مازن عبّود
" أدواتنا ومؤسساتنا المتعددة الأطراف غير قادرة على الاستجابة بفعالية التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية والتكنولوجية التي نواجهها اليوم. والغد سيكون أصعب وأخطر".
كلمات قالها غوتيرس(2024) في افتتاح قمة كان يتوجب ان تكون للمستقبل في نيويورك. وقد أجهض مقرراتها الروس لعدم مواءمتها مصالحهم.
ومع احتدام الحرب، نسأل: اي مستقبل ينتظرنا بوجود رؤساء لا يؤمنون بالأمم المتحدة والسلام، وأي نظام عالمي نتوقعه في ظل تصدع الدول كلبنان ووصول قادة كنتنياهو؟
فالقادة الشعبويون بحسب كوفي انان يبسطون القضايا المعقدة ويقدمون حلولا سهلة على حساب التعاون الدولي والدبلوماسية والسلام والاستقرار.
دخلنا وفق Spence (2023Project Syndicate,) عصر الاقتصاد السياسي، بحيث انّ الأسواق وحوافزها لم تعد تحرك الحكومات. السياسات العاصفة عوائق امام الاقتصاد. فالحوكمة العالمية التي كانت متجانسة وغير مستقرة، ما عادت. الرأسمالية قادت العالم الى الازدهار بفعل الحوكمة وثبات النماذج والخصائص الاقتصادية للدول، لكن ليس بعد ترامب! فبعده صارت الحوكمة عاملا معطلا. فلم يعد تدفق السلع، ورأس المال، والتكنولوجيا، والبشر حرا. وكي يعاود الاقتصاد العالمي نموه يتوجب البحث عن حوكمة بارضيات مشتركة.
البارحة اغتيل امين عام حزب الله، على طريق القدس كما تمنى. اغتياله مؤشر لبروز معادلات جديدة بوسائل جديدة. تتم إزالة أسباب عدم اليقين. بدأ العمل على تظهير مرحلة الصفقة الإبراهيمية (2020) التي تتطلب استقرارا امنيا وسياسيا. فالمطلوب ان يبقى الشرق الأوسط امريكيا.
السنوار اخرج من السجن، اوصل الى اعلى الهرم. اتخذ خطوات تفجيرية، اعطت ذرائعا لنتنياهو. مساره وتوقيته وشخصيته وحمايته عوامل ملتبسة. اما إيران اليوم اتحاد سوفيات التسعينات.
تصميم الديمقراطية التوافقية اللبنانية لم يتلاءم مع واقع ما بعد اسرائيل. الأداء الضعيف لبنيتنا المؤسسية جعل القوى الفاعلة تعبر عن عدم رضاها (هيرشمان، وبوتنام، 1970) بالهجرة او بفرض التغيير. الهجرة غير المتوفرة والتغيير المستحيل دفعا بشريحة الى إرساء دولة بهوية دينية في اللادولة. كيان اعطى المكوّن حماية وقوة وقدرة الى ان تفجر بهم وتدمّر البلد.
ومازالت الهجرة غير متاحة للعوام، بل محصورة بالأكثر ثراء أو الأعلى تعليما. فاليد العاملة لا تلزم للاقتصادات التكنولوجية العالية. جامعاتنا الممتازة شكّلت وتشكل بوابات خروج نخبنا. فمتى تتحوّل الى محركات نمو؟
اليوم ينهار نظام إقليمي، وننتظر آخر. وسيكون لتفجر الإقليم تداعيات على النسيج. خراب حرب الاسناد يضع ثقلا على بلد مثقل بالديون والعجز، فالدمار والموت ميزات الجحيم اللبناني. حرام ما يجري!
وستنتهي الحرب حتما. وسنناقش كيفية القيام ودخول العصر بصيغة تعالج مخاوفنا وتراعي العصر، وتسترنا جميعا. فحصرية القوة التي خرجت عن الدولة جلبت لنا الويلات. لذا، يتوجب اعادتها الى حيث يجب ان تكون. نعم، لدولة بيئة مؤسسية تدعم الأعمال، وتحفّز الجامعات، فتقصي غير الجيد فتفعل جودة رأس المال البشري. ترسي اطرا تنظيمية للاقتصاد وتستثمر في البنى التحتية الرقمية. فتعود الكهرباء الى السلطة والتمويل الى البلد والقوانين الى المحاكم والانفاذ الى العقود. قليل لا يتطلب أموالا بل قواعدا. ليس صعبا علينا الانضمام لاقتصادات الغد وبكلفة قليلة. فتكاليف شركات الخدمات الرقمية محصورة بالبرمجيات والتطوير. وخدمات الحوسبة السحابية تلغي الحاجة إلى إنشاء وإدارة بنية تحتية ضخمة لتكنولوجيا المعلومات. خدمات تجعل التكاليف الهامشية لإضافة عملاء محتملين منخفضة. مما يجعل التوسع تحديًا بسيطًا (Spence,2022). لكن كل ذلك يتطلب عيشنا الحاضر، في ظل عجزنا عن التوافق على الماضي، فننطلق الى المستقبل