اعلن وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش في مؤتمر صحافي، عقده اليوم في الوزارة، بحضور المديرة العامة للاقتصاد عليا عباس وحشد من الاعلاميين "اننا نحن امام تحديات وطنية صعبة وهذه المرة لها طابع اقتصادي لكنني واثق بقدرتنا على تجاوزها"، وقال: "ان البلد يضج بالكلام عن الوضع الاقتصادي الصعب والناس يتناقلون كلاما عن انهيار مرتقب ويتساءلون فقط عن توقيته! وبعض المسؤولين يسهمون بتعميم مثل هذه الأجواء. اسمحوا لي بداية أن أصارح الناس: صحيح ان واقعنا الاقتصادي صعب، وإجمالي الدين العام يقارب إلى اليوم، 87 مليار دولار وخدمة الدين وحدها قد تتجاوز ال 6.5 مليارات، ولن أستفيض بالكلام عن عجزنا المالي أو التجاري أو العجز في الحساب الجاري وميزان المدفوعات، وكلها أرقام غير مطمئنة. لكنني، وبصدق وشفافية، واستنادا إلى الأرقام نفسها، وإلى المعرفة بإمكانيات البلد، أؤكد أن الحلول ممكنة، وليس هناك ما يستدعي هذا التهويل وبث السلبية بين الناس".
اضاف: "لذا، واحتراما مني لحق الناس بالمعرفة والوصول إلى المعلومات، وحقهم بالاطلاع على السياسات والخيارات الاقتصادية المقترحة، سأوجز إليكم أبرز ما أوردته في مداخلتي في مجلس الوزراء. وقد ضمنتها مقترحات حلول عملية على المديين القريب والمتوسط. فأنا كمثل كثيرين من الناس، بادرت إلى السؤال هل جدول مجلس الوزراء اليوم يرتقي إلى مستوى قلق الناس وانتظاراتهم؟ يؤسفني ألا يكون رأيي إيجابيا في هذا المجال. ويؤسفني أكثر أن نكون جميعا متفقين أننا لا نملك ترف إضاعة الوقت، ومع ذلك مضى شهران على تشكيل الحكومة والانجازات لغاية اليوم أقل من المطلوب والمأمول. فماذا ننتظر لوضع الحلول موضع التنفيذ؟.
وتابع: "ان واقع الاقتصاد اللبناني ناتج عن اختلالات بنيوية وتوجهات خاطئة، تراكمت منذ أكثر من ربع قرن. بالتالي، ثبت فشل النموذج المعتمد طوال هذه السنوات بتفاقم عجز الخزينة وتزايد الدين العام، وتراكم الصافي السلبي في الحسابات الخارجية. لذا ما عاد يكفي الاقتراض من الخارج ولا ينفع الترقيع ولا التذاكي بخلاص فردي أو حزبي أو ثنائيات من هنا وهناك، على حساب مصالح الناس والبلد. تماما كما ما عادت تنفع محاولات تسجيل النقاط أو تطويب انتصارات لفريق أو جهة أو حزب. جميعنا في مركب واحد كما ورد في البيان الوزاري. لا يشفع لبعضنا وجودهم للمرة الأولى في السلطة، طالما الحكم استمرارية. "كلن يعني كلن "! هكذا يعمم الناس مواقفهم. وانني وان كنت أتحفظ على التعميم في المطلق، إلا أنني أتفهم تماما مواقف الناس الناقمة والقلقة على مستقبلها ومستقبل أبنائها".
واردف: "اليوم، نحن أمام لحظة الحقيقة ولحظة الحساب. فإما نخرج إلى الناس ومعنا الدواء، ولو كان مرا، أو نخدرهم مرة جديدة فيدخل البلد في غيبوبة قد لا يفيق منها الا وقد خسر الكثير من مقومات الحياة. ولم يخطىء دولة الرئيس سعد الحريري حين قال إن بعض الإجراءات قد تكون موجعة. لكن، موجعة لمن؟ الأكيد أنه يجب ألا تكون موجعة للناس. وقد أصررت اليوم في جلسة مجلس الوزراء على أن نضع خارطة طريق للحلول ونبدأ الالتزام بها وتطبيقها. لكن قبل الشروع بطرح الحلول، أود أن أتوقف عند هواجس حاكم مصرف لبنان التي أتفهمها، ولكن القانون حدد كيفية التعبير عن هذه الهواجس والتعامل معها".
وقال: لقد اعتبر حاكم مصرف لبنان إن العجز المالي هو مصدر كل العلل، ودعا إلى تقليص حجم القطاع العام كشرط وحيد لضبط هذا العجز، مشيرا إلى أن "حجم القطاع العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 17 في المئة قبل الحرب إلى 35 في المئة اليوم، لذا طالبت أن يقدم لنا حاكم مصرف لبنان دراسة تبين الواقع. وأعتقد أنه التبس عليه بين مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الإجمالي وبين نسبة الإنفاق العام إلى هذا الناتج، وهما أمران مختلفان، إذ أن مدفوعات الفائدة وحدها استأثرت بأكثر من ثلث الإنفاق العام بين عامي 1993 و2018 (أكثر من ربع قرن). وبالتالي، لا يعبر الإنفاق العام عن مساهمة القطاع العام أو حصته في الاقتصاد. ولكن، على الرغم من هذه الملاحظة الأساسية التي تتعلق بفهمنا للقطاع العام ودوره وحجمه والحاجة إليه، فإننا لا نختلف على أن "نسبة العجز المالي مرتفعة قياسا إلى حجم الاقتصاد اللبناني"، ولا بد من إجراءات سريعة لتخفيض هذه النسبة والحد من تنامي العجز والمديونية".
وسأل:"هل هي مشكلة قطاع عام فقط؟ ألا يفترض إعادة النظر بالإدارة المالية والنقدية للدولة وتوضيح سياستها؟ وقال: "تنص المادة 117 من قانون النقد والتسليف على أن "حاكم المصرف يقدم لوزير المالية قبل 30 حزيران من كل سنة الميزانية وحساب الأرباح والخسائر على السنة المنتهية وتقريرا عن عمليات المصرف خلالها. وينشر الميزانية والتقرير في الجريدة الرسمية خلال الشهر الذي يلي تقديمها لوزير المالية". ان الهدف من هذه المادة هو مراقبة عمليات مصرف لبنان واعتماد الشفافية في الإفصاح عنها. ولكننا إلى الآن لم نطلع على تقرير شامل يوضح العمليات التي يقوم بها مصرف لبنان تحت عنوان "الهندسة المالية". ما هي هذه العمليات؟ ولماذا تجري؟ وكم تبلغ كلفتها؟ وهل نجحت بتحقيق أهدافها؟ وما هو أثرها على الاقتصاد والمالية العامة؟ ان سياسة رفع أسعار الفائدة والهندسات المالية هي من الأسباب البارزة لرفع كلفة تمويل الدولة والاقتصاد، وبالتالي لا يمكن تصور إصلاح جدي للمالية العامة لا يتضمن إصلاحا موازيا للسياسة النقدية، وكذلك إصلاحا لسياسات الدعم والحوافز لجعلها أكثر استجابة للنهوض بالإنتاج والخدمات ذات القيمة المضافة العالية".
وتابع: "إن هذه الإجراءات هي بعض من مقترحات عملية طرحتها في جلسة مجلس الوزراء اليوم. استثنيت منها الحديث عن ضرورة الانتهاء سريعا جدا من موضوع قطاع الكهرباء، على اعتبار أن المساعي حثيثة لانجازه والتوافق عليه".
وختم: "أتوجه إلى اللبنانيين قائلا: مرة جديدة نحن أمام تحديات وطنية صعبة، وهذه المرة لها طابع اقتصادي. لكنني واثق بقدرتنا على تجاوزها بوعينا، وتضامننا، وترفعنا عن صغائر الخلافات والمحاصصات والمناكفات وتحمل المسؤولية. وانني من موقعي كوزير للاقتصاد وكتيار سياسي اصلاحي، نتحمل مسؤوليتنا تجاه الناس والبلد وسنواصل العمل لنتجاوز هذه الظروف الدقيقة. كونوا على ثقة سنتجاوزها".