تقترب أسعار النفط في العالم من عتبة 100 دولار للبرميل، مع زيادة المخاوف من غزو روسي محتمل لأوكرانيا، في حين أن الإمدادات الاحتياطية من النفط والغاز محدودة على مستوى العالم، مما يجعل التحرك الروسي تجاه أوكرانيا "أمرا جيوسياسيا خطيرا"، وفق تحليل لصحيفة وول ستريت جورنال بشأن تداعيات الخطوة الروسية المحتملة على أسعار الطاقة في العالم.
وروسيا ثالث منتج للنفط في العالم، وتصدر نحو 5 ملايين برميل من الخام يوميا، مما يعادل 12 في المئة من التجارة العالمية في النفط، وحوالي 2.5 مليون برميل يوميا من المنتجات البترولية، مما يمثل 10 في المئة من حجم التجارة العالمية، وفقا لبنك الاستثمار "كوين".
ويقول التحليل إن التهديد بغزو أوكرانيا "يهز سوق النفط العالمية الهشة"، مما يدفع الأسعار إلى الاقتراب من 100 دولار للبرميل، إذ يعتقد التجار أن الإمدادات لن تكفي للتخفيف من تأثير أي اضطراب كبير في صادرات الوقود الأحفوري الروسي.
وفي ظل هذا الوضع، يضطر التجار إلى فرض "بدل مخاطر جيوسياسي كبير"، أدى إلى أن ارتفاع أسعار النفط الخام، التي لم تتجاوز 100 دولار للبرميل منذ 2014، إلى أعلى مستوى لها في ثماني سنوات بسبب تلك المخاوف.
ورغم أن الأسعار تراجعت بشكل طفيف في التعاملات المبكرة، الاثنين، مع انخفاض خام برنت 0.3 في المئة إلى 94.07 دولارا للبرميل، إلا أنه لا يزال بالقرب من أعلى مستوى له منذ 2014.
وتقول فرانس برس إن أسعار النفط تقترب من أعلى مستوياتها منذ سبع سنوات، وتنقل عن فينسينت بوي، المحلل لدى شركة الوساطة المالية "آي جي فرانس" إن "كل الأنظار تتجه إلى سعر النفط الذي يمكن أن يصل على المدى القريب إلى عتبة 100 دولار، في ارتفاع من شأنه أن يؤثر أكثر على ارتفاع معدلات التضخم".
ويأتي التوتر بشأن أوكرانيا في الوقت الذي تعهدت فيه دول "أوبك- بلاس" بضخ النفط في أسواقها مع زيادة الطلب، لكنها لم تحقق أهدافها، في حين تعهدت شركات النفط الصخري الأميركي بالحد من نمو الإنتاج وإعادة المزيد من السيولة إلى المساهمين، مما قد يحد من قدرتها على سد أي فجوة في العرض.
وتوضح وول ستريت جورنال أيضا أنه إذا أدى الصراع في أوكرانيا إلى انخفاض كبير في تدفق النفط الروسي إلى الأسواق، فسيهدد ذلك "التوازن الضيق بين العرض والطلب".
تهاوي أسواق المال
وأدت المخاوف بشأن الغزو الروسي المحتمل إلى تقلبات في سوق المال وسط مخاوف من ارتفاع التضخم وارتفاع عوائد السندات. وقالت فرانس برس إن الأسواق المالية العالمية "تهاوت"، الاثنين، على وقع المخاوف من اجتياح روسي وشيك لأوكرانيا.
وفي بداية التعاملات، سجلت الأسواق الأوروبية تراجعات قوية، إذ بلغت الخسائر 3.68 في المئة في ميلانو و3.51 في المئة في باريس و3.28 في المئة في فرانكفورت، في أدنى مستوى منذ أكتوبر، و1.91 في المئة في لندن.
وكان التراجع أشد حدة في بورصة موسكو إذ خسر مؤشر "أر تي أس" 4.29 في المئة من قيمته.
وبدأ القلق من الوضع الجيوسياسي الراهن يعتري المستثمرين منذ الجمعة مع صدور أولى التصريحات الأميركية المحذرة من غزو روسي وشيك ، إذ قلبت هذه التحذيرات الوضع في وول ستريت من الأخضر إلى الأحمر قبيل انتهاء جلسة التداولات، وأغلق مؤشر "داو جونز" على تراجع بنسبة 1.43 في المئة و"ناسداك" على تراجع نسبته 2.78 في المئة، بينما تراجع مؤشر "أس آند بي 500" بنسبة 1.90 في المئة.
والأحد، جددت واشنطن تحذيراتها من أن روسيا يمكن أن تغزو أوكرانيا "في أي وقت"، بعد أن فشلت الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بُذلت خلال عطلة نهاية الأسبوع بين الزعماء الغربيين والكرملين في خفض التوتر.
وقال جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية لوول ستريت جورنال: "نحن نستعد لفترة من الاضطرابات... يصبح التهديد أكثر وضوحا عندما تكون أسواق الطاقة محدودة".
اضطراب في العالم
ويقول محللون ومستشارون إن روسيا التي تعتبر أحد أكبر مصدري السلع، بما في ذلك القمح، قد يؤدي صراعها مع أوكرانيا إلى حدوث اضطراب في أسعار السلع العالمية.
ويمكن أن يكون للارتفاع الحاد في أسعار الغاز الطبيعي والنفط آثار مضاعفة على أسعار البنزين والعديد من السلع الاستهلاكية حول العالم، ما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم.
ويحذر محللون من حدوث اضطراب في صادرات الغاز الطبيعي لروسيا التي تصدر حوالي 23 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا، أي حوالي 25 في المئة من التجارة العالمية، ويذهب 85 في المئة من هذا الغاز إلى أوروبا.
وقد يتعطل تدفق الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا إذا توقفت شبكة خطوط الأنابيب في أوكرانيا في حال حدوث نزاع.
وإذا خفضت روسيا تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا أو فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها، ستجد الشركات الأوروبية صعوبة شديدة في الحصول على الإمدادات.
وقد وصلت أسعار الغاز الأوروبية مؤخرا إلى مستويات قياسية، ونتيجة لذلك، يوجه السوق بالفعل الكثير من الإمدادات الاحتياطية من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، مثل الشركات في الولايات المتحدة وقطر وأستراليا التي أصبحت تعمل بكامل طاقتها.
ويقول المحللون إن خفض إنتاج الغاز الطبيعي قد يكون له أيضا آثار مضاعفة في أسواق النفط حيث أن المنافسة الشديدة وارتفاع أسعار الغاز قد يجبران بعض محطات توليد الطاقة وغيرها التي تعمل بالغاز على استخدام النفط بدلا من ذلك، lما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار النفط.
وتقول وول ستريت جورنال إنه حتى لو لم تستهدف الولايات المتحدة صناعة الطاقة في روسيا بالعقوبات، فقد يكون للعقوبات الأخرى آثار غير مباشرة على أسواق السلع الأساسية.
وقال ماثيو ريد، المحلل في شركة الاستشارات "فورين ريبورتس" ومقرها واشنطن، إن العقوبات المفروضة على المؤسسات المالية الروسية، على سبيل المثال، قد تجعل تمويل عمليات الطاقة أكثر صعوبة.
ويشير ريد إلى قلق البعض من أن الجولة الثانية من العقوبات، إذا فشلت الأولى في ردع روسيا، ستوجه بشكل مباشر إلى إمدادات الطاقة.
وقال إن "الخطر الحقيقي هنا ليس بالضرورة الجولة الأولى من العقوبات.. إنها الجولة الثانية التي تأتي بعد ذلك، إذا أدرك الجميع أن الأولى كانت مضيعة للوقت".
الحرة