كتب خيرالله خيرالله

صواريخ أربيل... والعجز الإيراني في العراق

تم النشر في 15 آذار 2022 | 00:00

كشف الهجوم الإيراني بواسطة صواريخ باليستيّة على أربيل، عاصمة ‏اقليم كردستان العراقي امرين أساسيين. الامر الاوّل مدى الانسداد ‏السياسي والأمني عراقيا والآخر العجز الإيراني عن إدارة اللعبة ‏السياسية في العراق، خصوصا في ظلّ التجاذبات ذات الطبيعة الخطيرة ‏بين القوى الشيعية المختلفة. لم تستطع "الجمهوريّة الاسلاميّة"، التي ‏وصلت القوى السياسيّة الشيعيّة وميليشياتها الى السلطة في بغداد على ‏دبّابة أميركيّة، السيطرة على العراق كلّيا والتحكّم بمصيره‎.‎

لا يزال العراقيون، بمن في ذلك الشيعة، يقاومون النفوذ الإيراني ‏ويرفضون ان يكون بلدهم مجرّد جرم يدور في فلك "الجمهوريّة ‏الاسلاميّة‎".‎

تعتبر الصواريخ الإيرانية التي استهدفت أربيل دليل ضعف وليس قوّة، ‏خصوصا ان الذريعة التي لجأ اليها "الحرس الثوري" لتبرير اطلاقها ‏في اتجاه "قواعد" إسرائيلية، تابعة للموساد تحديدا، لا يمكن لطفل ان ‏يأخذها على مجمل الجدّ. هناك هجوم إسرائيلي استهدف قبل ما يزيد على ‏أسبوع أهدافا ايرانيّة قرب دمشق. ادّى الهجوم الى مقتل عنصرين ‏إيرانيين من "الحرس الثوري" وثمّة من يقول انهما ضابطان في ‏‏"الحرس". حسنا، لماذا تردّ ايران على هذا الهجوم في كردستان وليس ‏في إسرائيل التي توعّدت آلاف المرّات بازالتها من الوجود بصفة كونها ‏‏"غدّة سرطانيّة"؟

قد يكون الهدف الايراني توجيه رسالة الى الزعيم الكردي مسعود ‏بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لديها حسابات تريد ‏تصفيتها معه. نجحت في ذلك جزئيا عندما حالت دون وصول هوشيار ‏زيباري الى موقع رئيس الجمهوريّة. لكنّ ذلك لم يؤد، اقلّه الى الآن، إلى ‏إيصال كرديّ موال لايران الى الرئاسة العراقيّة‎. ‎

يتبيّن كلّ يوم اكثر انّ "الجمهوريّة الاسلاميّة" عاجزة عن إدارة الازمة ‏العراقية على الرغم من دورها الأساسي في خلق هذه الازمة وفي إيصال ‏العراق الى ما وصل اليه من فوضى على كلّ المستويات. لا تشبه ‏الفوضى العراقيّة سوى تلك الفوضى السائدة في لبنان حيث تتحكّم ميليشيا ‏مذهبيّة ايرانيّة بالبلد‎.‎

ما لا يمكن تجاهله، على هامش الصواريخ الايرانيّة في اتجاه أربيل انّها ‏ساهمت في إعادة تعويم رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى ‏الكاظمي. قبل اطلاق الصواريخ في اتجاه أربيل، وهي صواريخ تعكس ‏الازمة الداخليّة في ايران والعجز الذي تعاني منه "الجمهوريّة الاسلاميّة" ‏على كل صعيد، كان الكاظمي نفسه في حكم المنتهي سياسيّا. مضت ستة ‏اشهر على الانتخابات التي أشرفت عليها حكومته والتي اسفرت عن تقدّم ‏الصدريين (جماعة مقتدى الصدر)، لكنّ لا حكومة عراقيّة جديدة الى ‏الآن. الكاظمي نفسه، الذي يتبيّن مع مرور الايّام انّه عاد حاجة عراقيّة، ‏بدا يائسا. وزع في الحادي عشر من شهر آذار – مارس الجاري تغريدة ‏توحي بانّه يودّع مواطنيه مرتاح البال بعدما قام بما عليه القيام به من ‏اجل العراق. جاء في التغريدة: "أدينا الواجب الذي اُستدعينا من اجله في ‏خدمة شعب العراق العظيم. لم نتردد أو نتقاعس أو نساوم على حساب ‏المصلحة الوطنية ولم نقدم مصالحنا على مصالح شعبنا كما لم ننجرّ إلى ‏المساجلات والمزايدات. أوصلنا الوطن الى انتخابات حرة نزيهة ‏ووضعنا بصبر اُسس تجاوز الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية ‏الكبرى رغم العراقيل الداخلية والتحديات الخارجية وأعدنا العراق عزيزاً ‏الى المجتمعين الاقليمي والدولي، وفتحنا طريق مكافحة الفساد والمفسدين ‏واستعادة الدولة من براثن اللادولة. أخرسنا الارهاب وخلاياه وذيوله ‏بعزم ابطال قوانا العسكرية والأمنية والاستخبارية‎". ‎

أكد الكاظمي أن "القوى والاحزاب والشخصيات الوطنية التي افرزتها ‏العملية الانتخابية الديمقراطية تتحمل اليوم مسؤولية حماية المسار ‏الوطني من خلال انهاء الانسدادات السياسية وتشكيل حكومة تتصدى ‏للاستحقاقات وتصون الوطن وتدافع عن وحدته ومقدراته ونبارك كل ‏الجهود على هذا الطريق‎".‎

استعاد الكاظمي حيويته. ردّ على الصواريخ الايرانيّة بزيارة أربيل للقول ‏انّه ما زال موجودا سياسيّا. باختصار، عاد الكاظمي خيارا عراقيّا من ‏دون ان يعني ذلك انّ مستقبله مضمون مئة في المئة في ظلّ عودة ‏الاتصالات بين مقتدى الصدر ونوري المالكي الذي كان يمثّل بالنسبة الى ‏الصدر خيارا مرفوضا تماما‎.‎

في ضوء اطلاق ايران صواريخها، من بعد نحو 300 كيلومتر، يظهر ‏بكلّ وضوح انّ ليس لدى "الجمهوريّة الاسلاميّة" ما تقدمه الى العراق. ‏كل ما في الامر انّ العراق بالنسبة الى "الحرس الثوري" مجرّد "ساحة" ‏تبعث عبرها رسائل في كلّ الاتجاهات، خصوصا في اتجاه واشنطن ‏والعواصم العربيّة الفاعلة. لم يعد سرّا ان "الحرس" فشل في فرض ‏شروطه على الإدارة الاميركيّة في محادثات فيينا. افسد الغزو الروسي ‏لاوكرانيا فرصة التوصّل الى صفقة اميركيّة – ايرانيّة، اقلّه في المدى ‏المنظور . بدا واضحا ان الروسي بات يمتلك حسابات خاصة به ولم يعد ‏في موقع المستعدّ لدور يسهّل الصفقة بين واشنطن وطهران. فوق ذلك ‏كلّه، كان لافتا اعلان ايران وقف المحادثات ذات الطابع الامني التي ‏تجريها مع المملكة العربيّة السعوديّة في العراق باشراف من مصطفى ‏الكاظمي نفسه الذي يرى في المحادثات السعوديّة – الايرانيّة انتصارا ‏شخصيا له. ما تكتشفه "الجمهوريّة الاسلاميّة" ان ليس في العالم، بما في ‏ذلك بين العرب الجدّيون، من هو مستعد لاجراء ايّ محادثات او ‏مفاوضات معها بعيدا عن سلوكها في المنطقة وصواريخها الباليستيّة ‏وطائراتها المسيّرة. لا فصل بين البرنامج النووي الإيراني من جهة ‏والعدوانيّة التي تمارسها "الجمهوريّة الاسلاميّة" خارج حدودها في اليمن ‏وغير اليمن‎.‎

هناك ازمة ايرانيّة حقيقيّة، لكنّ هناك ازمة عراقيّة أيضا. لعلّ تصرّفات ‏ايران في العراق افضل تعبير عن عمق الترابط بين الازمتين الايرانيّة ‏والعراقيّة في عالم دخل مرحلة جديدة كلّيا بعد الغزو الروسي لاوكرانيا‎.‎

إلى متى تظلّ الازمة العراقية من النوع الذي يمكن التحكّم به في ظل ‏وجود ميليشيات مذهبيّة يتحكّم بها "الحرس الثوري" الإيراني. يبدو أنّ ‏على "الحرس" تأكيد اكثر من ايّ وقت انّ ان اللعبة السياسية والامنيّة في ‏العراق تدار من طهران وليس من ايّ مكان آخر... مع إصرار على ‏تجاهل وجود شعب عراقي يؤمن باكثريته ان العراق هو العراق وايران ‏هي ايران‎.‎