ليس صحيحاً أن اللبناني دائماً «بيجي واقف وين ما زتّيتو». الترهّل الذي يضرب مختلف مناحي حياتنا يجعل «الأغنية» التي طالما رددناها حول البلد الذي «صدّر الأبجدية إلى العالم» بلا معنى. وهو ترهّل بات يهدّد جدياً النظام التربوي الخاضع لسلطة نظام سياسي طائفي يحول دون أي إصلاح جدي، يبدو شديد الالحاح بعد النتائج غير المطمئنة التي يحقّقها الطلاب اللبنانيون في الاختبارات الدولية. آخر هذه النتائج الباهتة كشف عنها اختبار TIMSS الدولي الذي أظهر تأخراً شديداً للتلامذة اللبنانيين في مادتي الرياضيات والعلوم. نتائج تقرع جرس الانذار من أجل القيام بخطوات اصلاحية جدية في المناهج وطرائق التعليم، حتى لا تبقى «العبقرية اللبنانية» مجرد أسطورة نتغنّى بها.
في آب الماضي، أصدر «المنتدى الاقتصادي العالمي» تقريراً حلّ فيه لبنان في المركز الأول عربياً والرابع عالمياً لناحية جودة تعليم الرياضيات والعلوم. يومها، هلّل كثيرون للتقرير الذي شكّك المركز التربوي للبحوث والإنماء في صدقيته، كونه لا يتمتع بمعايير الاختبارات الدولية. وهذا ما بيّنته بالفعل النتائج الباهتة التي حقّقها التلامذة اللبنانيون في اختبار TIMSS (الاتجاهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم). فقد نشر المركز ، أخيراً، ملخصاً بالعربية لنتائج الاختبار لعام 2015 (يجري كل أربع سنوات)، وتقريراً مفصلاً بالإنكليزية أظهر معطيات غير مطمئنة البتّة. ففي الرياضيّات، حلّ لبنان في المرتبة الـ27 من بين 39 دولة شاركت على مستوى صفّ «الثامن أساسي»، والمرتبة الثالثة عربياً من بين 10 دول عربية مشاركة في الاختبار. أما في العلوم، فكانت الصورة أكثر قتامة، إذ أحرز المرتبة 34 من 39، والسابعة عربياً من بين الدول العشر. ولو تمت المشاركة على مستوى صفّ «الرابع أساسي»، على غرار الدول الستين المشاركة، لكانت النتيجة، ربما، أكثر كارثية!
تفاوت مع الامتحانات الرسمية
عام 2015، كانت المشاركة الرابعة للبنان في هذا الاختبار الدولي بـ 3873 تلميذاً وتلميذة من 48 مدرسة رسمية (1283 تلميذاً/ة) و90 مدرسة خاصة (2590 تلميذاً/ة). وبيّنت النتائج أنّ معدل تحصيل التلامذة اللبنانيين في الرياضيات بلغ 442 نقطة، أي أدنى من المعدل الدولي الوسطي (505 نقاط)، وأدنى من معدل TIMSS نفسه (500 نقطة). الأكثر إثارة للقلق أنّ المعدل في 2015 انخفض عن الدورات السابقة (433 عام 2003، و449 في 2007 و2011). وتظهر الفجوة بوضوح لدى المقارنة مع معدلات دول كسنغافورة (621 نقطة)، وكوريا (606)، الصين – تايبه (599)، الكيان الإسرائيلي الغاصب (511). وفي العلوم، تراجع معدل التلامذة اللبنانيين من 406 نقاط إلى 398، وهو أدنى بأشواط من المعدل الوسطي (486)، علماً بأنّه وصل إلى 414 نقطة عام 2007.
واللافت أكثر أنّ أيّاً من التلامذة اللبنانيين لم يحقق معدل المعيار الدولي المتقدم (625 نقطة) في الرياضيات، أي انه ليس لدى أي من هؤلاء القدرة على التطبيق والتفكير والتعليل منطقياً في وضعيات لمشكلات مختلفة. وتبيّن أن 8 في المئة فقط (310 تلامذة) من الطلاب اللبنانيين يمكنهم تطبيق المعرفة والفهم في وضعيات معقّدة نسبياً، فيما تجاوز 35% المعيار المتوسط (475 نقطة)، أي أنّ هؤلاء يمتلكون القدرة على تطبيق المعارف الرياضية الأساسية في وضعيات مختلفة. وتجاوز 73% المعيار المنخفض (400 نقطة)، ونال 27% أقل من 400 نقطة (وهذا يعني أنّ هؤلاء يملكون «بعض المعارف» بشأن الأرقام الكلية والرسوم البيانية الأساسية).
لقراءة المزيد.. انقر هنا