رغم الانتقادات التي تتساقط على قوات أوكرانيا من كل الاتجاهات بسبب عدم إحرازها تقدماً ملحوظاً على الجبهات التي اشتعلت منذ بدأت هجوماً مضاداً قالت إنها شرعت به لاستعادة الأراضي التي خضعت لسيطرة موسكو منذ بداية الحربة المستعرة منذ فبراير شباط 2022، وكذلك اعتراف حلفاء أوكرانيا الغربيين بأن الهجوم لم يحقق النتائج المرجوة منه، إلا أن تقارير أمريكية أكدت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمهل وزير دفاعه سيرغي شويغو شهراً واحداً لإنهاء الهجوم.
وقال معهد دراسات الحرب في تقرير له نقلاً عن مصادر مطلعة في الكرملين، إن «بوتين أعطى شويغو مهلة لشهر واحد حتى أوائل أكتوبر لتحسين الوضع على الخطوط الأمامية، ووقف الهجوم المضاد الأوكراني، وجعل القوات الروسية تستعيد زمام المبادرة، للانطلاق في عملية هجومية ضد مدينة أكبر».
هجمات بلا هوادة
وأوضح المعهد أن هذا يشير إلى أن القيادة العسكرية الروسية ربما تأمر بشن هجمات مضادة لا هوادة فيها على أمل إجبار الهجوم المضاد الأوكراني على بلوغ ذروته، حتى على حساب القدرات العسكرية الروسية.
وسلط معهد دراسات الحرب الضوء على حالات قامت فيها وزارة الدفاع الروسية بتكثيف جهودها لتطهير القادة الذين قدموا آراء ونصائح صادقة ولكن سلبية، وسعوا لتحقيق أهداف عسكرية غير قابلة للتحقيق على حساب القوات الروسية».
وأضاف: «المقاومة الروسية للتنازل قد تكون مرتبطة بمحاولات القادة العسكريين والمسؤولين الروس لاستخدام الهجوم المضاد لتحقيق أهداف سياسية، أو يمكن أن تنجم عن الإدارة الجزئية لبوتين للمعركة».
الهجوم لا يحرز تقدماً
وبدأت أوكرانيا هجومها المضاد الكبير في أوائل يونيو/حزيران بهدف استعادة الأراضي التي خضعت لسيطرة القوات الروسية، وشنت هجومها في ثلاث نقاط عبر خط المواجهة الذي يزيد طوله على 965 كم.
وركزت في الهجوم على المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة زابورجيا، حيث إنها المنطقة الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية.
ويرى محللون عسكريون أن الهجوم الأوكراني المضاد إذا بقيت له أي فرصة للنجاح خصوصاً في اتجاه نحو بحر آزوف، فقد يؤدي إلى قطع خطوط الإمداد الروسية التي تربط مدينة روستوف أون دون الروسية بشبه جزيرة القرم.
وإذا تمكنت أوكرانيا من قطع طريق الإمداد الرئيسي هذا، فستجد روسيا أنه من المستحيل الحفاظ على حاميتها الضخمة في شبه جزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014.
لكن لم يحرز أي تقدم كبير على هذه الجبهة، باستثناء المنطقة المحيطة بقريتي روبوتين، وفيربوفي في منطقة زابورجيا.
أوكرانيا تقر
ومن جانبه أقر رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية أندريه يرماك في وقت سابق، بأن الهجوم المضاد لكييف الذي يواجه مقاومة القوات الروسية «لا يحرز تقدماً سريعاً».
وقال يرماك لصحفيين: «لا يحرز (الهجوم) تقدماً سريعاً»، مضيفاً: «إذا رأينا أن أمراً ما لا يسير على ما يرام، سنقول ذلك. لا أحد يريد تضخيم الوضع».
وأكد أن الحلفاء الغربيين لا يمارسون ضغطاً على كييف في هذا الصدد، وقال: «ليس هناك أي ضغط، فقط سؤال: كيف يمكننا أن نساعدكم؟».
وتابع يرماك الذي يعد اليد اليمنى للرئيس فولوديمير زيلينسكي: «الجميع في العالم يدركون أنه يستحيل ممارسة ضغط على أوكرانيا».
خسائر فادحة
ومع بداية سبتمبر الحالي، كشف وزير الدفاع الروسي الذي بصدد دخول المعركة الحاسمة مع القوات الأوكرانية المهاجمة لخطوط الدفاع الروسية، عن حجم الخسائر التي تكبدتها كييف منذ بدئها الهجوم المضاد، وأوضح أن قوات أوكرانيا تهاجم أهدافاً مدنية وتصور هذه الهجمات على أنها انتصارات عسكرية في محاولة لإخفاء فشل الهجوم المضاد.
وأضاف أن القوات الروسية أسقطت خلال الشهر الأخير أكثر من 1000 مسيرة أطلقتها قوات كييف، واعترضت 159 قذيفة صاروخية أطلقتها أنظمة «هيمارس»، و13 صاروخ كروز.
إلى ذلك، شدد على أن قوات كييف تتكبد خسائر فادحة، وتحاول شن هجوم مضاد للشهر الثالث، دون أن تحقق أي تقدم على أي محور، وتحاول كييف يائسة أن تظهر للغرب بعض النجاح على الأقل، ولكن نتيجة لذلك لن يؤدي ذلك إلا إلى إطالة أمد الصراع، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن القوات الروسية تمكنت من تعزيز مواقعها في اتجاه كوبيانسك في مقاطعة خاركوف، بشكل كبير على طول الخط الأمامي.
دفاعات أقوى مما يعتقده الغرب
وعزا رئيس أركان القوات المسلحة البريطانية توني راداكين، ذلك البطء الشديد في حركة الهجوم وضعف الهجوم وغياب نتائجه الملموسة إلى صلابة خطوط الدفاع الروسية، مشيراً إلى أنها أقوى مما يعتقده الغرب.
وفي رأيه، ينبغي للمراقبين الخارجيين أن يخفضوا توقعاتهم لنتائج الهجوم المضاد الأوكراني على المدى القصير، ويعتقد راداكين أن هناك بالفعل «حرب استنزاف» في الوقت الحاضر، حيث يتطلب الفوز فيها قوة عسكرية واقتصادية.
ونقلت صحيفة «تايمز» عنه قوله: «الجيوش تفوز بالمعارك، لكن الاقتصاد والاستدامة هما اللذان ينتصران في الحروب عادة».
وأكد راداكين أن مهمة القوات الأوكرانية معقدة بسبب الافتقار إلى التدريب العسكري بين الجنود الأوكرانيين المعبئين، فضلاً عن عدم تجانس الأسلحة، حيث توجد معدات من الحقبة السوفيتية ومعدات على الطراز الغربي، إضافة إلى ذلك، ألمح إلى أن كييف تأخرت في قرارها بشن هجوم مضاد.
وقال الأدميرال البريطاني الذي زار كييف الخميس، مع وزير دفاع المملكة غرانت شابس: «إذا نظرت إلى بداية الهجوم المضاد، فقد كانت هناك لحظات أرادت فيها أوكرانيا الحصول على المزيد من المعدات والذخيرة».
ثم جاء الطقس السيئ، وأثر ذلك في بداية الهجوم المضاد، ثم كان هناك تحليل عسكري في ما يتعلق بقدرات روسيا، وبعد ذلك [اتضح] أن بعض الدفاعات الروسية كانت في الواقع أقوى مما كان يعتقد في الأصل».
ونشرت كييف في بدايات الهجوم، ألوية مدربة من قبل «الناتو» وتحمل أسلحة غربية، بما في ذلك دبابات «ليوبارد» التي نُشرت على نطاق واسع على أرض المعركة، ثم أخذت لقطات لعدد من الآليات العسكرية المحترقة في ساحة المعركة، فأحدثت صدى واسعاً في الغرب.
من جانبه، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 21 يوليو الماضي، بأنه لا توجد نتائج بالنسبة للقوات الأوكرانية، و«القيمون الغربيون محبطون بشكل واضح» من مسار الهجوم المضاد، حيث لم تساعد أوكرانيا لا تلك الموارد الهائلة التي تم ضخها هناك، ولا توريد الأسلحة والدبابات والمدفعية والمدرعات والصواريخ، ولا إرسال آلاف العسكريين والمستشارين.