ليست المرة الأولى يتخذ الرئيس ميشال عون موقفاً، ينظر إليه البعض على أنه يجتهد في تفسيره صلاحياته. أكثر من مرة أرسل إشارات إلى أنها ليست رمزية، ليست وهمية، أو أن بين أسلافه مَن لم يعتد على استخدامها، قبل اتفاق الطائف وبعده
عندما لجأ رئيس الجمهورية إلى المادة 59 من الدستور عام 2017 للحؤول دون تمديد ولاية مجلس النواب، سجّل سابقة، بعدما كان رفض في السنة نفسها توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى انتخابات نيابية وفق القانون النافذ، وكانت كذلك سابقة. عندما قال في السنة نفسها إنه أعطى الأمر إلى الجيش لاقتلاع الإرهاب من الجرود الشرقية في ضوء الاستعداد الذي أطلعه عليه قائده العماد جوزف عون، سجّل أيضاً سابقة. عندما أمسك بمقبض تأليف الحكومة السنة المنصرمة بكلامه عن معاييره هو لهذا التأليف، ورفض أكثر من مسودة، سجّل كذلك سابقة.
لكن له أيضاً أكثر من سابقة خارج نطاق صلاحياته الدستورية المباشرة. بيد أنها ترتبط بدوره وموقعه، شأن انفتاحه على نظام الرئيس بشار الأسد وتكليفه أحد وزراء الحكومة السابقة التواصل الدوري مع رجالات النظام، وإصراره في السنتين المنصرمتين، في الداخل وعلى منابر أممية ومؤتمرات دولية وإقليمية، على إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. هاتان المشكلتان انفجرتا في وجه ثانية حكومات العهد في أول جلسة تعقدها الخميس الفائت.
ما أفضت إليه الجلسة أفصح عن بضع ملاحظات:
أولاها، أن رئيس الحكومة سعد الحريري لم يشأ الدخول على خط السجال الساخن في مجلس الوزراء، ولا بعد ارفضاضه. لم يتدخّل في أي من بنود جدول الأعمال لدى مناقشتها، ولم ينبس ببنت شفة في الجدل الذي تلاها، فلم يعدُ انضمام الوزير جمال الجراح إلى وجهة نظر وزيري القوات اللبنانية سوى من باب رفع العتب. بدا الحريري في نظر وزراء شارد الذهن، متأثراً بـ«صدمة» قرار المجلس الدستوري إبطال نيابة عضو كتلته النيابية ديما الجمالي، مع أن موقفَي عون من موضوعي السجال هما أكثر ما يتناقض معه الحريري عليه، سواء برفضه العودة «الآمنة» التي يطلبها رئيس الجمهورية وأخيراً أبدلها الحريري بـ«العودة الطوعية»، أو بإزاء الاتصال بالدولة السورية ورئيسها. تناقض كهذا يبقى مكتوماً لا يريد الحريري – وإن بصفته رئيساً لمجلس الوزراء، متمسكاً بصلاحياته كاملة – أيّ اشتباك من حوله مع رئيس الجمهورية، من غير أن يتخلى أيّ منهما عن أحكامه المسبقة.
ذلك مغزى أنّ الرجلين يقدّمان نموذجاً جديداً – لكن على الطريقة اللبنانية – عن «المساكنة» او «التعايش» في سلطة إجرائية، مثقلة بتنافر أفرقائها بعضهم مع البعض الآخر، وتناقضات خياراتهم. بالتأكيد يدخل في صلب تبرير هذه «المساكنة» أنّ التباعد الأوسع في الملف الداخلي يقيم في تقويم كل من رئيسي الجمهورية والحكومة سلاح حزب الله، ورغبة الحريري في تجاهل الخوض فيه راهناً.
لقراءة المزيد.. انقر هنا