كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :
بدا الإعتداء الحوثي على أبوظبي خارج السياق اليومي للأحداث اليمنية، في الفترة الأخيرة، وحتى معاكساً لها، ومناقضاً، تحديداً، لاستعجال إيران التهدئة مع الرياض وحرصها على حثّ ممثّليها على الالتحاق بمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدّة والتي تضمّ في عضويّتها 57 بلدًا، كعنوانٍ رئيسيٍّ للتطبيع.
كان البيان الختامي لقمّة المنظمة في 15 نيسان 2016 في إسطنبول، قد أدان “تدخّلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب”، وقد صدر البيان الختامي بعد يومٍ من مطالبة الرئيس الإيراني حسن روحاني الوفود المشاركة في القمة “بتجنّب إرسال أيّ رسائل تثير الانقسام”، وحسب قوله “لا ينبغي أن تصدر خلال المؤتمر أيّ رسالةٍ من شأنها إذكاء الانقسام في المجتمع الإسلامي”. وانسحب روحاني والوفد المرافق له، من جلسة تلاوة البيان الختامي، وما تضمّنه من إدانة الاعتداءات على البعثات السعودية في إيران، وشدّد البيان يومها على الحاجة إلى “علاقات تعاون” بين إيران والدول الإسلامية الأخرى بما في ذلك “الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها”.
تتيح الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالمنطقة الاستنتاج أنّ الهجوم أضاف بعداً جديداً للحرب الدائرة في اليمن بين المتمردين الحوثيين، المدعومين من طهران، وبين قوات الشرعية التابعة لحكومة عبد ربه منصور هادي الفضلي والمؤيدة من المملكة العربية السعودية، وبمشاركة الإمارات العربية المتحدة، كما يؤشر الاعتداء إلى مدى الخسارة التي مني بها الحوثيون ومعهم طهران في منطقة شبوة في مواجهة القوات الشرعية. والهجوم، بظروفه، تطوّرٌ نوعيٌّ في المواجهة، يدلّ إلى توسيع إطارها، من جهة، ويكاد يشير، من جهةٍ أخرى، إلى توجّهين داخل القيادة الحوثية والإيرانية. فكيف تسعى طهران إلى تحسين علاقتها مع المملكة العربية السعودية ويرسل الحوثيون مسيّراتها إلى الإمارات؟
يلاحظ المحلل السياسي الأميركي آدم بارون، في “ميدل إيست آي” أنّ الهجوم الحوثي المزدوج أتى بعد انتصاراتٍ نوعيّةٍ عاليةٍ لقوات الإمارات الداعمة لفصيل “العمالقة” في منطقة “شبوة”، وهو ليس الأول في نوعه، لكنه الأهم.
إلى ذلك، يشي الهجوم بأنّ طهران تتجاهل ما قدّمته لها دولة الإمارات في العشرين سنة الفائتة، وما مثلته من متنفس لإيران اقتصاديٍّ وماليٍّ وتجاري، وينمّ عن مأزق إيران في اليمن بدليل توسيعها إطار المواجهة إلى أبو ظبي، فهل هو إطلاق إيران الرصاص في رجلها إذ يقع بعد المبادرة التي اتخذتها الإمارات تجاه إيران من خلال زيارة الشيخ طحنون بن زايد لفتح صفحة جديدة.
خطورة الاعتداء هي في كونه تصعيدًا مفاجئًا يعاكس التوجّه نحو التهدئة الذي بدأت ملامحه مع قدوم السنة الميلادية الجديدة، وهو يعيد الحذر إلى العلاقات العربية الإيرانية فيما كان التطبيع بين الجهتين يجري باندفاع، كما أنه لا يبعد عن مناورات “مفاوضات فيينا” في مصير الإتفاق النووي مع ايران، كما قد يكون محاولةً لصرف الأضواء عن جوع الإيرانيين المتفاقم والذي حدا بهم إلى احتلال أرصفة محطات المترو الـ 134 في طهران ببسطات بيعٍ متنوعة المنتجات البسيطة لسدّ رمق عيالهم.
ليس الأمر كاغتيال أرشيدوق النمسا فرديناند في سراييفو الذي أشعل الحرب العالمية الأولى، وليس بوسطة عين الرمانة اللبنانية الشهيرة عام 1975 لكنه بالتأكيد لن يمرّ كأنه لم يكن، وهو سيستدعي جهودًا حثيثة لتهدئة الأمور ومدخلها الأساسي تراجع طهران عن أطماعها التوسعية في المنطقة العربية، لا سيما مغادرة اليمن وكفّ يدها عنه. واللافت أنّ طهران لم تتنصّل من ورطتها ولا زعم الحوثيون أنه خطأ غير مقصود. على العكس يكاد الطرفان أن يفاخرا بما ارتكباه.
عبث الميليشيات الإرهابية باستقرار المنطقة أضعف من أن يؤثر في مسيرة الأمن والأمان التي يدعمها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وما تمادي الميليشيات الحوثية في اعتداءاتها باستهداف الإمارات العربية المتحدة، إلا تأكيد أنّ العدوان يتخطى هذه الميليشيات وقياداتها المحلية، وأنّ مصدر الفتنة والفوضى والتخريب إقليمي أبعد منها، ومواجهة ذلك تستدعي تضامناً عربياً صلباً وفعّالاً، خصوصاً أنّ الحوثيين لم يواروا دورهم وطهران لم تظهر أيّ إدانة فيما مسؤوليتها عن الهجوم لا تقبل أي شك. كلّ ذلك يؤدي إلى التساؤل عن جدية نيات إيران في ما تقول أنه سعي منها إلى استقرار المنطقة.
ربما صار جائزاً السؤال ماذا تريد طهران؟ حسن جوار أم استمرار العدوان؟