كتبت صحيفة "النهار" تقول: قد تكون من غرائب مرحلة المتغيرات السياسية الداخلية التي بدأت غداة الانتخابات النيابية، ان تنتهي الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في اليومين الأخيرين، الى رسم ميزان قوى سلبي لجهة اتساع حجم الكتل والنواب “المدبرين” او المتحفظين او الرافضين المشاركة في الحكومة العتيدة فيما تتحدد رقعة القوى الراغبة في المشاركة ببيئة 8 اذار حصراً زائد بعض المستقلين فقط !
بطبيعة الحال، ان الطابع غير الملزم لهذه الاستشارات لن يجعل مهمة الرئيس المكلف كأنها حددت سلفا باطار سياسي يغلب عليه طابع احادي لا يمكن ميقاتي ان يسلم به ان أراد لآخر حكومات العهد العوني ان تبحر بقدر ادنى من ضمان المرحلة الانتقالية الى نهاية العهد من دون خضات كبيرة. ومع ذلك بدا صعبا القفز فوق الحصيلة السلبية لجهة عدم المشاركة التي تجمعت من مواقف معظم الكتل الاثنين والثلثاء، بما يعقّد واقعيا المسعى الى استعجال استيلاد الحكومة وعدم توقع اختراق سريع في التأليف خلافا لما توحي به انطباعات القوى الدافعة نحو المشاركة في الحكومة. وإذ بدا واضحاً ان المشروع الذي لا يزال يتقدم كل الخيارات المطروحة امام الرئيس المكلف يبقى في تعديل جزئي لحقائب وزارية معدودة في حكومة تصريف الاعمال، فان الكلام “حمال الأوجه” الذي اطلقه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عقب لقاء “تكتل لبنان القوي” وميقاتي امس في مجلس النواب، ابقى زاوية التعديل الوزاري، كما مشاركة “التيار” عند نقطة “النصف فتحة” بما يوحي بخياري التصادم والتسوية سواء بسواء. وفي حال الشروع في الاخذ والرد لجهة التعديل الذي يتردد انه يطاول اول من يطاول وزير الطاقة، وربما أيضا وزير الخارجية، فان الامر سيغدو مفتوحا على احتمال ذهاب عملية التاليف في اتجاه مغاير عن كل ما يساق من معطيات حاليا. كما ان ثمة اوساطا سياسية تؤكد ان الأيام القليلة المقبلة ستشهد تكثيفا للاتصالات والمشاورات التي سيجريها الرئيس المكلف قبل ان ينصرف الى وضع مسودة لتشكيلة حكومية لن يتاخر في إنجازها ابعد من الأسبوع المقبل. ولذا تعتقد هذه الأوساط ان امر بت المشهد الحكومي لن يقع في التطويل المعتاد خلال عمليات تاليف الحكومات سابقا لان الظرف الحالي مختلف اختلافا جذريا عن الحقبات السابقة وميقاتي يظهر في كلامه امام الجميع انه ليس في وارد التسليم لاي استنزاف عبر الوقت، فإما تشكيلة حكومية جديدة او معدّلة في اقرب وقت، او الإفصاح علنا امام الرأي العام بموجبات بقاء تصريف الاعمال وتحميل المعرقلين المسؤولية.
اذا بعد انتهاء الاستشارات على مدى يومين، تبين من خلال جردة عامة لمواقف الكتل النيابية ان الراغبين في المشاركة في الحكومة ينحصرون بالثنائي “امل” و”حزب الله” وكتلة “الاعتدال الوطني” والطاشناق. اما “المردة” فلم يبدِ رغبة، وربط مشاركته بشكل الحكومة. وفي المقابل اتسعت رقعة الكتل والنواب غير الراغبين في المشاركة وشملت كل القوى المعارضة والتغييرية وعدد كبير من المستقلين.
ولم يسقط كلام مفاجئ لرئيس الجمهورية ميشال عون عن القضاء بردا وسلاما على داعمي تأليف الحكومة بسرعة، اذ بدا كأنه تمهيد لاقحام مسألة ملاحقة حاكم مصرف لبنان في اتون عملية تأليف الحكومة بما قد يشكل عامل تباين إضافي لدى طرح جملة الشروط بين عون وميقاتي حين يقدم الأخير مشروع تشكيلته الحكومية. وقال عون في تغريدة انه “أقسم وحيدا يمين الاخلاص للدستور والامة وقوانينها”، وشدد على الفصل بين السلطات وتعاونها وليس هيمنة سلطة على أخرى، وقال: “أقسمت وحيدا يمين الاخلاص لدستور الأمة اللبنانية وقوانينها، ومن أركان نظامنا الدستوري الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وليس هيمنة سلطة على سلطة. على القضاء أن يستحق استقلاله لا أن يستجديه، وعليه المساءلة حيث يلزم، لا أن يتقاذف مسؤولية الادعاء ارتهانا لسلطة أخرى أو استنكافا”.
“سنشكل حكومة”
وتشير المعلومات ان ميقاتي سيزور في اليومين المقبلين وعلى الارجح يوم الجمعة المقبل قصر بعبدا لاطلاع الرئيس عون على حصيلة مشاوراته النيابية والاطلاع على رؤيته للملف قبل الشروع في وضع الخطوط العريضة لتشكيلته العتيدة. وبعد انتهاء الاستشارات، قال ميقاتي “استمعت الى سعادة النواب واستأنست بارائهم وسنأخذ بقسم كبير من الحديث الذي قيل، والأهم أننا جميعا نعرف الوضع السائد في البلد، ونعرف أن النصائح والاراء التي أعطيت خلال المناقشات تصب في المصلحة الوطنية، ولو من زوايا مختلفة”. اضاف “في النهاية المصلحة الوطنية ستتغلب على كل شيء، وسنشكل باذن الله حكومة تستطيع أن تقوم بواجبها، وتستكمل ما بدأته حكومتنا الماضية، بخاصة مع صندوق النقد الدولي وفي ما يتعلق بخطة الكهرباء وملف ترسيم الحدود البحرية. هذا كان مجمل المناقشات وان شاء الله ترى الامور النور بطريقة سليمة”.
وبدا لافتاً ان “تكتل لبنان القوي” لم يقفل الباب امام المشاركة في الحكومة، ففيما أكد رئيسه النائب جبران باسيل أن “لا رغبة للتيار بالمشاركة بالحكومة”، قال “لم نجتمع بعد لاتخاذ القرار النهائي في هذا الشأن”. واشار الى “اننا تحدثنا مع الرئيس ميقاتي عن مشكلة حقيقية رأيناها بميثاقية التكليف ولكننا تخطينا هذه المشكلة في ظل الوضع في البلد كما تحدثنا بكل صراحة مع الرئيس ميقاتي عن الجرصة في ملف حاكمية مصرف لبنان وعن الحدود البحرية وهو موضوع داهم على لبنان وفي حال لم تنجح الأمور علينا الذهاب نحو الخط 29 بشكل نهائي في حال وصلنا إلى طريق مسدود”. وشدد على انه “لم يتقدّم بأي مطلب أو شرط أو إسم على عكس ما تورده وسائل الإعلام، ولفت إلى انه تمنى على ميقاتي أن تحصل مداورة شاملة أو جزئية وألا تكون الحقيبة بحيازة أي فريق سياسي أو طائفة معيّنة. وفي ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، قال باسيل “نحن نرفض الفراغ الرئاسي وسنقوم بكل ما يلزم لمنع حصوله وعلى الجميع أن يعمل على أساس ذلك”.
كما ان النائب أغوب بقردونيان اعلن ان الطاشناق سيشارك في الحكومة “وسنعطي الثقة على أساس شكل وبرنامج الحكومة وقد يعود بعض الوزراء من الحكومات السابقة ولا أرغب الدخول بالأسماء. قد تكون حكومة مرمّمة أو معدلة لكن المهم أن تكون لدينا حكومة”.
ملف الترسيم
على صعيد آخر، ومع تحرّك ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل ايجابا في الساعات الماضية، اعلن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ان “بيان وزارة الخارجية الأميركية عن المحادثات التي أجراها اموس هوكشتاين مع الاسرائيليين بملف ترسيم الحدود البحرية والتي وصفها بالمثمرة امر ايجابي ونقدّر تعهد الادارة الاميركية بالتواصل في الأيام المقبلة الذي نأمل منه ان يؤدي لاستئناف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة”. وأفادت معلومات ان اتّصالا مطوّلا اجري امس بين الموفد الأميركي آموس هوكشتاين وبو صعب تناول آخر مستجدات ملف ترسيم الحدود البحرية.
النهار