نقطتان اساسيتان برزتا في زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو للبنان: الاولى ان الولايات المتحدة مصممة على مواجهة ايران واذرعتها في المنطقة بحيث لن تترك ما تعتبره “نفوذا تخريبيا” لايران في كل من اليمن والعراق وسوريا يطاول لبنان وانها ستستخدم كل الوسائل ” السلمية” من اجل ذلك وفهم ان ذلك يعني ايضا عدم اتاحة المجال لاسرائيل لشن حرب على لبنان من اجل تقويض هذا النفوذ الايراني وذلك في خطوة لم تكن اكثر وضوحا مما كانت عليه يوما وفق ما برز في البيان الذي تلاه رئيس الديبلوماسية الاميركية. وهذه النقطة لم تكن مفاجئة لاحد في الواقع انطلاقا من ان الزيارات الديبلوماسية الاميركية خلال الاشهر الاخيرة لكل من مساعدي الوزير بومبيو ديفيد هيل ثم ديفيد ساترفيلد بلورت الموقف الاميركي فكان البناء عليه تراكميا. والنقطة الثانية تتمثل في ان الزيارة عكست اعادة اهتمام اميركي جدي بلبنان. فنادرا ما شهد لبنان زيارة لوزير خارجية الولايات المتحدة اصطحب خلالها زوجته وامضى يومين فيه وليس فقط بضع ساعات يتم خلالها تمرير بضعة رسائل. لا بل ان ثمة من رأى في الاهمية التي اولاها بومبيو لهذا الامر تأكيدا لشعوره بالامان والتنقل بحرية وانه لا يشعر نفسه في بيئة غربية او عدائية بالاضافة الى حرصه على لقائه جميع من رأى ضرورة لقائه الى جانب اصدقائه. والقول باعادة الاهتمام يعود الى ان الولايات المتحدة اهملت لبنان كليا ابان ولايتي الرئيس باراك اوباما ويعود راهنا ليظهر انه يشكل جزءا من استراتيجيتها في المنطقة في مواجهة النفوذ الايراني.
وثمة تخوفان نتيجة الموقف الاميركي الذي وضع اللبنانيين امام تحد يعتقد انه شبيه بذلك الذي رفعه اللبنانيون في وجه القوات العسكرية السورية وفق مضبطة اتهام تفصيلية ترد حتى على الذرائع والتبريرات التي تقدم بها بعض المسؤولين اللبنانيين دفاعا عن الحزب. وجاء في كلام بومبيو “يجب على الشعب اللبناني الا يعاني بسبب الطموحات السياسية والعسكرية وسيتطلب الامر شجاعة من الشعب اللبناني للتصدي لاجرام حزب الله وارهابه وتهديداته”. وهنا يسأل البعض اذا كان بومبيو قد طلب من المسؤولين خطوات معينة على هذا الصعيد او ان لبنان يمكن ان يكون ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة وايران؟
يجيب الوزير السابق ومستشار رئيس الحكومة سعد الحريري الدكتور غطاس خوري عن ذلك بالتأكيد ” انه لم يطلب منا القيام باي مواجهة ولا نحن عرضنا القيام باي مواجهة. لا بل ان الرئيس الحريري كان صريحا من خلال التأكيد لرئيس الديبلوماسية الاميركية ان لدينا ازمة اقتصادية واذا انهار البلد فان العواقب ستطاول الجميع ولكن هذه العواقب ستقع علينا ايضا في شكل اساسي لاننا نرمز الى النهوض الاقتصادي في البلد. وهذا يضر بنا كما يضر بجمهورنا”. واضاف خوري: “ان الرئيس الحريري اكد للوزير بومبيو اننا مستمرون في التفاهم الوطني من اجل انجاز ذلك وانه يحتاج الى ان يتحدث مع الجميع ويتواصل معهم بمن فيهم “حزب الله” حماية للبلد ولان السلم الاهلي هو ضمان اللبنانيين”. ويؤكد خوري ان الوفد الديبلوماسي الاميركي الرفيع كان متفهما لهذا الموضوع وفهم منه ان الولايات المتحدة يهمها الا ينهار البلد وانها ستساعد على الا يحصل ذلك”. ومفاد هذا الكلام ان احدا لا يمكن ان يدفع بالافرقاء اللبنانيين الى مواجهة الحزب او الذهاب الى حرب معه علما ان الوفد الاميركي لم يطلب وفق من التقاه لا ان يقوم اللبنانيون بحرب ولا ان يشاركوا فيها. لكن هناك اجراءات وعقوبات تتخذها الولايات المتحدة ضد ايران والحزب والتحذير كان واضحا ازاء وجوب ملاقاتها لئلا يدفع لبنان الثمن على رغم ان رسائل الدعم للجيش والقطاع المصرفي وللشعب اللبناني كانت واضحة.
النقاط الاخرى المهمة تتصل بعناصر متعددة من بينها: اذا كانت زيارة بومبيو والعزم الاميركي على زيادة العقوبات على الحزب من رقابة مالية وغير مالية اوقفت او حالت دون انزلاق البلد الى المحور الايراني باعتبار ان مضمون البيان يطاول اساسا كل من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الحليفين للحزب. وقد اجاب بومبيو قبيل وصوله الى بيروت على سؤال كيف يلتقي الرئيس اللبناني ووزير الخارجية وهما سهلا وصول الحزب الى السلطة ” في عملي نلتقي الكثير من الناس الذين نأمل ان يغيروا مسارهم”. فماذا عن الخطوات التالية للاستمرار في منع هذا الانزلاق او لجمه في ظل عدم اخفاء الاميركيين انهم يشجعون الدول العربية على عدم ترك لبنان ومساعدته ايضا. ولكن التجربة مع الولايات المتحدة صعبة في تغيير مصالحها واحتمال ترك ما تتعهد به نتيجة اعتبارات متعددة وفق ما حصل من دعم للبنانيين في 2005 قبل ان تعود الامور الى الوراء لاحقا ويتم تجاهل لبنان كليا.
هناك خشية من انعكاس التطورات الاقليمية على معادلة التوازن بدءا من الانسحاب الاميركي من سوريا حيث اعاد بومبيو التأكيد لمحدثيه ان القوات الاميركية لن تغادر بل هي باقية وستمنع الربط بين ايران والعراق وصولا الى سوريا فلبنان، وصولا الى ان بقاء بشار الاسد في السلطة وقد فهم من رئيس الديبلوماسية الاميركية ان بلاده لا تتحدث عن بقاء الاسد ولا عن رحيله ولكن عن ان المعادلة في سوريا لن تبقى على ما هي. وصولا اخيرا الى موقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب من وجوب اعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان في الوقت الذي يخدم هذا الموقف الاسد والمحور الايراني عموما في هذه المرحلة. وكل ذلك ينعكس على لبنان ايضا.