كتبت صحيفة "النهار" تقول: لم يتبدل مشهد التعقيدات المتزايدة في المواجهة القضائية المصرفية في مطلع الأسبوع، بل أظهرت المعطيات والوقائع التي برزت ان عقب الخطوة القضائية الجديدة للنائب العام الاستثئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون في ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه، او في تصاعد الموقف بين المصارف والقضاء على وقع الاضراب المصرفي ان المواجهة قد تتجه نحو مرحلة اشد تعقيدا واكثر اثارة للتداعيات. بل ان اوساطا واسعة الاطلاع ومعنية بهذه الازمة أعربت عن اعتقادها ان تضييق الخناق على المصارف يبدو متواصلا وتصاعديا، ولو ان كلاما تردد امس عن مساع جارية لتخفيف الاحتقان واجتراح مخرج يحول دون اتساع المأزق الى درجة يصعب بعدها ضبط التفلتات الاجتماعية لهذه المواجهة التي تهدد المواطنين والمودعين في المقام الأول. وتلفت هذه الأوساط الى التضييق على المصارف يسير جنباً الى جنب مع التضييق على حاكم مصرف لبنان، وكذلك في اتساع الدعاوى على أعضاء المجلس المركزي برمته لمصرف لبنان بما يعكس اتجاهات حادة وغير قابلة للاحتواء حتى الان، علما ان ردة فعل المصارف حيال التضييق التصاعدي عليها ستظهر في الساعات المقبلة من خلال تقرير ما اذا كان الاضراب سيتوقف الأربعاء وتعود المصارف الى عملها، ام سيتم اعلان الاضراب المفتوح. اما ابرز تداعيات المواجهة المتصاعدة فتمثل في الارتفاع المطرد لسعر الدولار الأميركي في السوق السوداء اذ تخطى مساء امس سقف الـ 24 الف ليرة لبنانية.
ووسط الشلل المصرفي الذي عم البلاد مع بدء الاضراب التحذيري للمصارف الذي يستمر اليوم أيضا، وبعدما ادعت القاضية غادة عون قبل يومين على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشقيقه رجا سلامة بجرم “الإهمال الوظيفي وهدر المال العام وإساءة الأمانة”، ادعت مجددا امس على الحاكم بجرمي الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، وعلى شقيقه والأوكرانية أنا كوزاكوفا وعدد من الشركات، بالتدخل بهذا الجرم، وأحالتهم الى قاضي التّحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور.
في المقابل، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي لم يحضر امام عون امس لـ”رويترز” بشأن اتهامه بـ”الإثراء غير المشروع”: “أمرت بإجراء تدقيق لم يكشف بدوره أن الأموال العامة تمثل أي مصدر لثروتي”.
وسطرت عون قراراً يقضي بموجبه وضع اشارة منع تصرّف على كل الممتلكات العقارية العائدة لشقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة وذلك حفظاً لحقوق الخزينة العامة الثابت إهدارها بنتيجة التحقيقات الأولية التي أجرتها في الشكوى المقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة رواد العدالة.
وفي غضون ذلك تقدمت مجموعة “رواد العدالة” وتحالف “متحدون” بشكوى أمام النيابة العامّة المالية على جميع أعضاء المجلس المركزي لدى مصرف لبنان ومفوَّضي الحكومة لديه الحاليين والسابقين من تاريخ تولي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمهامه، وذلكَ بجرائم الإهمال الوظيفي والخطأ الجسيم بإدارة مرفق عام وسوء استخدام السلطة وهدر وتبديد المال العام والنيل من مكانة الدولة المالية ومخالفة القوانين والأنظمة المالية والمصرفية المنصوص عليها جميعاً في قانونَيّ العقوبات والنقد والتسليف.
بين الفاتيكان والقاهرة
ومن المفارقات اللافتة ان تبرز ظاهرة سياسية تمثلت في انه فيما كانت الحلقات الجديدة من المواجهة القضائية المصرفية تشهد تصعيدا مقلقا وتضع البلاد امام عاصفة غامضة العواقب والتداعيات، كان اكبر مرجعين مارونيين سياسي وديني يقومان بزيارتين بارزتين لكل من الفاتيكان ومصر. فالبابا فرنسيس استقبل امس رئيس الجمهورية ميشال عون وابلغه انه مطلع بأسى على ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة فيه، وعزمه زيارة لبنان قريبا لاحياء الرجاء فيه، في حين كان شيخ الازهر احمد الطيب يستقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وبعده التقى الراعي أيضا الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط .
وقد استقبل البابا فرنسيس في الفاتيكان امس الرئيس عون وأشار امامه الى انّه “مطلع بأسى على ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة فيه”، مشددا على “ان لبنان، بجميع ابنائه، المسيحيين والمسلمين، يجب الا يتخلى عن قيم الاصالة القائمة على الاحترام”. واعتبر ان “من الواجب الحفاظ على الحضور المسيحي في الشرق، كما من الواجب الحفاظ على العيش معا في لبنان، وهي صيغة جعلت منه رسالة”.
وأكد البابا فرنسيس ايضا انه “يسعى مع الجميع في العالم من اجل الحفاظ على هذا الوطن، الذي لطالما اعتبره الكرسي الرسولي رسالة ونموذجا”، وابلغ الرئيس عون اصراره على ذلك أكثر من أي وقت مضى، كما عبّر تكرارا، على أن يزور لبنان لإعادة إحياء الرجاء فيه وقال: “في وقت قريب سأزور لبنان. هذا قرار اتخذته، ذلك ان لبنان يبقى على الرغم من اي شيء نموذجا للعالم”.
من جانبه، جدد الرئيس عون الدعوة الى البابا فرنسيس لزيارة لبنان واعتبر ان “لبنان يجتاز مرحلة صعبة لكنه سينتصر عليها حتما بإرادة ابنائه مجتمعين”. واضاف: “هناك مسؤولية على المجتمع الدولي لكي يقوم بواجباته في الحفاظ على وطن هو قيمة بإعتراف الجميع”.
بدوره زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في اطار زيارته للقاهرة الإمام الاكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الازهر في مقر المشيخة بالدراسة. وتناول اللقاء “العلاقات الأخوية والتعايش المسيحي الاسلامي ودور الكنيسة المارونية والكاثوليكية والازهر في تكريس سبل المحبة والسلام والعيش المشترك.” كما تطرق اللقاء الى العلاقات المصرية واللبنانية ودعم الرئيس السيسي للبنان ، ووثيقة الأخوة الإنسانية، وتاريخ العلاقات المميزة بين الكنيسة الكاثوليكية والازهر الشريف.
كما التقى الراعي الأمين العام لجامعة الدّول العربية أحمد أبو الغيط واكد ان أبو الغيط “لديه حب كبير للبنان، موضحا أنه يعيش القضايا التي يشهدها لبنان، بمشاعره”، مؤكدا “قدرة لبنان على تجاوز التحديات بفضل تاريخه وامكاناته”. وأوضح الراعي “ان لبنان يبقى عضوا فاعلا في جامعة الدول العربية وأن لبنان لابد ان يلجأ للأصدقاء في ظل الصعوبات التي يمر بها، مطالبا الاعلام أن يقوم بدور داعم للبنان عبر التركيز على الإيجابيات بعيدا عن أولئك الذين ينشرون أخبار كاذبة. وأشار إلى الدور الذى تلعبه الجامعة العربية باعتباره مكانا لوحدة العرب . وشدد على ضرورة حياد لبنان حتى يمكنه القيام بدور واستعادة مكانته، مؤكدا أن انعزال لبنان عن محيطيه الدولي والاقليمي لا يرضي أحدا.
نصرالله وجعجع
على صعيد المشهد الانتخابي والسياسي تفاعل هجوم جديد شنه الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله على “القوات اللبنانية” مجددا اتهامها بنصب كمين في حوادث الطيونة فرد عليه امس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قائلا : “الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وجه كلمة أمس بأنّ من يتحالف مع “القوات” يتحالف مع “كمين” الطيونة وهذا الكلام خطأ وتبيّن بالتحقيقات ما حصل”. واضاف: “كل من يتحالف مع “حزب الله” في الإنتخابات النيابية يتحالف مع قتلة الشهيد رفيق الحريري وقتلة ثورة 14 آذار وصولاً إلى قتلة شهداء جريمة انفجار مرفأ بيروت”.
النهار