تشهد المنطقة خلط أوراق واختلالاً في موازين القوى المختلفة في ضوء كشف الولايات المتحدة الاميركية نيتها طرح خطة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، تستبدل فيها المعايير القديمة بالاستناد الى الوقائع السائدة على الارض. ويأتي هذا بعد عدم اعتراف المجتمع الدولي بقرار إدارة الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان السوري المحتل، وعزمها على تحديث خرائطها لكي تصبح مرتفعات هذه الهضبة ضمن إسرائيل بدلاً من اعتبارها منطقة محتلة، وكذلك يأتي بعد استهداف اسرائيل مجدداً منشآت عسكرية إيرانية ومستودعات للأسلحة في محيط مدينة حلب السورية، واتّهامها طهران بمحاولة إدخال صواريخ دقيقة واسلحة متطورة إلى سوريا، مؤكدة استمرارها في الهجمات لمواجهة محاولات إيران التموضع عسكرياً على الاراضي السورية، واصفة اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان بأنه «إنجاز دبلوماسي عظيم لدولة إسرائيل». وقد تزامن هذا الموقف الاسرائيلي مع قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي فيه وبالإجماع، يقضي بالتشدد في مكافحة تمويل الإرهاب.
فقد تبنّى مجلس الأمن أمس وبالإجماع، قراراً قدمته فرنسا ويقضي بتشديد تدابير مكافحة تمويل الارهاب، ليصبح أول قرار للأمم المتحدة مخصصاً تحديداً لهذا الموضوع، وهو مدرج تحت الفصل السابع من ميثاقها ما يمنحه «قوة قانونية ملزمة»، ويطلب من الدول الأعضاء وضع «قوانين وطنية وقواعد تنصّ على جرائم جنائية أو عقوبات» مناسبة على أيّ فرد يستخدم أو ينوي استخدام أموال «بنحو مباشر أو غير مباشر» لتنفيذ اعتداءات.
ويطلب القرار أيضاً من الدول الأعضاء «تحديد القطاعات الاقتصادية الأسهل لتمويل الإرهاب»، والتزوّد بوحدات استخباراتية متخصّصة في كشف الدوائر المالية التي تستفيد منها منظمات إرهابية، ويحضّها على التحرّك لكشف سرّية التحويلات وتطوير وسائل لمراقبة المدفوعات عبر الهاتف واستخدام المبالغ النقدية والعملات المشفرة.
لودريان
وقال وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، خلال ترؤسه اجتماع مجلس الامن، إنّ القرار يرمي إلى وضع «عقيدة مرجعية، هي بداية التطبيق». وأضاف: «مشاركة القطاع الخاص في ذلك باتت ضرورية أكثر من أي وقت مضى». وأكّد «ضرورة التركيز على تَشارك المعلومات الاستخباراتية». وقال: «علينا معالجة المسألة من جذورها»، مشيراً إلى «أنّ المجموعات الإرهابية كالقاعدة أو تنظيم «داعش» لا تختفي بل تتأقلم، ويجب قطع موارد تمويلها».
وقال وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف: «إنّ الأموال لا تزال تصل إلى المنظمات الإرهابية من خلال طرق شرعية أو غير شرعية».
وقال فورونكوف بعد التصويت على القرار: «إنّ اعتماد القرار 2463 يأتي في وقت حرج، خصوصاً مع استمرار الهجمات الإرهابية على مستوى العالم، ما يؤكد أنّ التمويل ما زال يصل الى الإرهابيين». وأشار الى أنّ هذا القرار «يعزّز من الاشتراطات والمعايير الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، ويجمعها في وثيقة واحدة».
شهادة بومبيو
وفي هذه الاجواء، ظل ملف عودة النازحين السوريين يتصدّر واجهة الاهتمامات، وفي هذا الاطار برز أمس موقف أميركي متقدّم منه عبّر عنه وزير الخارجية مايك بومبيو في شهادة امام مجلس النواب الاميركي شرح فيها وضع النازحين في لبنان، مؤكداً ضرورة العمل مع حلفاء الولايات المتحدة لإيجاد الارضية المناسبة داخل سوريا لعودة هؤلاء النازحين الى بلادهم، خصوصاً انه لمس هذا المطلب لدى جميع الافرقاء اللبنانيين كافة.
وأفاد تقرير ديبلوماسي وردَ الى بيروت، أنّ بومبيو تحدث الى اللجنة الفرعية للمخصصات في مجلس النواب الاميركي حول موضوع تمويل المساعدات للنازحين السوريين وعودتهم، وتناول زيارته الأخيرة للبنان، فقال: «في لبنان هناك 1,5 مليون لاجىء سوري، مع كل العبء الذي يشكّله ذلك على البلد من ناحية الكلفة والمخاطر التي يرتّبها وجود اللاجئين على لبنان وديموقراطيته. وكانت وزارة الخارجية الاميركية تقود الحديث عن سبل تأمين الولايات المتحدة وشركائها العرب الظروف المناسبة على الارض في سوريا لكي يتمكن هؤلاء اللاجئون من العودة الى بيوتهم. وهذه هي المهمة المحددة التي يرغب فيها الشعب اللبناني. وانا أعتقد صراحة انّ عودة هؤلاء الافراد هي الافضل لهم، وعلينا ان نتأكد من انّ الشروط مناسبة لعودتهم، وهو موضوع ستكون الخارجية الاميركية في الصفوف الامامية لتحقيقه».
الخارجية اللبنانية
ورحّبت أوساط وزارة الخارجية اللبنانية بما ورد في شهادة بومبيو، واعتبرت أنّ كلامه «شكّل خطوة متقدمة على طريق الاقتناع بوجهة نظر لبنان بضرورة حل أزمة النازحين السوريين بعودتهم إلى بلادهم». واكدت انّ ذلك «ما كان ليحصل لولا المطالعة الشاملة والمقنعة التي سمعها بومبيو من الوزير جبران باسيل حول المخاطر الوجودية على لبنان نتيجة وجود مليون ونصف مليون نازح على أرضه». واعلنت «أنّ لبنان سيواصل العمل مع الأميركيين والدول الأخرى، حتى يقتنع الجميع بضرورة عودة النازحين التي لا يريدها لبنان إلّا آمنة وكريمة».
باسيل يشيد
وكان باسيل أشاد بخطوة بومبيو، واصفاً شهادته امام مجلس النواب الأميركي بأنها «خطوة متقدمة، تؤكد أنّ الحوار الصريح والجريء والموقف الوطني الواضح هما أقرب الطرق الى تحقيق المصلحة الوطنية».
التجاذب مستمرّ
وفي غمرة هذه التطورات، تستمر التجاذبات السياسية اللبنانية حول ملفات عدة، حيث أنّ «حكومة الى العمل»، التي ألّفت منذ ثلاثة أشهر، لم تنطلق بعد الى ورشة العمل الجدّي والفعلي. وقد عاد رئيسها سعد الحريري مساء من باريس وستحدد مواعيد جديدة للإجتماعات والجلسات التي تأجلت في غيابه، وقد حدّد العاشر من نيسان موعداً لجلسة الأسئلة والأجوبة النيابية التي كانت مقررة اليوم، على ان تحدد مواعيد لاجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة درس خطة الكهرباء التي كان عون أمهلها أسبوعاً فقط لإنجاز مهمتها. امّا مشروع الموازنة العامة لسنة 2019 فهناك سعي حثيث لإقرارها في ايار المقبل، شأنها شأن الاصلاحات المطلوبة لإنقاذ البلاد من الركود الاقتصادي.
عون الى تونس
الى ذلك يتوجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى تونس غداً، مُترئساً الوفد اللبناني الى القمة العربية في دورتها السنوية العادية، وهو يضمّ الى باسيل، وزيرة الداخلية ريا الحسن، وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، ووزير الدولة لشؤون المهجرين غسان عطالله. وسينضمّ إليه سفيرا لبنان لدى تونس طوني فرنجية، ولدى مصر والجامعة العربية علي حلبي. وينتظر ان تكون لعون لقاءات مع عدد من الملوك والرؤساء العرب وممثلي المؤسسات الأممية والدولية المشاركة في القمة.
لقراءة المزيد.. انقر هنا