كتب خيرالله خيرالله

ما بين النظام السوري والجولان

تم النشر في 26 آذار 2019 | 00:00

هل حاول النظام السوري في يوم من الايّام استعادة الجولان أم أنّ الجولان كان دائماً ضمانة لبقائه؟ طرح هذا السؤال نفسه بعد التغريدة التي اطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أنّ "الوقت حان للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان". لعلّ أهمّ ما في التغريدة الاشارة الى ان إسرائيل تحتل الجولان منذ 52  عاماً. ما الذي فعله النظام السوري طوال ما يزيد عن نصف قرن عندما احتلّت إسرائيل الجولان في العام 1967 في وقت كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع؟





 





الجواب، بكل بساطة أنّ الجولان كان في كلّ وقت ضمانة للنظام الذي أسّسه حافظ الأسد. فبعد ثلاث سنوات من احتلال إسرائيل للجولان في حزيران – يونيو 1967، انتقل حافظ الأسد الى موقع المسيطر كلّيا على سوريا ابتداء من السادس عشر من تشرين الثاني – نوفمبر 1970. بقدرة قادر، لم يلق الأسد الأب أي مقاومة في الانقلاب الذي نفّذه على خصومه. على العكس من ذلك، كانت هناك احاطة دولية لـ"الحركة التصحيحية" التي قام بها. كذلك كان هناك تعاطف عربي مع ما قام به من من منطلق انّه كان لا بدّ من التخلّص من "البعث المغامر" ذي الميول اليسارية الذي كان يتزعمه في سوريا ضابط علوي آخر اسمه صلاح جديد. كان صلاح جديد الرجل الأقوى في سوريا بين 1966      و 1970. ما لبث حافظ الأسد ان وضع صلاح جديد في السجن الذي بقي فيه الى آخر ايّام حياته.





 





منذ أصبح حافظ الأسد الحاكم المطلق لسوريا، خصوصا بعدما اصبح اوّل رئيس علوي للجمهورية في شباط – فبراير 1971، كان الرهان الدائم للنظام على حال اللاحرب واللاسلم التي يرمز اليها وضع الجولان. وجد النظام السوري في اتفاق فكّ الاشتباك مع إسرائيل مطلع العام 1974  بديلا من ايّ سعي فعلي  للبحث جدّيا في أي انسحاب إسرائيلي من الجولان. اكثر من ذلك، كان الهدوء الذي تنعم به جبهة الجولان مدخلا للوجود العسكري السوري في لبنان الذي باركته إسرائيل بعد وضعها خطوطا حمر له في 1976.


 





منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك، اصرّ النظام السوري على بقاء مدينة القنيطرة التي انسحب منها الإسرائيليون مدمّرة. كانت حجته ان تدمير المدينة شاهد على وحشية إسرائيل. هل من حاجة الى ما حلّ بالقنيطرة لمعرفة ما هي إسرائيل، بدل إعادة بناء المدينة وإعادة أهلها اليها؟





 





بالنسبة إلى النظام السوري، كان الجولان موضوع تجارة رابحة استخدم فيها لغة خشبية من نوع الإصرار على انسحاب إسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران – يونيو 1967، علما ان هذه الحدود لم تعد عند ضفاف بحيرة طبريا التي انخفض منسوب المياه فيها. بقي حافظ الأسد متذرّعا في السنة 2000  بمياه بحيرة طبريا كي يفشل المحاولة الجدّية الاخيرة للتوصل الى اتفاق مع إسرائيل تنسحب بموجبه من الجولان. قال في اللقاء مع الرئيس بيل كلينتون في جنيف قبل أسابيع من وفاته انّه كان يصطاد السمك في مياه بحيرة طبريا عندما كان ضابطا صغيرا. تجاهل ان هذه المياه انخفض مستواها مع مرور السنوات وان خط وقف النار في الرابع من حزيران – يونيو 1967  لم يعد حيث كان.





 





في الواقع، لم يرد حافظ الأسد يوماً استعادة الجولان، بل كان كلّ همّه محصورا بالمتاجرة به واستخدامه كخط دائم لوقف النار مع إسرائيل. منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك، الذي امكن التوصل اليه مطلع العام 1974  بفضل هنري كيسينجر، وزير الخارجية الاميركي وقتذاك، لم  تعكّر رصاصة واحدة الجو في الجولان. كان هناك اتفاق سوري – إسرائيلي على إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة لتبادل الرسائل بين الجانبين، ان في ايّام السيطرة الفلسطينية على الجنوب اللبناني او بعد ذلك عندما اصبح الجنوب في عهدة ايران، أي في عهدة "حزب الله"، الذي بقي محافظا على المهمّة المكلّف بها حتّى صيف العام 2006 عندما افتعل حربا مع إسرائيل. أجبرت تلك الحرب اسرائيل على تغيير قوانين اللعبة المتفق عليها وذلك عبر قرار مجلس الامن الرقم 1701 الذي سمح للجيش اللبناني بالعودة الى جنوب لبنان للمرّة الاولى منذ العام 1975.





 





من حافظ الأسد الى بشّار الأسد، انتقلت سوريا من عالم الى آخر، خصوصا بعدما بدأت ثورة الشعب السوري في مثل هذه الايّام من العام 2011. كان افضل من عبّر عن طبيعة العلاقة الجديدة - القديمة بين إسرائيل والنظام السوري شخص اسمه رامي مخاوف، ابن خال بشّار الأسد.





في وقت كانت الثورة الشعبية في سوريا في بدايتها ربط رامي مخلوف في حديث مع الصحافي الاميركي، اللبناني الأصل، انتوني شديد الذي كان يعمل لصحيفة "نيويورك تايمز" بين بقاء النظام السوري وحال الهدوء السائدة مع اسرائيل. كشف بكلّ صراحة عن تلك المعادلة التي تحكمت بالعلاقة بين النظام الذي اسّسه حافظ الأسد في 1970 والذي مهّد عمليا لقيامه احتلال الجولان في العام 1967 من جهة والضمانة الإسرائيلية للنظام من جهة أخرى.  قال ما حرفيته في عدد "نيويورك تايمز" الصادر في العاشر من ايّار – مايو 2011:   "اذا لم يكن هناك استقرار هنا، لا يمكن باي شكل ان يكون هناك استقرار في إسرائيل".





 





لم تتدخل إسرائيل في سوريا على نحو مكشوف، علما انّه كان في استطاعتها، منذ البداية، قلب المعادلة الداخلية بسبب قربها من الجنوب السوري ومن درعا تحديدا التي انطلقت منها الثورة السورية. لجأت إسرائيل الى ضربات جوّية في مرحلة لاحقة اقتربت فيها ايران من خط وقف النار في الجولان، بقيت هذه الضربات الجويّة في اطار معيّن لا يؤثّر مباشرة على مصير نظام الذي لم يعد بالفعل موجودا بعدما صار تحت رحمة الايراني والروسي.





 





ما تفعله إسرائيل حالياً هو قبض ثمن إبقاء بشّار الأسد في دمشق التي هي على مرمى حجر من الجولان. يدخل كلّ ما قاله دونالد ترمب في سياق طبيعي. في أساس هذا السياق معادلة جديدة تقوم على الربط بين التسليم باحتلال إسرائيل للجولان نهائيا وبقاء بشار الأسد في دمشق بحماية الايراني والروسي من جهة أخرى. هل هذه معادلة دائمة ام مجرّد معادلة مرحلية في انتظار ما سيسفر عنه الصراع بين موسكو وطهران على سوريا؟





 





لا يمكن الكلام عن معادلة دائمة بين سوريا وإسرائيل في ظلّ الخلل السوري الذي رفض رامي مخلوف الاعتراف به. فابن خال بشّار الأسد لم يستوعب منذ البداية انّ النظام انتهى في اليوم الذي خرج فيه من لبنان في نيسان – ابريل 2005 نتيجة مشاركته في عملية اغتيال رفيق الحريري والتحضير لها. ما لم يستوعبه اكثر من ذلك ان لعبة المحافظة على الاحتلال الإسرائيلي للجولان وعلى حال اللاحرب واللاسلم لا يمكن الّا ان تنقلب على النظام الذي تأسّس بالفعل قبل 52 عاما وكان ثمنا قبضه طوال ما يزيد على نصف قرن. كان ذلك الثمن كافيا كمكافأة على ما حدث في 1967... بعدما تبيّن ان الكثير تغيّر على الأرض السورية وبعدما استفادت إسرائيل من كل الفرص التي اضاعها الأسد الاب والأسد الابن من اجل استعادة الجولان على غرار استرجاع أنور السادات لسيناء!