مرة جديدة تحرك سائقو الدراجات النارية في مدينة صيدا احتجاجا على ما يعتبرونه قراراً مجحفاً بحق من يلجأون الى هذه الوسيلة في تنقلاتهم ، وان اجيالاً عدة دفعت ولا تزال تدفع ثمن قرار حظر تجوالها في المدينة والذي اتخذ في صيف العام 1999 أي قبل 23 سنة في اعقاب جريمة اغتيال القضاء الأربعة على قوس العدل في صيدا واحداث امنية أخرى وقعت في تلك الفترة واستخدم منفذوها آنذاك الدراجات النارية في تنفيذها .
منذ ذلك التاريخ تحول هذا القرار الى امر واقع وبات تنفيذه هو القاعدة ، واصبحت مشاهدة دراجة نارية تتنقل في شوارع صيدا هي الاستثناء .. وطيلة عقدين من الزمن ورغم أن العديد من القطاعات كما الأفراد التي والذين كانوا يعتمدون على الدراجات النارية في أعمالهم وتنقلاتهم تأثروا بتمديد سريان مفعول قرار الحظر الا ان نسبة الالتزام به بقيت اكثر من نسبة الخروقات التي كانت تسجل بعدما تأقلم قسم كبير منهم مع الواقع الذي فرضه وتعايشوا او كادوا يقبلون ولو على مضض فكرة متابعة حياتهم اليومية وأعمالهم دون استخدام الدراجة النارية رغم الحاجة اليها ، فيما استمر آخرون بالإعتراض على القرار معتبرين إياه شكلا من اشكال " العقاب الجماعي" وبالمطالبة بالعودة عنه نظرا لتداعياته المعيشية على أسرهم وقطاعاتهم ونجحوا في بعض الفترات مستعينين بضغط من فاعليات المدينة في تعليق الحظر ولو مؤقتاً ، بينما لجأ كثيرون الى استبدال الدراجة النارية بأخرى كهربائية واستخدامها في تنقلاتهم رغم ان قيوداً أيضا فرضت على تنقل هذه الأخيرة في فترات عدة .
لكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة أي منذ العام 2019 ، ومع بدء توالي وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية وتداعياتها المعيشية والحياتية على المواطنين كما على المقيمين من فلسطينيين وسوريين ، ولا سيما ارتفاع كلفة التنقل وأسعار الوقود، بات استخدام الدراجة النارية اكثر وفراً بالوقود من استخدام السيارة ، فعاد كثيرون لاستخدامها رغم استمرار قرار الحظر ، وساهم تفهم القوى الأمنية لهذه الظروف حيناً ، والضغط الشعبي مدعوما بمطالبة فاعليات المدينة حيناً آخر في " غض النظر " عن عودة الدراجات النارية للتجول في المدينة بشكل طبيعي بين فترة وأخرى وخاصة لمن تشكل أمراً حيوياً لأشغالهم وتنقلاتهم وخاصة من يعملون في مجال الديلفري او صغار الكسبة واصحاب المهن الصغيرة .. قبل ان تعود الأمور مؤخراً من جديد الى نقطة الصفر مع تجديد القوى الأمنية التشدد بتطبيق قرار الحظر تحت مندرجات القرار الآنف الذكر نفسه !. وجاءت إعادة التشدد هذه المرة من ضمن إجراءات تشمل قمع كل أنواع المخالفات ..
لكن فترة السماح الغير معلنة من قبل القوى الأمنية والتي استمرت لأشهر عدة فهمها أصحاب وسائقو الدراجات تعليقا بالعمل بهذا القرار على الأقل لحين تنظيم هذا القطاع ، خاصة وان نواة اطار يمثل هذا القطاع بدأت تتشكل من خلال تأسيس لجنة لسائقي الدراجات النارية في صيدا لتتولى التواصل مع الجهات المختصة ..
وطوال هذه الأشهر التي مرت – منذ مطلع الخريف الماضي- لم يتم وقف اية دراجة نارية ولا حتى تذكير المواطنين بقرار حظر الدراجات المتخذ قبل عقدين ، ما اغرى الكثيرين من أصحاب الدراجات النارية التي كانت مخالفة الى قوننة أوضاعها عبر تسجيلها وشرعنتها ، وبكثيرين من المواطنين او الأشخاص الذين لم يعودوا قادرين على التنقل بسياراتهم بسبب ارتفاع كلفة الوقود وقطع الغيار، للإستعاضة عنها بشراء دراجة نارية او كهربائية للتوفير.. وبالتالي زاد عدد الدراجات النارية في المدينة خلال اشهر قليلة .
يدرك أصحاب وسائقو الدراجات النارية ويتفهمون الأسباب والدواع الأمنية التي أملت على المعنيين عام 1999 حظر تجوالها في صيدا والظروف الاستثنائية التي مر بها لبنان وصيدا حينها ، لكن ما لا يستطيعون تفهمه وخاصة الأجيال الجديدة منهم ، ونحن هنا نتحدث عن 23 سنة مرت على صدور قرار الحظر اي ما يوازي عمر جيل بكامله ، مر خلالها عدة وزراء داخلية وأربعة محافظين والعديد من القادة الأمنيين تعاقبوا طيلة هذه السنوات ، كيف يبقى هذا القرار على حاله ، ويبقى التعاطي معه يتراوح بين مد التشدد به وجزر التفلت منه او غض النظر عنه فيما لا تتم مصارحة المعنيين به ممن يعتمدون على الدراجة النارية في التنقل والعمل باسباب ومبررات الاستمرار بتطبيق هذا القرار -–اذا وجدت - بدلاً من تمديد تداعياته من جيل لآخر ومن قطاع لآخر ..
ولكن ، واليوم وبعد مرور السنوات الـ23 على صدور هذا القرار وعلى الظروف والدواعي الأمنية التي فرضت اتخاذه ، ثمة من أصحاب وسائقي الدراجات النارية انفسهم وحتى ممن يقاربون هذا الموضوع من زاوية ضرورة ضبط وتنظيم هذا القطاع من يطرح عدة تساؤلات وابرزها :
* اذا كانت الاعتبارات الاقتصادية والمعيشية هي التي املت على المعنيين غض النظر عن تطبيق القرار خلال الأشهر الأخيرة فهل انتهت هذه الاعتبارات كي يعاد التشدد به !.
* كيف ان مثل هكذا قرار لا يخضع كل فترة لتقييم دوري لجدوى استمرار تطبيقه من الناحية الأمنية ؟
* هل يعقل ان يتحول قرار بهذه الأهمية يطال وسائل كسب ومعيشة آلاف العائلات لمجرد بند جامد يتكرر في الإجتماعات الدورية والطارئة لمجلس الأمن الفرعي منذ 23 سنة ولا يزال ويختصر بعبارة " التأكيد على تطبيق قرار منع تجول الدراجات النارية في صيدا " ..!.
* منذ العام 1999 وحتى اليوم ، حصل تطور كبير على صعيد التقنيات المستخدمة في حفظ الأمن في ظل الوتيرة المتسارعة لثورة التكنولوجيا والمعلومات وانفتاح فضاء وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار كاميرات المراقبة التي تغزو المدينة كما العديد من المناطق واستخدام القوى الأمنية لوسائل رصد ومراقبة متطورة بشكل بات من الأسهل عليها رصد وضبط أية مخالفة او متابعة أي شيء يتم الاشتباه به على الطرقات او في الأماكن العامة ..
* لماذا لا يتم ولو على سبيل التخفيف من معاناة كثير من المواطنين والقطاعات ، الانتقال من قرار حظر الدراجات النارية الى قرار تنظيم القطاع وتنقيته من المخالفات وفرض قوانين تضبط حركة تنقلها اسوة بالمناطق التي يسمح بتنقلها فيها وتطبق مثل هذه القوانين ..
أسئلة مشروعة .. وتساؤلات تفرض نفسها بين تحرك وآخر .. وبين تشدد بالحظر وغض نظر عن التلفت منه.. وتستحق بعد 23 عاما من المعنيين التوقف عندها !
رأفت نعيم