تخليدا لذكرى المونسنيور الراحل حنا الحلو وبعد قرار مجلس بلدية صيدا اطلاق اسمه على احد شوارع المدينة " عربون وفاء وتقدير لدور ومسيرة الراحل الحلو في منطقة صيدا(منذ العام 1950 وحتى وفاته 2009) ولروح الإنفتاح التي تميز بها "، احتفلت مطرانية صيدا ودير القمر للموارنة وبلدية المدينة بإزاحة الستارة عن لوحة تحمل اسم الراحل الحلو عند مدخل الشارع المذكور وهو الشارع المقابل لمطرانية صيدا للموارنة في محلة البوابة الفوقا وصولا حتى الشارع المحاذي لمكتب الآثار .
وسبق ذلك قداس واحتفال بالمناسبة اقيم في كاتدرائية مار الياس في المطرانية شارك فيه "ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مطران صور للموارنة شكرالله نبيل الحاج ، السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتيري ، والنواب " بهية الحريري ، علي عسيران ، أسامة سعد وفريد البستاني وإبراهيم عازار وسليم خوري " والنائب بلال عبدالله ممثلا رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، ومفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، ومفتي صيدا الجعفري الشيخ محمد عسيران، ومطران صيدا ودير القمر للموارنة مارون العمار ومطران صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك إيلي بشار الحداد، ومطران صيدا ومرجعيون للروم الأرثوذكس الياس الكفوري، ومطران الشام للموارنة سمير نصار، ورئيس بلدية صيدا محمد السعودي ورئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبوكسم، والرئيس العام للرهبانية المخلصية الأرشمندريت أنطوان ديب ، وممثلون عن احزاب وقوى سياسية وشخصيات روحية إسلامية ومسيحية. وفاعليات إقتصادية وإجتماعية وعائلة المونسنيور الراحل يوحنا الحلو.
العمار
بعد تقديم من عضو مجلس بلدية صيدا الدكتور عبد الله كنعان ، تحدث المطران مارون العمار الذي استذكر بعضا من مآثر ومواقف الراحل مستعرضا مسيرته الانسانية والكهنوتية وعلاقته بمدينة صيدا خصوصا وقال"دخلَ هذه المدينةِ الطيِّبةِ بِثوبٍ أسودَ وقَلبٍ أبيض، وقائِمَةٍ معتدِلَة، وهامَةٍ مرفوعةٍ وجَبينٍ ناطقٍ بالفِكرِ والمعرِفة .سُرعانَ ما تأقلَمَ ابْنُ العائِلةِ العريقةِ الآتي مِنْ قريةِ وادي جزين الوادعةِ ومِنْ معهدٍ علميٍّ راقٍ، معَ أهلِ المدينةِ ورُوَّادِها منْ خلالِ التُّجّارِ وَالباعَةِ والعَامَّةِ والأعيانِ والعُلماءِ مِنْ رجالِ دينٍ ودُنيا، وبخاصةٍ منْ خلالِ تجرُبتِهِ التربويّةِ والتعليميَّةِ مَعَ آلافِ التلاميذ، تلكَ التي مارسَهَا سنواتٍ طويلٍة في مدرسةِ الإخوةِ المريميين، التي كانَ يستمْتِعُ بالذهابِ إليها والعودةِ منها إلى الدار، عبْرَ هذا الممرِّ الآمِنِ الخالي منْ زحمةِ الناسِ والسيّارات، والتي أحسَنَ مجلسُ بلديةِ صيدا بإطلاقِ اسمهِ عليها؛ ولاحِقًا في مدرستِه المُتواضِعةِ وفي الثانويةِ حيثُ كان مُكلَّفًا بالإرشادِ المسيحيِّ والتثقيفيّ للتلامِذَةِ الثّانويّين، وبعدها في حقلِ تعليمِ أصولِ الترجمةِ والتعريبِ بينَ الفرنسيَّةِ والعربيَّةِ اللَّتينِ كانَ يَملِكُهُما من ناصِيَتِهِما، كما اللاتينيةِ التي نَقَلَ عنْها بعضًا من مُؤلفاتِ القديسِ أوغسطينوس".
واضاف"تولَّى خِدمة رعيةِ صيدا، فدبَّرَها بحكمةٍ وبذْلٍ وتضحيةٍ وعطفٍ ومحبة. جمعَ أبناءَها، فاجتمعوا وبادلُوهُ المحبَّةَ والاحترام . وبمحبَّةِ الأبِ لأبنائِه، عاشَ معهم أحداثَ صيفِ 1958 الأليمة، فعمِلَ بكلِّ ما أوتِي مِنْ إيمانٍ وغَيرةٍ على إسعافِ جريحٍ وإغاثةِ مظلومٍ وإطلاقِ أسيرٍ وجَبْرِ خاطِرِ كسِير.وتوالَتْ الأحداثُ الأليمةُ على الوطنِ وعلى المدينةِ التي أحبَّها وصرَفَ زَهْرَةَ حياتِهِ في أعوام 1970 و 1973 و 1975 و1976 و1977.ثمَّ كانَ الاجتياحُ الغادرُ صيفَ 1982، الذي كادَ أن يَقضِيَ، لولاَ لُطفِ الله، على جميعِ الذينَ احتمَوا في مبنى المطرانية، الذي لَمْ يَسْلَمْ مِنْ قذائِفَ مدفعيةٍ أو طيران".
وبعدَ أنْ ألقِيَ السلاح، كانَتْ لهُ جولاتٌ وصَولاتٌ وطنيّةٌ وإنسانيّةٌ لِلْحَدِّ مِنْ نتائجِ الويلاتِ التي تسبَّبتْ بها الحربُ على جميعِ الصُّعد. وبعد انسحابِ المُعتدي، وما تَلاهُ مِنْ تهجيرٍ ومآسٍ، لم تُوفِّرْ بشرًا ولا حجرًا، رأى أنَّ واجِبَهُ يُحتِّمُ عليهِ الصمودَ في مقرِّهِ في صيدا، ليعمَلَ، منذُ تلكَ اللحظة، وفي أسوإِ الظروف، على إعادةِ المُهجَّرين إلى ديارِهم بمختلفِ الوسائِلِ المُتاحة. واللهُ يشهَدُ على ما عانَاهُ طوالَ تلكَ الحقبةِ السوداء، مُحتمِلاً الضيقاتِ والمشقّاتِ وحتى الجوع، غاضًّا الطَّرْفَ عنِ الإساءَاتِ والشتائِم، صابِرًا على المظالِمِ والشدائدِ من الأقربين والأبعيدين. وفي كُلِّ ذلكَ ما توسَّلَ خدمَةً أو مِنَّةً من أحدٍ إلاَّ لمظلوم.
وخلص للقول "ليسَتْ هذه هي المرةُ الأولى التي تُكرِّمُ فيها صيدا هذا الكاهنَ النبيلَ الجليل، فهذا شأنُهَا مَعَهُ ومَعَ كُلِّ رجُلٍ مِعطاء، لِذا يُسعِدُنا أن نُكرِّرَ شُكرَنا لصيدا الأمينةِ لجِيرانِها، ولتارِيخِها العريق، ممثَّلَةً بمجلسِ بلديَّتِها ونائبِيها وأعيَانِها من رجَالِ دينٍ ودنيا".
سوسان
والقى مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان كلمة بالمناسبة اعتبر فيها ان "المونسنيور حنا حلو شخصية مميزة في تاريخ صيدا وجزين وواديها، هادئ من دون تراخٍ، متواضع من دون ذُل، حازم من دون ظلم يملك قراره ويعرف وجهته، يتكلم بصمته في اكثر الأحيان وبابتسامته الدائمة التي لا تفارق محياه" وقال" عندما كلمني سيادة المطران عمار بان أشارك في تكريم هذا الانسان وتسمية شارع باسمه في صيدا شعرت بان بعض الحق قد أعيد له، وان بعض الرغبة قد هُيئت لي. تشاركنا معا في العمل الانساني والثقافي والتربوي والاجتماعي ولكنه كان دائما يسبقني بخطواته الواسعة ورؤيته الواضحة. خلال الاجتياح الاسرائيلي والفتن الطائفية والمذهبية ومقاومة العدو الاسرائيلي وتمزيق لبنان الى كانتونات ومناطق ذات لون طائفي او مذهبي بقي في المطرانية مع أهالي صيدا وكان رهانه دائما ان المشروع الوطني هو وحدة لبنان في ارضه وشعبه ومؤسساته. كان همزة الوصل بين جميع الطوائف في صيدا، كان معطاء ينادي بالمحبة والعيش المشترك والتسامح الذي دعا اليه دائما وأبدا خلال مسيرته الدينية".
وتطرق سوسان الى الوضع الداخلي فقال" نحن اليوم اذ نستذكر فقيدنا، نتوقف عند ما نشهده من التشنجات والتوترات السياسية والعبارات الاستفزازية والمصطلحات المثيرة للقلق والممارسات التي لا تؤسس الا للخوف وعدم الثقة بين مكوناتنا اللبنانية. وان من واجبنا ان نعمل معا بروح المسؤولية والتعاون وان نقف الى جانب مشروع بناء دولة الحق والقانون، ودولة العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، دولة خالية من الفساد ، دولة الأمن والعيش الكريم ، دولة العدل والاعتدال ، دولة الكفاءة والشفافية وتأمين فرص العمل للشباب اللبناني ".
واضاف" في تكريم فقيدنا المونسنيور حنا الحلو، نقول ان لا خوف على وحدتنا ولا خوف على مستقبلنا لان إرادة الحياة في نفوسنا أقوى من عبث العابثين والمصطادين في المياه العكر. اعود واؤكد ان التعايش هو دورة حياة مشتركة وطنية وانتمائية وليس شعارات ومصطلحات نطلقها بين الحين والآخر خصوصا في المناسبات".
السعودي
وبعد عرض فيلم عن حياة المونسنيور الراحل تحدث رئيس بلدية صيدا المهندس السعودي فأكد على دور صيدا كرمز للتعايش الإسلامي المسيحي، حيث" لطالما شكل ابناؤها حاضنة لبعضهم البعض على إختلاف أديانهم ومذاهبهم". وان "هذه الحاضنة في صيدا هي التي كانت وما زالت تبقي ابناء المدينة متمسكين بالبقاء فيها، رغم كل الظروف التي مر بها لبنان خاصة خلال الحرب الأهلية". وقال" من هذه الروحية، كان المونسينيور يوحنا الحلو، الذي أمضى 59 عاما في صيدا منذ( 1950 وحتى 2009) وعاش الإجتياح الإسرائيلي والحرب اللبنانية وكل ما مر على لبنان خلال هذه السنين، ولم يترك صيدا. كان يدعو إلى الوحدة الوطنية وتمتين العيش المشترك. يدعو المسيحيين والمسلمين على حد سواء إلى الثبات والبقاء في صيدا وعدم هجرها، و كان داعما اساسيا لاعادة إعمار البيوت المتضررة، وداعما لمشروع تأجير الأراضي الزراعية التي يملكها الوقف للشباب بسعر رمزي، كي يقرن القول بالعمل ويدعم بقوة أكبر قرار التمسك بالأرض والهوية.ولأنه محفور في قلوب الناس، تتشرف مدينة صيدا بأن ترفع إسم المونسنيور يوحنا الحلو على شارع من شوارعها، ليبقى شاهداً على أن صيدا هي مدينة المساجد والكنائس والرائدة في العيش المشترك".
وفي الختام قدم المطران العمار درعا تكريمية بإسم المطرانية الى المهندس السعودي. بعد ذلك توجه الحضور إلى شارع المونسنيور يوحنا الحلو حيث جرت إزاحة الستارة عن اللوحة التي تحمل إسمه ، ثم قاموا بقص شريط إفتتاح الشارع وجالوا في ارجائه.