عرب وعالم

المغرب واسبانيا... جسر إلى المستقبل

تم النشر في 11 نيسان 2022 | 00:00

خيرالله خيرالله




لم تكن الزيارة التي قام بها اخيرا رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز للرباط ‏حيث التقى الملك محمّد السادس سوى تكريس لواقع جديد فرضه تطلع المغرب ‏واسبانيا الى المستقبل وآفاقه بدل البقاء في اسر الماضي‎.‎

في النهاية، ينقسم العالم الى بلدان مصرّة على البقاء في الماضي وأخرى على علم ‏بما يدور حولها من تطورات مع تركيز على التكامل في ما بينها، خصوصا متى ‏كانت متجاورة. اكتشفت اسبانيا أخيرا ان المغرب بات بوابة مهمّة لها الى افريقيا، ‏فيما حافظ المغرب دائما على سياسة ثابتة تجاه اسبانيا وذلك على الرغم من كلّ ‏التقلبات التي ميّزت مواقف الحكومات الاسبانيّة منذ العام 1975، على وجه ‏التحديد. لعبت هذه الحكومات، خصوصا حكومة خوسيه ماريا اثنار بين 1996 و ‏‏2004، على الحبال في قضيّة الصحراء المغربيّة التي انسحبت اسبانيا منها لكنّ ‏عينها بقيت فيها‎.‎

اعترفت اسبانيا بهذا الواقع الجديد، متجاهلة الموقف الجزائري، عندما أعلنت، ‏حديثا، عبر رئيس الوزراء فيها انّ المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم ‏الصحراويّة، التي قدمتها المملكة في العام 2007، هي "الأساس الأكثر جدية ‏وواقعية وصدقيّة لحل هذا النزاع". ان تتجاهل اسبانيا ردّ الفعل الجزائري، تطور ‏في غاية الاهمّية. ذهب البيان الذي صدر بعد انتهاء محادثات رئيس الوزراء ‏الاسباني مع العاهل المغربي الى ابعد من ذلك. أشار البيان إلى فتح صفحة جديدة ‏في العلاقات بين البلدين "تقوم على مبادئ الشفافية والحوار الدائم، والاحترام ‏المتبادل، واحترام الالتزامات والاتفاقات الموقعة بين الطرفين وتنفيذها، كما ‏تستجيب لنداء الملك محمد السادس بتدشين مرحلة غير مسبوقة في العلاقة بين البلدين ‏ونداء ملك إسبانيا فيليبي السادس نحو السير معا لتجسيد هذه العلاقة الجديدة‎".‎

تكمن اهمّية تصحيح طبيعة العلاقات بين المغرب واسبانيا في انّ الأخيرة اكتشفت ‏أخيرا ان ليس في مصلحتها افتعال عداء مع بلد لا تفصل بينها وبينه سوى ‏كيلومترات قليلة في البحر المتوسط. من هذا المنطلق، كان على مدريد، بعد سنة ‏من ارتكاب خطأ استقبال إبراهيم غالي، زعيم جبهة "بوليساريو" بجواز جزائري ‏لا يحمل اسمه، اصلاح هذا الخطأ‎.‎

لم تكتف اسبانيا بإصلاح الخطأ، بل قررت السير بعيدا في وضع الأسس لعلاقة ‏ثابتة مع المغرب، علاقة تقوم على أسس علميّة وعصريّة تستند الى خارطة طريق ‏واضحة المعالم من 16 نقطة‎.‎

ثمّة أسس تعكس أهمّية العلاقات التاريخيّة التي ربطت بين اسبانيا والمغرب. يعطي ‏فكرة عن هذه الأسس أنّه بعد شهر من تنازل والده خوان كارلوس عن العرش، ‏زار العاهل الإسباني الملك فيليبي المغرب. اختار فيليبي، قبل ثماني سنوات، ‏المغرب ليكون أوّل دولة عربية وإفريقية يذهب اليها منذ صعوده على العرش. يؤكّد ‏ذلك أن العلاقة المغربيّة - الاسبانيّة صمام أمان للبلدين،

صحيح أنّ اسبانيا ملكية دستورية وأن السياسة العامة للدولة، على الصعيدين ‏الداخلي والخارجي، تقرّرها الحكومة، لكنّ الصحيح أيضا أنّه يبقى للقصر الملكي ‏وزنه، وتبقى له كلمته، خصوصا عندما تخرج الحكومة عن الخط التقليدي للسياسة ‏الإسبانية المبنية على حدّ أدنى من التعقّل والتعامل الحضاري مع جيران المملكة. ‏وهذا ما حصل بالفعل، قبل عشرين عاما، عندما استفزّت اسبانيا المغرب وطوقت ‏جزيرة ليلى، التي هي على مرمى حجر من الشاطئ المغربي. فعلت ذلك بعدما ‏شاءت السلطات المغربية استخدام الجزيرة في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية ‏إلى أوروبا‎.‎

تبيّن بعد هذا الحادث، الذي أمكن وضع حدّ سريع له، أنّ العلاقات بين المملكتين ‏أعمق من أن يمسّ بها حادث عابر أو تصرّفات حكومة يمينية في مدريد. تأكّد الآن ‏عمق العلاقات في ضوء مجيء رئيس الوزراء الاسباني الى الرباط وتوجيهه قبل ‏ذلك رسالة إلى الملك محمّد السادس تؤكد "الوحدة الترابيّة" للمغرب واعتراف ‏اسبانيا بها، وهي وحدة تشمل الاقاليم الصحراويّة للمغرب. اختارت اسبانيا الشراكة ‏مع المغرب في الانتماء إلى المستقبل بكل ما في هذه العبارة من معنى‎.‎

تبدو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه التخلي عن اللغة الخشبية من نوع تلك المعتمدة ‏في الجزائر حيث نظام لم يخف تضايقه من التقارب المغربي – الاسباني ‏وانزعاجه منه. سارع النظام الجزائري إلى استدعاء سفيره في مدريد بدل ان ‏يسعى إلى الانضمام بدوره إلى ان يكون جزءا من التحولات الإيجابية في المنطقة ‏كلّها‎.‎

لم يترك البيان المشترك المغربي – الاسباني، الذي صدر بعد مقابلة بيدرو سانشيز ‏للملك محمّد السادس، أي نقطة تهمّ مستقبل العلاقة بين البلدين. تجاوزت اسبانيا كلّ ‏العقد التي كانت تعاني منها مع المغرب ودخلت في صلب كلّ موضوع يهمّ ‏الجانبين، بما في ذلك الهجرة. باختصار بنت زيارة رئيس الوزراء الاسباني ‏للرباط جسرا يربط البلدين بالمستقبل بعيدا عن المناكفات والحساسيات من نوع ‏الرهان على الخلافات بين دول المنطقة كما كانت تفعل اسبانيا في الماضي‎.‎

يستطيع النظام الجزائري البقاء في اسر اوهامه إلى ما لا نهاية، وهي أوهام كان ‏افضل ما عبّر عنها الشريط الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي والذي ظهر ‏فيه الرئيس عبد المجيد تبّون يحاضر بالفرنسية على وزير الخارجية الأميركي ‏انطوني بلينكن الذي جلس يستمع الى روايات لا علاقة لها بالواقع. من بين ‏الروايات التي خرج بها تبون تلك المتعلّقة بالعلاقات المغربيّة – الموريتانيّة ‏وتاريخها وحديثه عن "الوضع غير المستقر" في موريتانيا واتهامه المغرب باتباع ‏نزعة توسّعية، علما ان تاريخه الطويل يشهد ان كلّ ما سعى إليه دائما يتمثّل في ‏المحافظة على وحدته الترابية التي تشمل الأقاليم الصحراويّة التي كانت مستعمرة ‏اسبانيّة‎.‎

في العلاقة مع المغرب، تصالحت اسبانيا مع نفسها أخيرا. تصالحت مع الرغبة في ‏العمل من اجل مستقبل افضل على ضفتي المتوسط. متى يتصالح النظام الجزائري ‏مع نفسه ومع الضفّة الاوروبيّة للمتوسط؟ هل كثير ان يربط هذا النظام نفسه ويربط ‏الجزائر كلّها بالمستقبل بدل البقاء رهينة لعقد تجاوزها الزمن والاحداث الاقليميّة ‏والدوليّة وتجاوزها الشعب الجزائري نفسه؟