كتبت صحيفة "الشرق الأوسط": وفقاً لعدد من المؤشرات يبدو أن النظام الإيراني يقترب من النهاية، وعلى هذا الأساس هناك جهود حثيثة تُبذل من قِبل الدول الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وغيرها من الأطراف التي لديها مصالح في إيران تسعى للتأثير على الأحداث في ذلك البلد.
لم تتوفر حرية الصحافة للإيرانيين خلال فترة حكم الشاه وكذلك خلال حكم نظام ولاية الفقيه، ما يدفع المواطنين الإيرانيين إلى متابعة الأخبار والمعلومات من وسائل الإعلام الأجنبية بما فيها هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي فارسي»، وإذاعة «راديو فردا» الأميركية، و«دويتشه فيله» الألمانية، وتلفزيون «مانوتو»، ومحطة «إيران إنترناشيونال»، ومحطة «كلمة»، وعدد آخر ليس بالقليل من المحطات التلفزيونية والإذاعية التي تبث من لوس أنجليس.
وقد بيّنت نتائج استطلاع للرأي أُجري على المتابعين للأخبار في إيران أن خمس محطات فضائية تتصدر قائمة المحطات الأكثر انتشاراً في إيران على النحو التالي: صوت أميركا، وبي بي سي، ومانوتو، وإيران إنترناشيونال، وكلمة.
أولاً: قناة «صوت أميركا الفارسية» لديها نسبة أعلى من المشاهدات في إيران، وكانت قد توقفت عن البث بعد الثورة الإيرانية في عام 1979 ثم عاودت البث مجدداً عام 2001.
تم أطلقت فضائية «صوت أميركا» الناطقة باللغة الفارسية عام 1994 بميزانية بلغت 15 مليون دولار وتبلغ ميزانيتها حالياً نحو 20 مليون دولار سنوياً، كما يعمل فيها أكثر من 200 موظف دائم وعشرات المراسلين.
عُرف عن هذه القناة أنها تقع تحت تأثير العنصريين الإيرانيين منهم الملكيون المتطرفون الفرس وجماعات اللوبي الإيراني في واشنطن.
أما بعد الحركة الخضراء في عام 2009، ولجوء عدد كبير من الإصلاحيين إلى خارج البلاد، شغل بعضهم مناصب متقدمة في هذه الفضائية، مع هذا لا يوجد فيها من أبناء الشعوب غير الفارسية سواء من البلوش أو العرب أو التركمان أو غيرهم. كما لا يُسمح بحضور محللين سياسيين أو نشطاء من هذه الأقليات العرقية.
ومنذ أن ترك ويليام روس الخبير في الشأن الإيراني والذي كان يجيد اللغة الفارسية (توفي قبل فترة)، الإدارة العليا في هذه الفضائية، فإنها فقدت الكثير من المشاهدين. كما عارضت هذه الفضائية عملية إسقاط النظام ولكنها تشجع الإصلاحات الداخلية فقط، ونادراً ما تغطي أخبار الاحتجاجات والمظاهرات التي تندلع في المناطق القومية، كما أنها تعاني من سوء الإدارة وهبوط الروح المعنوية.
وتواجه القناة مشكلات داخلية كثيرة، وتعيش حالة توتر مستمر بين المديرين الإيرانيين والأميركيين فيما يتعلق بمستوى التأثير على الجمهور الإيراني.
ثانياً: افتُتح تلفزيون «بي بي سي» الفارسي عام 2009، لكن إذاعة «بي بي سي» الفارسية بدأت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، وذلك من أجل مواجهة تأثير الإذاعة الألمانية التي كانت تبث بالفارسية من برلين، وكذلك لمواجهة الدعاية الدولية المتنامية لقوى المحور، كما شرح البريطانيون، حيث كان رضا شاه قد أبدى تعاطفاً مع النازيين متأثراً بما كانت تبث إذاعتهم باللغة الفارسية.
وتفيد الاستطلاعات التي أُعلنت العام الماضي، أن لدى إذاعة «بي بي سي» الفارسية، ما يقارب من 9 ملايين مستمع في الأسبوع. ثم ارتفع عدد متابعي إذاعة «بي بي سي» بشكل غير مسبوق في السنوات التي سبقت الثورة عام 1979. وقد ساهمت بشكل كبير في وصول رجال الدين إلى دفة الحكم في إيران.
تبلغ ميزانية القناة الفضائية 15 مليون جنيه إسترليني سنوياً، ويعمل فيها ما يزيد قليلاً على 100 موظف، وتعد ثاني محطة بعد فضائية «صوت أميركا»، حيث تسعى للمحافظة على مشاهدي برامجها، خصوصاً أنها تقدم منتجاتها بمستوى مهني مطلوب، ولكن في السنوات الأخيرة، أي منذ فشل الحركة الخضراء وسيطرة عدد كبير من الإصلاحيين الذين فروا إلى أوروبا على القناة، أخذت المحطة تشجع الإصلاحات وتتبنى ما يُستشفّ منه أنه يؤدي إلى تقويم النظام وسياساته وعدم الترويج للإطاحة بالنظام أو إزالته.
ويطلق عليها المعارضون، على سبيل التقليل من شأنها، اسم «آية الله بي بي سي».
وما يثير الاهتمام، أن «بي بي سي» العربية التي ليس لديها الكثير من المشاهدين في إيران مثل «بي بي سي» الفارسية يطلق عليها أيضاً اسم «آية الله بي بي سي» بين ملايين العرب في إيران، لأنها لم تستضف أياً منهم في حين
تستضيف محللين عرباً عراقيين ولبنانيين موالين للنظام الإيراني للتعليق على الشؤون الإيرانية.
ثالثاً: فضائية «مانوتو» التي تأسست عام 2010 احتلت المرتبة الثالثة بعد «صوت أميركا» و«بي بي سي»، وهي مملوكة لتلفزيون «المرجان» الذي أنشأه مرجان وكاوه عباسي، وهما يعيشان في إسرائيل.
يقع مقرها في لندن وتشمل برامجها الأفلام الوثائقية والأفلام والمسلسلات الأجنبية المدبلجة والأخبار والتقارير.
ورغم الإقبال على برامجها ومسلسلاتها فإن الأخبار فيها منحازة للغاية، وقد بيّن تقرير صدر من مركز أبحاث مستقل في بريطانيا أن تمويل «مانوتو» يأتي من جهات مختلفة وأحياناً متعارضة مثل الأجهزة الأمنية الأميركية، وإسرائيل، وبريطانيا ومن كيانات إيرانية من داخل إيران، مما أثار الشكوك حول القناة.
ويوجه تلفزيون «مانوتو» برامجه إلى جيل الشباب المحرومين من أي وسيلة ترفيهية، كما أنه يعرِّف نشاط المعارضة من العرب والبلوش والأكراد على أنه نشاط إرهابي، وهي نفس المصطلحات التي يستخدمها النظام الإيراني في كثير من الأحيان. كما يستخدم التلفزيون صوراً ومقاطع وتحليلات سياسية يبثها تلفزيون «Press TV» الإيراني.
تروج القناة لعودة الملكية في إيران ولديها سياسة عنصرية واضحة تجاه غير الفرس وبدأت عملها بميزانية ضخمة، كما قدمت إغراءات للموظفين العاملين في «بي بي سي» و«صوت أميركا» للعمل فيها، وغالبية مشاهديها من بين الشباب الإيرانيين المتعطشين إلى الترفيه الغربي، ومعظمهم في طهران العاصمة. لكنها لا توجه أي دعم إلى الشعوب المهمشة وغير الفارسية.
رابعاً: قناة «إيران إنترناشيونال» أُطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، ومقرها في لندن، وتحقق نجاحاً حتى الآن في استقطاب مشاهدين في إيران على الرغم من عدم الإعلان عن أهدافها أو عن مهمتها، وقد تم اختيار إدارتها من الإصلاحيين المقربين إلى محمد خاتمي.
عزل أغلبهم نفسه عن النظام كلياً بعد خروجه من البلاد، بعضهم صحافيون محترفون ولكن هناك عدداً من العاملين فيها غير مهنيين، ويتم تعيينهم لأسباب عائلية أو بسبب الصداقات، وهكذا. كما استخدمت القناة أشخاصاً معروفين من القوميين المتطرفين، ويكرهون العرب مثل غالبية النخبة الإيرانية.
مع هذا تعد قناة ناجحة حتى الآن وذلك عبر تقديم برامج نوعية وقيمة، كما أنها فتحت أبوابها لبعض تيارات المعارضة الإيرانية والمجموعات القومية غير الفارسية التي تعاني من الاضطهاد القومي، حيث تشكل ما لا يقل عن 70% من السكان في إيران. ويموّل الشركة أشخاص وشركات تجارية وتبلغ تكاليفها نحو 20 مليون دولار سنوياً.
ومن المؤسف أن هذه القناة استقطبت بعض الإعلاميين من «بي بي سي»، و«صوت أميركا»، الذين كانوا قد تم طردهم بسبب عملهم السابق لوكالات وصحف إيرانية في طهران.
خامساً: قناة «كلمة» الفضائية بدأت بثها ببرامج دينية من دولة الإمارات العربية المتحدة قبل 8 سنوات، كونها تعد الممثلة الوحيدة لصوت أهل السنة في إيران الذين يتجاوز عددهم ثلث السكان في البلاد. وقد تمكنت هذه المحطة من أن تستقطب المشاهدين من أبناء المناطق السنية في إيران مثل البلوش والكرد والتركمان والعرب الأهوازيين.
لكنها في العام الماضي أخذت منحى جديداً وبدأت في بث برامج مدنية وبرامج مستقلة للجماعات العرقية غير السنية في مختلف الأقاليم، مما جعل منها فضائية ناجحة للغاية في كسب مشاهدين من أبناء تلك الأقاليم.
هذا الانفتاح على الأقليات غير الفارسية المضطهدة في إيران جعلها تتحول من فضائية دينية إلى قناة ناطقة باسم الجميع في إيران. ومن حيث نطاق البث بدأت تتوسع وتبث على 3 أقمار صناعية رئيسية، تعادل «بي بي سي» و«صوت أميركا» في تأثيرها على الجمهور الإيراني. علاوة على ذلك شهدت تطوراً لافتاً من خلال انفتاحها على المرأة وقضية الحجاب. على سبيل المثال استضافت القناة شيرين عبادي، الحائزة جائزة نوبل، وغيرها من المحاميات الإيرانيات البارزات والناشطات في مجال السياسة والدفاع عن حقوق الإنسان.
النتيجة: بما أن النظام الإيراني فقد شرعيته أكثر من أي وقت مضى بين أبناء الشعوب المختلفة، خصوصاً بعد عودة العقوبات وما يترتب عليها من ضغوط على الشعب فإن الإيرانيين يعيشون أجواء مشحونة ويهتمون كثيراً بمتابعة ما يجري في إيران من أجل الحصول على تحليلات موثقة وموضوعية من شأنها المساعدة في التعجيل بإسقاط النظام، ولعل لهذا السبب أصبح من الأهمية بمكان التأثير على الرأي العام في إيران.
وربما لهذا السبب أقدم بعض المنابر الإعلامية منها «صوت أميركا» الفارسية و«بي بي سي» و«دويتشه فيله» على توسيع ساعات البث المباشر وتنويع برامجها وكذلك تطوير خدماتها للتطبيقات على الهواتف الجوالة.