مازن عبّود – اوكسيجين النهار
"إن الولايات المتحدة تطارد الصين وروسيا، وسيكون المسمار الأخير في النعش هو إيران، التي هي بالطبع الهدف الرئيسي لإسرائيل. لقد سمحنا للصين بزيادة قوتها العسكرية ولروسيا بالتعافي من السوفييتية، لمنحهم إحساسًا زائفًا بالشجاعة، وهذا سيخلق زوالًا أسرع لهم. نحن مثل القنّاص الذي ينتظر من يرفع بندقيته، فيحصل الانفجار الكبير. الحرب القادمة شديدة بحيث انه لا تفوز بها سوى قوة عظمى واحدة، وهي نحن. لذا، فالاتحاد الأوروبي مستعجل لتشكيل دولة عظمى كاملة لأنه يعرف ما سيأتي ...آه كم حلمت بهذه اللحظة المبهجة."
هنري كيسنجر (2011)
رحل هنري كيسينجر مختتما مرحلة هندسها ابتداء من الانفتاح على الصين وصولا الى الشرق الأوسط. نظرياته ستبقى تحرك الحكومة العميقة في الولايات المتحدة الامريكية للدفاع عن مسارات استراتيجية سطرها ولها انعكاسات على الاقتصاد العالمي وعلى واقع عالمنا اليوم. لكن ثمة ساحة وغى باردة استجدت جراء سياساته. فالصين والولايات المتحدة بدأتا تتبارزا على ريادة المستقبل والشرق الأوسط يغلي.
نكسب اليوم اقل، بدولار قدرته الشرائية اقل في خضم دول تكبلها الديون السيادية وفوائد تحد الاستدانة والنمو والتضخم. قدرة الدولار على الاحتفاظ بأدواره تتوقف على قدرة اميركا على السيطرة على ديونها، بحسب (2023PS.) EICHENGREEN. ساحات الحروب المستجدة لن تحامي عنه كثيرا.
يتوقع(2023) Spence et al. ان يخرج الذكاء الاصطناعي حلولا لازمة تراجع النمو المزمن بتوليده زيادة في الإنتاجية تقدر بإجمالي 15 تريليون دولار وفق ماكينزي (2023)، شريطة توجيهه لرفع الناتج المحلي الإجمالي، وليس فقط لخفض كلفة العمالة والنفقات. التحول إلى الطاقة النظيفة سيكون مكلفا وسيتطلب إنفاق رأسمالي إضافي قدره 3 تريليون دولار سنويا لعدة عقود من الزمن، وفقا لوكالة الطاقة الدولية وهذا أقرب إلى المستحيل.
يتوقعون ان يكون الذكاء الاصطناعي مع بداية العقد المقبل محركا للاقتصاد، فيتمكن من عكس الانخفاض المزمن في الإنتاجية للاقتصادات المتقدمة. لكن ماذا عن توزيع الثروات؟
الازمة في الهوة التي ستتسع جراء ذلك. ثمة تسابق مشحون لريادة المستقبل. Fouskas et al.(FA,2023) تناولوا جوانب الاقتصاد السياسي للصراع بين الصين كقوة صاعدة، والولايات المتحدة. اعتبروا بانّ الصين كانت المستفيد الرئيسي من العولمة الليبرالية الجديدة التي تظهّرت بعيد انهيار نظام Bretton-Woods في أواخر الستينيات. العولمة وسلاسل التوريد العالمية منحت الشركات الصينية الكثير من الميزات التفاضلية على حساب الشركات الغربية. اعتقد الامريكيون لعقود انّ الصين مصنع إمبراطوريتهم الاقتصادية التوسعية. الكوفيد كانت ورقة التين التي كشفت الاختلالات. وقد بدأ الغرب يستعد للمواجهة الكبرى. لكن عرش الإمبراطورية لم يشغر ولا الإمبراطور الامريكي راغب بتركه. لحظة التنازل الرسمي مازالت بعيدة. ما يقلق هو الوضع الداخلي في اميركا و"الأعراض المرضية" التي تبان في هيكل مجتمعهم.
كيف سنواجه التحديات ونحن غارقون في التفاهة والملل؟ نتنياهو لم يستطع ازالة حماس، ولن يتوقف. جبهة الجنوب لن تفتر. ننتظر دينامية دولية لحل بنيوي لن تكون متوفرة. بالمفرق سيكون دولار السوق هو الرسمي لكن بدون أموال مودعين وكابيتال كونترول ورفع للحد أدنى. وستتعطل الدولة أكثر. نفتش عن مواقع القرار، فيتكشف اللاقرار في المواقع والقصور. المطلوب من اللاعبين التحرك. على النواب انتخاب رئيس لن يغيّر كثيرا بل يشكل ضمانة، وهم لن يفعلوا. ثمة حروب ونيران ودماء كثيرة، ثمة تحديات. ثمة ميلاد بدون أحبة، من يضخّ في حياتنا واقتصادنا قليلا من رجاء، من يخرجنا من التفاهة؟