كتبت صحيفة "الشرق الأوسط" تقول: حذّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أمس، من أن لبنان يقف «على مفترق طرق»، «إما النهوض المنتظر أو التدهور القاتم»، مطالباً المسؤولين السياسيين «بالترفّع عن مصالحهم الضيقة»، في إشارة إلى ترابط الأزمتين السياسية والاقتصادية. وجاء ذلك خلال أعمال الدورة الـ28 لـ«منتدى الاقتصاد العربي» التي عُقدت في بيروت، وشارك فيها أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وأكد، أن «تحقيق الانطلاق الاقتصادي في لبنان مرهون بكسر الانسداد السياسي»، معلناً، أن «الجامعة العربية على أتم الاستعداد للقيام بما يُطلب منها» في ملف تفعيل الحوار.
ونظمت دورة منتدى الاقتصاد العربي «مجموعة الاقتصاد والأعمال» بالاشتراك مع الهيئات الاقتصادية اللبنانية واتحاد الغرف العربية والمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال) بالتعاون مع جامعة الدول العربية، تحت عنوان «لبنان: الطريق إلى النفط».
ورأى ميقاتي، أن المنتدى «يشكل فرصة للتواصل حول المسائل الاقتصادية الأساسية في منطقتنا العربية في ظل تلاقي شخصيات ومرجعيات وخبراء مرموقين من لبنان والعالم». وقال «في لبنان، ورغم الضغوط الماكرو - اقتصادية المستمرة والاختلالات المالية المتواصلة في ظل تشنج سياسي متعاظم، عاد الاقتصاد ليسجل هذا العام نمواً يقارب 2 في المائة بالقيم الفعلية، بعد الانكماش الصافي الملحوظ الذي شهده منذ بداية الأزمة»، لافتاً إلى أن «نمو الاستيراد بنسبة 44 في المائة في الأشهر الأحد عشر الأولى من هذا العام مردّه إلى تحسن النشاط الاقتصادي المحلي في ظل ارتفاع الطلب الداخلي».
وحذر ميقاتي من أن «لبنان على مفترق طرق، خلاصته إما النهوض المنتظر أو التدهور القاتم». وأوضح «في حال تحقّق السيناريو السياسي - الاقتصادي الإيجابي، تبدأ الضغوط الاقتصادية والاجتماعية بالانحسار ويبدأ البلد بالنهوض من كبوته القاتمة»، لافتاً إلى أن هذا الأمر «يتمحور حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة جديدة تتعهد باعتماد نهج إصلاحي حقيقي بدعم سياسي فاعل وشامل يطال، خصوصاً القطاع العام وإيجاد بيئة استثمارية آمنة في ظل قضاء عادل ومستقل، واستكمال الخطوات المطلوبة للانتقال إلى مرحلة الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي؛ مما يؤسس للحصول على مساعدات خارجية واستثمارات باتجاه لبنان والتي تشترط انخراط الصندوق كمراقب دولي للإصلاحات في الداخل. وفي حال تحقق السيناريو الإيجابي المنشود».
وطالب ميقاتي «بأن يترفّع المسؤولون السياسيون عن مصالحهم الضيقة ويبدّون المصلحة العامة ويعززون القواسم المشتركة؛ ما يؤسس للخروج من الكبوة القاتمة واحتواء المخاطر الكامنة وإلى الانتقال إلى حقبة من النهوض الاقتصادي المرجو في الأفق».
وأشار إلى أن «الدولة اللبنانية أنجزت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية جنوباً وأطلقت عملية الاستكشاف في البلوك الرقم 9، وسوف تقوم الشركات المكلفة بذلك بحفر بئر استكشافية في سنة 2023. وفي حال أتت نتائج التنقيب إيجابية، يتعزز عامل الثقة في الأسواق. وبما أن عنوان المؤتمر اليوم هو (الطريق إلى النفط)، من المهم القول، إن استكشاف الغاز سيدرّ مكاسب اقتصادية مهمة على لبنان، أولاً من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وتالياً من خلال تعزيز إيرادات الدولة في حال تبيّن أن الموارد الهيدروكربونية قابلة للتسويق. كما أن انتعاش القطاع الهيدروكربوني في لبنان سيخفض من عجز قطاع الطاقة ويعزز الوضعية الخارجية للبنان ويساعد على الولوج إلى نهوض اقتصادي عام».
وقال، إن «عملية المسار السريع للاستكشاف (Fast Track Exploration) وفي حال وجود كميات تجارية سوف يستتبعها تطوير للحقل بالسرعة القصوى؛ وذلك لإمداد السوق المحلية بالغاز الطبيعي، وعلى وجه التحديد معامل الكهرباء، بدءاً بمعمل الزهراني جنوباً حتى دير عمار شمالاً. وسوف يكون هناك دور كبير للقطاع الخاص في عملية تمويل وإنشاء البنى التحتية للغاز الطبيعي، مما سيساعد على خفض كلفة الكيلوات وسوف يسهم في تنمية الصناعات المحلية التي سوف تعتمد على الغاز الطبيعي».
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية في كلمته، إن «الوضع اللبناني، لا يزال أسيراً لدائرة حزينة من المعاناة والألم، ولا يزال أسيراً للتدهور الاقتصادي والجمود السياسي. والجانبان يرتبطان برباطٍ وثيق، كما صار واضحاً لنا جميعاً، فتحقيق الانطلاق الاقتصادي مرهون بكسر الانسداد السياسي».
وأشار إلى «ان الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من الأزمة لم تعد خافية على أحد، والإصلاح لم يعد خياراً، وإنما ضرورة مُلحة لا تقبل التأجيل، خصوصاً في ضوء تفاقم أزمتي الغذاء والطاقة، وما يشهده الاقتصاد العالمي من انجراف متسارع نحو الركود التضخمي»، مؤكداً، أن «هذه الأزمات زادت من صعوبة الوضع في لبنان، وهي أيضاً باعثٌ قوي للإسراع بالإصلاح».
وقال «الخطوة الأولى إذن على «الطريق إلى النفط»، هي الإصلاح. ولكي تصل هذه الطريق إلى غايته المنشودة، من الانتعاش الاقتصادي والازدهار، فإن عملاً جاداً لا بد أن يُبذل على صعيد إصلاح النظام المالي والمصرفي وهيكلة الدين العام، بما يمكّن من استعادة الثقة في النظام المصرفي، والحفاظ على حقوق المودعين، وبخاصة من أصحاب الودائع الصغيرة، ووقف الانهيار في قيمة العملة المحلية». وشدد على ضرورة «استكمال بنود الاتفاق الأولي الذي تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدولي عبر إقرار القوانين اللازمة؛ تمهيداً للتوصل إلى اتفاق نهائي يسهم في تحقيق التعافي الاقتصادي ويفتح الطريق أمام تدفق أكبر للمساعدات الدولية».
وقال أبو الغيط، إن المدخل سيكون بـ«استعادة ثقة المستثمرين والداعمين من الأشقاء والأصدقاء في الإقليم وخارجه، وقبل ذلك كله ثقة الشعب اللبناني ذاته في الحكومة والقيادات السياسية وفي عزمها على السير في طريق الإصلاح إلى غايته». وشدد على أن لبنان «لا يتحمل شغوراً رئاسياً يطول أمده، لا يتحمل وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي هذا الفراغ الذي يزعزع الثقة بدلاً من تعزيزها، ويؤثر سلباً على فرص التعافي الاقتصادي».
وتابع «لقد عاش لبنان الشغور الرئاسي من قبل، في ظل أوضاع اقتصادية مختلفة تماماً. وتعامل السياسيون اللبنانيون معه بما هو معهود عنهم من إبداعٍ في فنون السياسة وبناء التوافقات. على أن الأزمة الحالية ليست كسابقاتها، والسياق الذي نعيشه اليوم غير مسبوق في ضغوطاته وتحدياته ولا ينبغي التعامل مع الوضع الحالي بوصفه مساراً طبيعياً، أو حالة اعتيادية يُمكن تمديدها إلى ما لا نهاية، بل يتعين الإسراع بإنهاء الشغور عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون مُعبّراً عن اللبنانيين، بكافة أطيافهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية وعنواناً على وحدة البلاد وعلامة على استعادة الثقة».
وناشد «مختلف القيادات السياسية اللبنانية الالتفات إلى خطورة اللحظة التي يمر بها البلد وسط ظرف دولي مضطرب يفرض على المجتمع الدولي قائمة أولوياتٍ مزدحمة». وقال، إن «هذا الظرف ذاته يفرض على الأفرقاء تجاوز كل الانقسامات واحتواءها، ويحتم على الجميع وضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار».
وأكد، «أن قنوات الحوار يتعين أن تبقى مفتوحة ومباشرة بين جميع القوى والتيارات السياسية»، معلناً أن «الجامعة العربية على أتم الاستعداد للقيام بما يُطلب منها في هذا الصدد». وقال، إن «انسداد الحوار واستسهال التمترس خلف المواقف لتمرير الوقت، لا يُمثل استراتيجية ناجعة لمعالجة الانسداد القائم».
وقال، «إن الحفاظ على السلم الأهلي والأمن في لبنان واجب على كل لبناني في هذه الظروف الدقيقة، وفي ظل دور الجيش، كمؤسسة وطنية جامعة، محورياً في صيانة أمن هذا البلد، وفي ظل اتفاق الطائف، عقداً وطنياً لا غِنى عنه للاستقرار وسياجاً حامياً للسلم الأهلي في لبنان بكل مكوناته وطوائفه».