أخبار لبنان

عن "ميّاس" .. و"الفراغ القوي"!

تم النشر في 16 أيلول 2022 | 00:00



كتب جورج بكاسيني





التاريخ مليء بالثنائيات، التي لم يكن "الخير والشر" أوّلها ولا آخرها. أما "الثنائيات" اللبنانية فتكاد تفوق ما عداها حدّة وفظاظة، كأن يجتمع الإبداع والإنهيار تحت سقف واحد.

لم يتوقّع اللبنانيون أن تنقلهم فرقة راقصة الى فضاء مشحون بفائض من الجمال، في ذروة انزلاقهم الى ما تجاوز"جحيم دانتي " بطوابقه المتناسلة.

من دون مقدمات ، كسرت فرقة "ميّاس" رتابة الإكتئاب اللبناني، كما لو أنها ضوء في نهاية نفق.. كما فضحت العجز السياسي عن ابداع فكرة أو حلّ ولو لواحدة من عشرات الأزمات المتعاقبة. هي كشفت النقاب عن هوّة سحيقة بين لبنانين : لبنان السياسي ولبنان الثقافي. الأول ولّاد للأزمات والمآسي، والثاني منصّة للجمال. كم صار الفارق كبيراً بين الإثنين!

لبنان الأول غارق في سجالات حول "جنس" الرئيس العتيد للجمهورية، في ظلّ "مرشّح قوي" وحيد: الفراغ . كلّ يريد نفسه، حتى إذا مالت "الدفّة" إلى آخر صار الفراغ المرشح الأقوى. معظم الكتل النيابية تتساجل حول كيفية إدارة الفراغ : بواسطة حكومة مستقيلة أو كاملة الصلاحيات. أما موعد انتخاب الرئيس فينتظر توافقاً مفقوداً ومحرّماً، أو عصا خارجية غير مطابقة لـ"مواصفات" السيادة والإصلاح والتغيير.

يتجاهل معظم الناخبين، عن سابق تصوّر وتصميم، نسبة الأكثرية المطلوبة( أكثرية الثلثين) المنصوص عنها في الدستور لانتخاب رئيس، وهي تفترض توافقات أو تفاهمات أو تسويات تحت طائلة الفراغ، لأن غالبية الكتل النيابية، ألقت الحُرم على ما يُسمّى "التوافق" كما جاء في ميثاقنا الوطني وفي الدستور.

أصبح الحديث عن توافق بين طرفين أو أكثر "جُرماً" تعاقب عليه قوانين الشعبوية اللبنانية. هذا هو سرّ اجماع التقديرات السياسية على وصولنا المحتّم الى الفراغ.

فلول المعارضة (مع أنها تُسمّي نفسها أكثرية) لم تتفق على اسم تدعمه للرئاسة رغم ترويجها لشعار "استحقاق رئاسي مفصلي" ( بعد كساد شعار الانتخابات النيابية "المفصلية").

وفلول الممانعة وحلفائها غائبة عن "سمع" هذا الاستحقاق رغم أنها الطرف الحاسم فيه. أما جوقة "التغيير" فلم تترك كتلة نيابية اتّهمتها بالفساد وبإيصال لبنان الى قعر الإنهيار( كلّن يعني كلّن) إلا وتواصلت معها في السرّ أو في العلن، تماماً كما يفعل معظم المرشّحين للرئاسة الذين يجترّون لازمة "السيادة" نهاراً، ويتسلّلون فرادى وجماعات الى حارة حريك ليلاً.

سقطت الجمهورية بالضربة القاضية بين أيدي مجموعة من الرعاع خطفوا أنفاسها حتى الرمق الأخير. كلّهم يدّعون الإنهماك بالإستحقاق الرئاسي وعينهم على الفراغ. لم يعد الإنهيار همّاً أو مأساة تستحقّ الجهد أو السعي لإنقاذ ما تبقى.

تناوبوا على رجم ما سمّوه "الاقتصاد الريعي" وهم يتسابقون في التعويل على اقتصاد ريعي أكبر: النفط والغاز.

أما لبنان الثاني (الثقافي) الذي استعاد الروح مع فرقة "ميّاس" ، وقبلها منتخب كرة السّلة، فلم يسلم الروح، لأنه زاخر بمخزون لا ينضب، وبثقافة قامت على الكفاءة لا على "صحة التمثيل" أو "المحاصصة"، وبقامات بوزن البساتنة وصولاً الى الرحابنة لا بجمهورية عمر حرفوش .. وما أكثر "الحرافشة" في هذه الأيام .