ 650 ألف ليرة .. !. علما انه يسقط من حساباته أيام الشتاء العاصفة التي لا يستطيع فيها ارتياد كورنيش صيدا مع " دلوعة ".. فينتظر انحسار العواصف او فترات الصحو والطقس المشمس خلالها لتعويض ما فاته .. فيعود ورفيقة يومياته مداومين على ادخال البهجة في قلوب المتنزهين ولا سيما الأطفال منهم .. ومنح المكان بعضاً من نبض حياة.. ودفء مؤانسة .. رغم جليد الطقس وجَلد الأزمات ..

رأفت نعيم