أخبار لبنان

المصالحة أنجزت في 2001... ونقطة على السطر

تم النشر في 22 آذار 2019 | 00:00

الحرب اللبنانية انتهت عام 1990 وأزيلت معها أكياس الرمل والحواجز العسكرية بين المناطق، لكنّ الحواجز النفسية بين اللبنانيين استمرت الى أن أُزيلت في مصالحتي الجبل والاستقلال الثاني.


العودة الى جبل لبنان الجنوبي تمّت على مراحل بعد 1990، وإذا لم تكتمل فصولاً حتى الآن فليس بسبب اعتبارات سياسية، كما يحاول البعض ان يصوِّر زوراً، بل بفعل الأوضاع الاجتماعية التي جعلت المُهجّر يتأقلم في المنطقة التي تهجّر إليها، كذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية التي لا تسمح بتحمّل تكاليف منزلين في آن معاً.


وعلى رغم ما تحقق من عودة ومصالحات بين عامي 1990 و2000 واستعادة قرى الجبل التفاعل المسيحي - الدرزي، إلّا انّ العامل النفسي المسيحي بقي على غير ما يرام بسبب مواقف رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط التي كانت وما زالت تشكل امتداداً للحرب اللبنانية، الى ان انسحب الجيش الإسرائيلي ورحل الرئيس السوري حافظ الأسد وأجريت انتخابات العام 2000 التي أشّرت الى بداية استدارة جنبلاطية توجّت بمصالحة الجبل في آب 2001.


وقد حملت المصالحة اكثر من رسالة في اكثر من اتجاه: رسالة إلى المسيحيين بطي الصفحة الخلافية السياسية مع الخط السياسي التاريخي المسيحي اللبناني، ورسالة إلى السوريين فحواها انّ مجرد الانفتاح على هذا الخط يعني انّ جنبلاط لا يكتفي باستدارة في الموقف السياسي، بل انتقل إلى الترجمة العملية بالتقاطع مع خصوم النظام السوري التاريخيين، ورسالة الى حليفيه الرئيس نبيه بري والشهيد رفيق الحريري انه بدأ تموضعاً وطنياً جديداً، ورسالة إلى القوى السيادية على اختلافها، وفي طليعتها بكركي ومكونات لقاء "قرنة شهوان"، مفادها انه معها في معركتها لإخراج الجيش السوري من لبنان.


وهذه الرسائل وغيرها، والتي تندرج ضمن التوجه الوطني العريض، أدّت إلى طي الصفحة الماضية بدءاً من العام 1841 و1860 وصولاً الى العام 1983، وفتحت صفحة بيضاء مشرقة.


ويسجّل لجنبلاط جرأته السياسية وإقدامه في ذاك الوقت، خصوصاً أن مصالحة الجبل من ضمن العوامل المؤسسة لانتفاضة الاستقلال، ولا يمكن حصرها بعامل واحد على أهميته وهو العودة السياسية إلى الجبل في موازاة العودة المادية. ومعلوم ان لا مصالحة حقيقية إذا لم تكن سياسية، وهذا ما حصل من خلال التقارب السياسي في العناوين والمبادئ والأهداف، وجنبلاط ما بعد المصالحة هو غير جنبلاط ما قبلها، إذ على رغم من استداراته المعهودة تمسّك باستمرار بالمصالحة واستراتيجيتها.


وما حصل في مصالحة الجبل انسحب على مصالحة 14 آذار في ساحة الحرية التي جمعت للمرة الأولى منذ عقود الوجدانين المسيحي والسني إلى جانب، طبعاً، الوجدان الدرزي والشريحة المدنية التي تتطلع إلى دولة فعلية وطبيعية.


فأهمية المصالحة الأولى والثانية تكمن في إقفالهما النزاع على خلفية طائفية، وهذا النزاع بالذات الذي كان يعمل النظام السوري على تغذيته انطلاقاً من الحساسية المارونية - الدرزية التاريخية والمارونية - السنية، وذلك بغية إبقاء عوامل النزاع والتفجير قائمة تبريراً لاستمرار وجوده في لبنان.


ويمكن القول وبراحة ضمير ان كل المسار الذي بدأ مع الانسحاب الإسرائيلي ورحيل الأسد وبيان بكركي الأيلولي الأول عام 2000، مروراً بتأسيس لقاء "قرنة شهوان" ومصالحة الجبل ولقاءات البريستول، وصولاً إلى انتفاضة الاستقلال كان "التيار الوطني الحر" خارج كل هذا المسار، فهو دخل إلى القرنة التمهيدية وخرج مع الإعلان الرسمي للقاء، وشارك في لقاءات البريستول قبل ان ينسحب مجدداً، وأعلن رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل رسمياً و"بعضمة لسانه" ومنذ أيام أنّ 14 آذار الحقيقي هو 14 آذار 1989، ما يعني أن لا علاقة له بـ14 آذار 2005 الذي أخرج الجيش السوري من لبنان، فيما الذكرى السابقة أسّست لاحتلال دام 15 عاماً.


ولأنّ مصالحة الجبل تأسست على صخرة بكركي، ومصالحة الاستقلال تأسست على دم الشهيد رفيق الحريري، فإن كل محاولات "التيار الوطني الحر" إحياء الاشتباك المسيحي-الدرزي والمسيحي-السني لم تفلح، فلا الكلام عن أجراس الكنائس المخبّأة في المختارة فعل فعله، ولا الكلام التحريضي ضد الدروز والسنة فعل فعله، بل اضطر التيار، لظروف الانتخابات الرئاسية، ان ينتقل إلى الوسط ويتصالح مع "القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل" و"الحزب الإشتراكي".





ويستطيع وزير المهجرين غسان عطالله ان يضع العنوان الذي يريده لقداس سيدة التلة في دير القمر السبت المقبل، ويستطيع ان يقول ما يشاء هو وغيره عن "تكريس مصالحة الجبل والمصافحة بين الأقوياء وبناء الشراكة" وإلى آخر هذه المعزوفة التي خاض فريقه الانتخابات على أساسها، إلّا انّ الحقيقة على الأرض مختلفة تماماً وهي انّ المصالحة تمّت وأنجزت في آب 2001 برعاية الكنيسة المارونية ولقاء "قرنة شهوان"، الذي يضم الشخصيات السيادية والأحزاب المسيحية التاريخية وفي طليعتها "القوات اللبنانية" التي تملك أوسع حيثية مسيحية في الجبل، وهي و"الإشتراكي" تقاتلا في سياق الحروب اللبنانية وتصالحا، و"القوات" غطّت بمشاركتها الكثيفة مصالحة العام 2001، علماً انّ "القوات" لا تتحمل اي مسؤولية عن اندلاع الحرب، بل قيامها كان نتيجة لاندلاع هذه الحرب.


لقراءة النص كاملاً اضغط هنا.