إقتصاد

الفرصة الأخيرة... هل يمكن إسترداد الأموال المنهوبة؟

تم النشر في 2 نيسان 2022 | 00:00

بقي المشهد الداخلي عالقاً في زحمة العناوين والملفات الكبرى، التي يبدو انها كلّها تسابق الوقت، وتصطدم بحائط يمنع أياً منها من بلوغ الهدف المنشود، سواء ما يتصل بالمشروع المتعلق بالكابيتال كونترول، الذي لم تتمكن الصيغة المعدلة، التي أقرّتها الحكومة في جلستها الاخيرة، من اخراج هذا الملف من دائرة الالتباسات والاعتراضات عليه في الشكل والمضمون. او على صعيد التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي طَفا على السطح من جديد مع وجود وفد الصندوق في بيروت لمساعدة الحكومة على بلورة خطتها وبرنامجها الذي يفترض ان يشكل قاعدة التفاوض وصولاً الى اتفاق على برنامج تعاون حوله مع صندوق النقد، مع الاشارة الى انّ المتحدث باسمِ صندوق النقد جيري رايس أعلنَ أمس عن «إحراز المزيد من التقدمِ في المحادثات مع لبنان»، مشيراً إلى انّ الصندوق راغب في التوصّل إلى اتفاق مع السلطات اللبنانية وإن بقيَ عملٌ مهم يتعيّنُ القيامُ به»، لافتاً الى «ان الوفد سيُعلن النتائجَ في نهايةِ المُهمة».

واذا كانت مصادر حكومية قد توقعت أن يُقارب هذا الملف قريباً في مجلس النواب، الّا ان مصادر مجلسية أكدت لـ«الجمهورية» انّ ما رَشح عن الصيغة الجديدة لا يختلف من حيث الجوهر عن الصيغة السابقة التي رفضتها اللجان النيابية المشتركة، وبالتالي سيكون مصيره مُشابهاً لمصير الصيغة السابقة، وخصوصاً لناحية خلوّه من أي اشارة صريحة تحمي اموال المودعين، وتضمن إعادتها إليهم.

ولفتت المصادر الى ان محادثات وفد صندوق النقد الدولي في بيروت في الايام الاخيرة انطوَت من جهة على تأكيد الصندوق استعداده لمساعدة لبنان إنما ضمن الشروط الموضوعة سلفا وتدركها الحكومة اللبنانية، وعكست من جهة ثانية تأكيداً من قبل الصندوق على عدم إلقاء التبعة على المودعين وحرمانهم من حقوقهم. وهو الامر الذي دفع مرجع سياسي الى القول صراحة: «ان صندوق النقد والمجتمع الدولي يبدو انه أحرص على ودائع اللبنانيين اكثر من اللبنانيين أنفسهم». وأضاف: «الكابيتال كونترول» مطلوب بإلحاح انما بصيغة تساهم في حل الازمة، وليس بصيغة تعقّدها، فإن أقرّ بالصيغة الموجودة، فمعنى ذلك انه لن يبقى في مقدور أحد ان يمشي».

آخر فرصة

الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ لقاء حصل قبل أيام قليلة بين مجموعة من الاقتصاديين، وسفير دولة اوروبية كبرى، قدّم خلاله السفير المذكور قراءة سوداوية للواقع اللبناني، خلاصتها:

اولاً، على الرغم من التطورات الدولية التي استجدّت بين روسيا واوكرانيا، فإنّ لبنان لم يخرج من دائرة الاهتمام الدولي، فالمجتمع الدولي ما زال ينتظر اجراء الانتخابات النيابية في موعدها بحيادية ونزاهة.

ثانياً، ان المجتمع الدولي، وسائر المؤسسات المالية الدولية على التزامها بمساعدة لبنان فيما لو بادَرت الحكومة اللبنانية الى اتخاذ الاجراءات الاصلاحية المطلوبة. والمؤسف انّ الحكومة اللبنانية لم تبادر الى ذلك حتى الآن، رغم كل ما نسمعه من وعود والتزامات.

ثالثاً، يجب ان يدرك المسؤولون في لبنان انهم أمام آخر فرصة لإنقاذ بلدهم عبر المبادرة الى الايفاء بالتزاماتهم بالاصلاحات، وإن جرى تفويت هذه الفرصة، فلا أمل للبنان بالخروج من الازمة، بل ستتعاظَم هذه الازمة اكثر، وتصبح معاناة الشعب اللبناني أكبر واكثر خطورة.

وبحسب ما نقل بعض الحاضرين عن السفير المذكور، فإنّ الاتفاق على برنامج تعاون بين لبنان وصندوق النقد الدولي يشكّل خطوة مهمة ومُلحّة على طريق إخراج لبنان من أزمته، والمبادرة في هذا السياق في يد الحكومة اللبنانية، التي يريد الصندوق ان تقدم له شيئا ملموسا ومُشجّعا له للاتفاق معها على برنامج تعاون كلّما تأخّر، كانت السلبيات اكبر على لبنان.

على انّ السفير عينه كشف امام الحاضرين عن سبيل آخر لخروج لبنان من أزمته، مؤكداً انّ الدور الاساس فيه هو للحكومة اللبنانية، ولا سيما لجهة العمل الجدي على استرداد الاموال المهربة او المحوّلة الى خارج لبنان خلال السنوات الثلاث الاخيرة، والتي في مجملها اموال ناجمة عن فساد وسرقات وعمليات احتيال، وهذا التوصيف هو للأمين العام للامم المتحدة الذي اكد خلال زيارته الاخيرة للبنان بأنّ ازمة لبنان وإهدار امواله ناجمان عن عملية احتيال.

واوضح السفير، كما نقل عنه بعض الحاضرين، «ان الاموال المهربة او المسروقة هي ملك للدولة اللبنانية، وهي على حد ما نسمع من اللبنانيين، أموال بمبالغ كبيرة جدا، فلو انّ لبنان سعى او تمكّن من استرداد هذه الأموال، فكان يمكن ان تُغنيه عن اللجوء الى صندوق النقد الدولي وكلّ المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة». وقال: «اليوم أنتم في لبنان امام فرصة أخيرة لإنقاذ انفسكم، فإن لم تنقذوا أنفسكم سواء بإصلاحات جذرية وسريعة، او عبر استرداد ما تمّ إخراجه من اموال بطريقة معيبة من بلدكم، فلا أمل لكم بالخروج من الازمة. انّ عليكم ان تُرغموا مَن أخرج المال على إرجاعه.

الاسترداد ممكن.. ولكن!

الّا ان مسؤولا كبيرا في الاتحاد الاوروبي أبلغَ الى أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب تأييده الكلّي لأن يبادر لبنان الى استرداد الاموال من خارج لبنان، وخصوصا تلك التي تحوم حولها شبهات سرقة وفساد.

وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» فإنّ المسؤول الاوروبي توجّه الى اعضاء اللجنة الخارجية بعدما أثاروا مسألة الاموال المهربة، وقال: نحن بالتأكيد نؤيّد هذه الفكرة، ولكن انا اريد أن أنوّركم، فلكي تسترد هذه الاموال هناك آلية معقدة ومسار طويل، حيث لا تستطيع الدولة اللبنانية ان تقول فقط لديّ اموال مهربة واريد ان استردها، ويُستجاب لطلبها. فأولاً، يجب ان يكون هناك تحقيق في لبنان، وان يكون هناك متّهم بشكل مباشر وتهمة مباشرة وصريحة تُوجّه اليه وتؤكد انه فاسد وقام بتهريب المال الى الخارج، وتحدد مكان وجود هذا المال بعد تهريبه، ومن ثم تُصدِر الحكم عليه، وبعدها تنتقل الى الخارج لتتفاوض مع الجهات المودع لديها هذا المال، في كيفية الافراج عنه واسترداده. وللعلم، فإنّ تونس حتى الآن لم تسترجع شيئاً من الاموال التي هرّبت خارجها، وكذلك الامر بالنسبة الى مصر، فالمسار طويل، بل هو طويل جدا. والخطوة الاولى الطبيعية يجب ان تبدأ من لبنان، وتحديداً من تطبيق قانون الاثراء غير المشروع.