النهار/أوكسيجين - مازن عبّود
خاطب الرئيس جون كندي الشعبي الأميركي في حفل تنصيبه في العشرين من كانون الثاني 1961 قائلا: " المجتمع الذي لا يستطيع مساعدة غالبية من هم اقل يسرا لن يتمكن من حماية القلة ممن هم أكثر يسرا".
في خضم الانهيار الحاصل نسأل هل ستتمكن الصناديق الضامنة في لبنان من الاستمرار في تأدية مهماتها في ظل تدهور العملة، وارتفاع اكلاف الاستشفاء، وشح التغذية، وارتفاع معدلات العمالة غير المسجلة او غير القانونية؟
"تقييم عواقب الشيخوخة الديموغرافية في لبنان على ديناميكيات الاقتصاد الكلي للبلد واستدامة نظام المعاشات التقاعدية" دراسة أعدها ريكاردو ماجناني من جامعة السوربون وماري كلود قمر من كلية الاقتصاد في جامعة القديس يوسف في بيروت في العام 2018. وقد خلصت الى انّ نظام التعليم اللبناني لا يلبي احتياجات السوق. وبأنّ ما يتوفر من وظائف في سوق العمل عندنا لا يتطلب كفاءات عالية، مما يدفع شبابنا الى الهجرة. وتناولت الفروقات الكبيرة ما بين تقديمات الصناديق الضامنة للمتقاعدين في كل من القطاعين العام والخاص، بحيث انّ ما يناله متقاعدو الدولة أكثر بكثير. واعتبرت بانّ لبنان سيواجه تحولا ديمغرافيا نتيجة انخفاض حاد في معدلات الخصوبة يترافق مع زيادة حادة في من يتوجب تغطيتهم (62٪ العام مع حلول العام 2100). مما يضع ضغوطا على الصناديق الضامنة. وتجدر الإشارة الى الشباب المتعلم يدخل سوق العمل متأخرا (قريب 23 سنة) ويخرج منها عند 64 سنة. كما انّ تزايد العمالة غير المقوننة او المسجلة مقرونا بتزايد معدلات متوسط الاعمار للمضمونين الى 90.3 للنساء و88 للرجال (بحلول العام 2100)، يعني واقعيا اطالة امد التغطية للمتقاعدين وتوسعتها أكثر، مع ما يترتب من تزايد اكلاف وتضاؤل مداخيل. فتتحوّل الشيخوخة الى كارثية على الاقتصادي والاستثمار. وبيّنت انّ معدلات اسهامات موظفي القطاع العام لا تتوافق مع التقديمات السخية التي ينالونها، والتي تنتقل الى الورثة احيانا. واقترحت زيادة معدلات الاشتراكات، وتخفيض نسب الرواتب التقاعدية، والالغاء التدريجي لمعاشات الورثة، ووقف التقاعد المبكر، بغية ضمان استدامة هذه الصناديق.
وأظهرت أنّ النظام المتبع في القطاع الخاص مستدام لكنّ بمستوى معيشة منخفض جدًا مقارنة بمن يعملون. واوصت بضرورة تحسين ظروفهم المعيشية عبر زيادة المساهمات، والانتقال الى نظام أكثر انصافا. واوصت باشراك أكبر للنساء في سوق العمل لتأمين موارد إضافية.
لا اعلم كيف سيتمكن من بلغوا السن القانونية عموما وفي القطاع الخاص خصوصا من تحمل كل هذه الضغوطات التي تفاقمت بفعل ازمة تدهور العملة وأزمة المصارف وأزمة فقدان السيولة وتبخر الودائع.
الا انّ الانهيار يبقى أيضا فرصة لتصحيح مسار مرفق أساسي له تأثيرات على صحة اللبنانيين وصحة اقتصادهم. مع كل ما يتطلبه ذلك من توحيد للمعايير وعصرنتها. لذا، فانه يتوجب انشاء صندوق ضامن موحد يدار وفق منهجية القطاع الخاص وبروحية الدولة الراعية. يأخذ بعين النظر كل ما تضمنته الدراسة ومع رفع السن القانونية للتقاعد.
انّ أي خطة إصلاحية لدرء التدهور وإعادة تصويب الاقتصاد لا تكتمل الا بمعالجة هذه المسألة الأساسية. كما يتوجب على الحكومات والوزارات المعنية بدء العمل بشكل جدي للجم الفوضى التربوية، وإعادة التوازن الى العلاقة ما بين سوق العمل والجامعات كي نضمن رغدا فقدناه. فالضمان الاجتماعي والتعليم هما السبيل لضمان كرامة الانسان وبناء غد أفضل وفق نعوم شومسكي. وهذا ما يلزم...