استخدم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مواقفه العلنية خلال زيارته إلى لبنان، لغة ترامبية بحتة. وتشبه اللغة الترامبية، التي تهدد وترعد وتصعّد، إلى حدّ بعيد، اللغة العونية في الأدبيات السياسية اللبنانية.
في مضامين اللقاءات الخاصة التي عقدها الوزير الأميركي، تؤكد المعلومات أنها كانت مخالفة كلياً لمضمون كلمته المكتوبة، والتي قرأها في وزارة الخارجية اللبنانية.
عون وباسيل كترامب وبومبيو
جاء دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية من خارج السيستم، كما جاء ميشال عون إلى الرئاسة اللبنانية أيضاً من خارج السيستم، بل ومن معارضته لاتفاق الطائف، وخطابه المناوئ بوجه كل القوى. وغالباً ما كان التصعيد عنده وسيلة للوصول إلى الأهداف أو لتحقيق غايات سياسية.
السياق الكلامي التصعيدي الذي استخدمه ترامب في حملته الإنتخابية، والتغيير الجوهري في مضمونه بعد وصوله، إلى جانب تصعيده ضد القوى الخارجية، وعلى رأسها كوريا الشمالية، سرعان ما تبدد، فكانت اللقاءات المعقودة مع الرئيس الكوري الشمالي بالذات. في المقابل، لطالما لجأ التيار الوطني الحرّ إلى لغة تصعيدية ضد الخصوم والحلفاء في لبنان، للوصول إلى تحقيق غايات سياسية. وهذا الأسلوب نجح إلى حدّ بعيد مع "تيار المستقبل".
المقصود من الإشارة إلى أوجه التشابه بين النموذجين، يهدف إلى الوصول لخلاصة أن النموذجين يعرفان بعضهما البعض، وبالتالي عرف عون جيداً كيف يردّ على التصعيد الأميركي بتصرّف تصعيدي من قبله، سواء في الموقف السياسي أو حتى في الإجراء البروتوكولي. بينما وزير الخارجية جبران باسيل، يعرف ذلك أيضاً، فكان له موقف لافت حول المزج ما بين التناقضات والرهان على تعاون روسي أميركي في لبنان، لا سيما حول الملف النفطي. هذا الموقف يدلّ إلى أنه لا يمكن انتظار صراع روسي أميركي في لبنان والمنطقة، وأن الصراع المفتوح مع الإيرانيين لن يستمر، بل يهدف للوصول إلى تسوية.
تاريخ لا يتكرر
لذلك لا يمكن الوقوف عند شكليات الزيارة، والكلام التصعيدي الذي تخللها، خصوصاً أن الجلسات الخاصة حفلت فقط بالكلام العادي، بما يخالف تماماً التصعيد الذي قيل في العلن. ما يعني أنه لن يكون هناك أي تصعيد أميركي في المرحلة المقبلة، من خارج السياق السائد، أو عبر إجراءات سياسية جديدة، الأساس فقط يتعلق في استمرار مسار العقوبات، وإمكانية اتساع مروحتها.
الإختلاف الشكلي في اللقاء وفي المضمون السياسي بين عون وبومبيو، لا يبدو أنه سيؤدي إلى خطوات تصعيدية وفق بعض التقديرات، إذ أن الأميركيين ليس لديهم أي خيار سياسي في لبنان، بخلاف كل الاجواء التي يتم إشاعتها. وهنا بالتحديد لا بد من الإشارة إلى رمزية النموذجين بوصفهما خارج السيستم.
في الإشتباك الأول والأساسي بين عون والأميركيين في العام 1988، كانت النتائج كارثية. لكن الاصطدام اليوم شكلاً ومضموناً لن يؤدي إلى أي تغيير. عندما كان عون رئيساً للحكومة العسكرية، وبعيد اعتراف الأميركيين بالطائف وبرينيه معوض رئيساً للجمهورية، عمل عون على تنظيم تظاهرات وتحركات، دفعت إلى محاصرة السفارة الأميركية في لبنان، ما اضطر الأميركيين إلى إجلاء السفارة عبر المروحيات باتجاه قبرص. وتداعيات ذلك كانت كارثية، إذ اشترك حافظ الأسد بحرب تحرير الكويت ضد العراق، وحصل على ضوء أخضر أميركي لإخراج عون من بعبدا.
معاقبة اقتصادية
على الرغم من اعتبار بعض الأطراف بأن هذه التجربة قد تتكرر، إلا أن الوقائع تشير إلى خلاف ذلك، إذ تؤكد مصادر المجتمعين مع بومبيو، بأنه لم يقدّم أي رؤية أميركية لمواجهة سياسية، بل فقط استخدم الكلام الأميركي المتكرر حيال إيران وحزب الله، وهذا يعني عدم وجود خطة تمهّد لأي خطوة، باستثناء استمرار العقوبات واتساع مروحتها. وحسب المعلومات، فإن العقوبات ستطال شخصيات وكيانات في محيط حزب الله.
جلّ التخوف اللبناني من السياسة الأميركية يتلخص بفقدان شبكة الأمان في البلاد، ما قد ينعكس على الوضع الاقتصادي والمالي، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن الأميركيين يضغطون على اللبنانيين في ملفات عديدة، أبرزها ملف اللاجئين وملف سيدر، ووجوب اتخاذ موقف من حزب الله وإيران. وبحال عدم إظهار هذا الموقف فإن الضغط سيستمر على الدول المانحة، لعدم تقديم مساعدات للبنان، مع تلميح بإمكانية التعاطي مع الدولة اللبنانية وكأنها جزء من حزب الله، تماماً كما أراد اللبنانيون اعتبار الحزب حزباً لبنانياً، ما قد ينعكس على المساعدات المقدمة لمؤسسات الدولة.
أصدقاء حزب الله.. والمصارف
وحسب المصادر، لا بد من انتظار انعكاس القرارات الأميركية، التي تتعلق بموضوعين، الأول هو عقوبات جديدة قد تطال العديد من الشخصيات، ومروحة واسعة من الكيانات، بينها حلفاء لحزب الله. والثاني، هو كيفية التعاطي مع القطاع المصرفي اللبناني. إذ تشير المعلومات إلى أنه سيكون هناك تشدد في التعامل مع المصارف اللبنانية. لكن هذا كله لن يؤدي إلى أي تغيير سياسي، خصوصاً أن السياق الأميركي في التعاطي مع ملفات المنطقة، لا يخدم سوى وجهة النظر الإيرانية بشكل أو بآخر. فعندما يحضر بومبيو ويعلن من لبنان دعمه لإسرائيل، ويأتي بالتزامن مع القرار الأميركي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، من شأنه أن يعزز موقف حزب الله وإيران، ضد هذه الهجمة الأميركية المتماهية مع الإسرائيلي.
مزارع شبعا والجولان
بما أن الملف الإسرائيلي هو الأهم بالنسبة إلى الأميركيين، فلا بد من التوقف عند القرار المتعلق بالجولان، والذي بلا أدنى شك يرتبط إلى حدّ بعيد بالملف اللبناني، خصوصاً مزارع شبعا، والتي تعتبر وفق القانون الدولي، ووفق توجه النظام السوري، تابعة للجولان. ففي العام 1974 ارتبط وقف إطلاق النار بقرار مجلس الأمن الذي يعتبر الجولان أرضاً سورية محتلة. أما وقد اسقط هذا الأمر، فيمكن أن يتم إسقاط وقف إطلاق النار. وهذا قد ينسحب على مزارع شبعا. لكن أي تصعيد في تلك المنطقة سيكون مرتبطاً بتطورات الوضع الإسرائيلي، ما قبل أو ما بعد الإنتخابات، وسيبقى ورقة تصعيد أميركية إلى جانب العقوبات، تستخدم للضغط على إيران، بمعزل عن الاستخدام العسكري من قبل الإسرائيليين لهذه الورقة.
مزارع شبعا ستكون مرتبطة بالجولان، بأمنها وإستقرارها، ما قد يمهد لمطالب أميركية بضم المزارع إلى إسرائيل. وهذا سينطوي على تطورات جمّة، أولها نزع ذريعة تمسك الحزب بسلاحه لتحرير مزارع شبعا، ما قد يؤدي إلى فتح جبهة جديدة.
في كل الأحوال، الغاية في النهاية أن تؤدي كل هذه الضغوط على الحزب وإيران إلى ترتيب تسوية وتفاهم مع الأميركيين.