بكلمات مؤثرة وجهتها عبر " مستقبل ويب "، اختصرت السيدة وفاء شعيب - ابنة الطبيب الصيداوي والجراح اللبناني الدكتور وهبة شعيب ، معاناة زوجها الطبيب هشام الددا مع الإصابة بفيروس كورونا طيلة أكثر من عام ، وتوجهت بلسان حاله الى المعنيين بهذا القطاع بأن من حقه ان يسألوا عنه وعن كثر أمثاله ولو من باب الدعم المعنوي؟ او النفسي؟.. متسائلة "أليس من حقه أن يشعر أن أيام التعب والسهر على راحة المرضى ومواجهته لهذا الفيروس تستحق ولو سؤالاً من قبل من يجب عليهم السؤال؟!".
وقالت السيدة شعيب: هي تجربة شخصية عشتها كإبنة أحد أعرق الجراحين في لبنان ، والذي لم يلتفت اليه عند مرضه أحد وقد تعايشت مع هذا التجاهل لشخص وانجازات والدي شفاه الله لأنه وعائلته ليسوا ممن يسعون وراء التكريم والحمد لله قد أدى رسالته وتقاعد .أما الدافع لما سأسرده من وقائع ، فهو تسليط الضوء على معاناة طبيب آخر ، هو رفيق دربي وبطل من الأبطال الذين استحقوا عن جدارة لقب "الجنود البيض" في مواجهة فيروس كورونا !.".
واضافت" في شهر كانون الثاني 2021 ، أصيب زوجي- الذي عرف عنه حبه للناس ومساعدته للمرضى وأنه " طبيب الفقراء" - بفيروس كورونا رغم التزامه بالإحتياطات الصحية في مواجهة هذا الوباء، ولسوء الحظ كانت اصابته قبل شهر واحد من وصول اللقاح الى لبنان. وفي 17 كانون الثاني من ذلك العام بدأت رحلتنا مع إصابة زوجي الدكتور هشام الددا بالفيروس في احدى مستشفيات صيدا ، ومن ثم تم نقله في 28 شباط من العام نفسه الى احدى مستشفيات بيروت حيث وضع على جهاز التنفس الصناعي لمدة 9 أيام بعد تدهور وضعه الصحي. وبفضل الله ، وبفضل الفريق الطبي والتمريضي تحسن وضعه وخرج من المستشفى في 17 حزيران، وقمنا بتسديد القسم الأكبر من فاتورته الطبية على نفقتنا الخاصة لأن شركة التأمين المعنية لم تغط أكثر من 10% من قيمة الفاتورة ، علماً أنه مؤمن درجة أولى مع احدى الشركات المتعاقدة مع النقابة منذ العام 2002 لحماية حقوقه كطبيب، وضمن عقد لم يذكر فيه عند توقيعه عدم تغطية علاج الإصابة بفيروس كورونا كون هذا الوباء لم يكن منتشرا في ذلك الحين!..".
وتابعت " بعد خروجه من المستشفى ، بدأت رحلة جديدة من التعايش مع الحياة على جهاز الأوكسجين 24/24 ساعة في بلد لا تتوافر فيه الكهرباء ، ومع عناية تمريضية في المنزل 24/24 ساعة وبرنامج علاج فيزيائي يومي. وحتى تاريخ كتابة هذه الوقائع، لا يزال هذا الطبيب غير قادر على ممارسة مهنته ، وهو يحاول تدريجيا التخفيف من استخدام جهاز الأوكسجين ، ولكن للأسف الضرر الكبير الذي تسبب به الفيروس في احدى الرئتين لن يسمح له بمعاودة نشاطه كما كان قبل الإصابة رغم أنه لا يزال في الخمسين من عمره، وهو رياضي بامتياز، وغير مصاب بأي مرض مزمن، ولكن هذا هو كورونا! . المهم في الموضوع أننا في هذه الفترة كعائلة لهذا الطبيب وأنا كزوجته لم نتلق أي دعم معنوي أو حتى سؤال عن حالة زوجي من قبل شركة التأمين المعنية أو نقابة الأطباء التي يفترض ان من واجبها حماية الأطباء لا بل وتكريم من أصيب ورحل عنا أو بقي بيننا!".
وقالت شعيب "موضوع النقاش هنا السؤال الذي يطرح نفسه : كم من طبيب ومن غير الأطباء ومنهم أصدقاء لنا فارقوا الحياة بسبب هذا المرض ولم يتلقوا العناية الطبية لعدم قدرتهم على العلاج في المستشفيات على نفقتهم الخاصة ومنهم من كانوا مع زوجي في غرف مجاورة لغرفته وغادروا إلى مستشفيات أخرى أو إلى منازلهم حيث وافتهم المنية!. ونسأل : في بلد كلبنان ، الطبيب الذي يدفع متوجباته للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في مواعيدها ، والذي يدفع مستحقات نقابة الأطباء تحت سقف تغطية تأمين النقابة منذ العام 2002 ، ألا يستحق أن يُسأل عنه ولو من باب الدعم المعنوي؟ او النفسي؟.. أليس من حقه أن يشعر أن أيام التعب والسهر على راحة المرضى ومواجهته لهذا الفيروس تستحق ولو سؤالاً من قبل من يجب عليهم السؤال؟!. والأسوأ من ذلك ، هو حرمان زوجي من الاستمرار بالاستفادة من "تعويض طبيب ذو اعاقة مؤقتة" حيث تم وقف هذا التعويض بسبب عدم تجديد تقرير الطبيب المعالج! .".
واضافت" أليس من الواجب على المعنيين بهذا الأمر التواصل مع عائلة الطبيب قبل حرمانه من أبسط حقوقه؟! و لولا وجود من نعرفه في النقابة أو ما يعرف بـ"الواسطة" لكان الوضع أسوأ من ذلك بكثير !.نعم ، فالطبيب في لبنان ليس بحاجة فقط للمال! الطبيب في لبنان بحاجة للدعم المعنوي وللأمان! .صحيح أننا والحمد لله استطعنا وان شاء الله سوف نكمل العلاج والطريق الطويل الى أن يستطع زوجي معاودة ممارسة مهنة الطب! ولكن ماذا يفعل الطبيب المعيل لعائلته؟ ، من يدعم من ليس له سند؟ ، من يعوض نفسياً على هذا المصاب؟ ، أليس العلاج النفسي ضرورياً لكل مصاب تزامناً مع العلاج الطبي؟!. وسؤالي هنا : من يحمي الطبيب في لبنان ؟ ومن ومن ؟! .. الضمان؟ .. شركة التأمين؟.. نقابة الأطباء؟!.. وزارة الصحة؟... من يؤمن الأمان والإستقرار النفسي لطبيب عانى ما عاناه ولا يزال يعاني، وهذا الدعم النفسي هو أقل ما يستحق!.".
وتابعت " وأنا أكتب كلماتي هذه ، قد يئست من أي تحسن في القطاع الطبي في لبنان!. وأصبحت أفكر جدياً بنقل عائلتي إلى بلد آخر حيث أستطيع النوم وأنا على ثقة أن غدي وغد أولادي أفضل..!. لقد راودتنا سابقاً فكرة الإنتقال عام ٢٠١١ وبعد حصولنا كعائلة على تأشيرة الهجرة إلى كندا حيث يحترم الإنسان كإنسان ، لكن حبنا لوطننا وتعلقنا به وإصرار زوجي على البقاء في صيدا لمتابعة واجبه الطبي فيها جعلنا نصرف النظر حينها عن هذه الفكرة ، وها نحن ندفع ثمن ذلك الآن حيث لا حياة لمن تنادي ولا سؤال عن مريض!. لقد قررت كتابة هذه الكلمات بعد التشاور مع زوجي المتعب نفسياً تماماً كحالي ، لأن كورونا لا تدمر المصاب فحسب بل تدمر جميع المحيطين به! .. كتبتها كما قال زوجي: "فشة خلق، ليعرفوا إني موجوع!.. ما بدي شي من حدا ، بس حقي يسألوا عني وعن كتير متلي، أنا زعلان لأن بالوقت اللي عالجت كتير مرضى جسدياً لما كنت بصحتي ، ما لقيت مين يعوضلي وجعي النفسي وأنا مريض! ".
وخلصت شعيب للقول " أكتب هذه الكلمات لأضعها في متناول وبرسم المسؤولين عن تحصيل حقوق الأطباء في وطن هجرته أقوى الكوادر الطبية!.. فارحموا من تبقى في هذا البلد! ، أخيراً أعود وأقول : السؤال والمواساة لمن يستحق هو أقل واجب عند الحاجة.. علمتني التجربة الصعبة التي عشتها عام 2021 أن حظوظ البقاء على قيد الحياة في هذا البلد هي لمن يستطع الصمود ليس أكثر!.. ، فداووا ما تبقى من وجعنا وألمنا النفسي قبل الوصول إلى ما لا عودة عنه !".
رأفت نعيم