لم تعد عواصف الشتاء وحدها التي تحبس الصيادين عن ارتياد البحر طلباً للرزق، بل حتى بالنسبة لكثير من الصيادين يعتبر ركوب البحر شتاءً تحدياً فيه كثير مما يجمع بين المغامرة والمتعة من جهة وبين توقع الرزق الوفير بين طيات الموج وعلى أعماق قريبة من سطح الماء ..
لكن ثمة عاملاً – غير طبيعي هذه المرة – طرأ على سير انتظام قطاع الصيد البحري في لبنان ، وبات يؤثر سلباً على حركة الصيادين بحراً بغض النظر عن ظروف الطقس ، وهو ارتفاع كلفة تشغيل محركات المراكب والتي من المعروف انها تعمل على الديزل ( المازوت ) مع ما يستتبع ذلك من تحمل كل صاحب مركب ومن عليه ثمن صفيحة مازوت عند كل رحلة ابحار أي ما يتجاوز الـ900 ألف ليرة ، وهذا المبلغ قد يوازي او حتى يزيد عن غلة شباك صياد بعد رحلة ابحار طويلة ، الى جانب ما يراكمه تشغيل المحرك والابحار بالمركب واستهلاك الشباك من كلفة صيانة وشراء قطع غيار ومستلزمات صيد ؟ .
هذا الواقع دفع كثيرين من صيادي الأسماك للعودة الى اعتماد التجذيف بتحريك قواربهم ( أي استخدام المجذافين ) في رحلات الصيد المعتادة لتوفير كلفة المازوت، لعل حساب بحرهم يطابق حساب بيدرهم !.
على مدى تاريخ الصيد البحري في مدينة صيدا، يمر هذا القطاع عادة بفترات ركود قسرية خلال فصل الشتاء يضطر خلاله الصيادون للإنكفاء عن البحر ابان العواصف القوية التي تشهد رياحاً قوية تستتبع ارتفاعاً لأنواء لا تقوى مراكب الصيد على مناطحتها ، فيمضي الصيادون فترات السبات الشتوي المتقطعة هذه إما في مقهى الصيادين قبالة الميناء ، او في منازلهم متصبرين بما عادوا به من غلة ورزق من آخر رحلة صيد .
لكن الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي ضيقت خناقها على العاملين بقطاع الصيد البحري ربما اكثر من غيرهم في قطاعات أخرى- لأن تأمين معيشتهم مرتبط ببقائهم في البحر- اضطرت كثيرين منهم للإبحار حتى في عز العواصف وتحمل مخاطره، لأن كل يوم تعطيل بالنسبة لهم يعني حرمان عائلاتهم من قوت يومهم .
ويشير نقيب صيادي الأسماك في صيدا نزيه سنبل ، الى أن " ان قطاع الصيد البحر هو اكثر القطاعات تضررا من الأزمة التي اضافت الكثير من الأعباء والخسائر على الصيادين ، ومنها وأكثرها حدة ارتفاع ثمن "تنكة" المازوت بشكل تصاعدي دائماً حتى باتت غلة صيد يوم واحد لا تكفي لشرائها . فماذا يفعل الصيادون؟".
ويقول سنبل لـ"مستقبل ويب" ان الصياد لم يعد قادراً على تحمل كلفة تشغيل وصيانة مركبه وتأمين شباك ومستلزمات الصيد اذا تضررت ، وهو عليه ان يواجه كل هذه الأعباء مجتمعة ، فكيف يصمد ؟ ".
وبحسب سنبل فإن "عواصف شتاء هذا العام حتى الآن لم توقف حركة الصيد البحري وما نشهده بالنسبة لوضع الطقس حالياً يطلق عليه بلغة الصيادين والبحارة اسم " المربعانية " والتي تمتد عادة 40 يوماً، قاربت من نصفها، لكن الصيادين يبحرون رغم الطقس الممطر والبارد، وفي ظروف صعبة تجهيزياً ولوجستياً وخاصة لجهة ارتفاع كلفة المازوت.
رأفت نعيم