من غرفة عمليات إدارة الكوارث بمركز محافظة لبنان الجنوبي في سراي صيدا الحكومي يتابع المحافظ منصور ضو مع غرف عمليات اتحادات البلديات والبلديات على مدار اليوم والساعة جهود إغاثة النازحين التي تنخرط فيها كافة الجهات الرسمية والبلدية والأهلية والإنسانية على صعيد أقضية المحافظة الثلاثة " صيدا وصور وجزين "، وينسق بشأنها مع غرفة العمليات المركزية ووزارة الداخلية والبلديات والوزارات المختصة ، ويتسلم من فريق غرفة عمليات المحافظة تباعاً التقارير والأرقام الواردة من البلديات ومراكز الإيواء واحتياجاتها ويعطي توجيهاته بشأنها، وقلبه وفكره مع العائلات التي لا تزال في مراكز إيواء في مناطق الخطر ومع من تبقى من مواطنين صامدين في بلداتهم وقراهم التي تتعرض يومياً للغارات الإسرائيلية ، يتابع مع الصليب الأحمر تأمين ما تيسر من المساعدات اليهم ، ويعكف على اعداد خطط اخلاء وتأمين مراكز إيواء جديدة فيما لو فرضت التطورات الميدانية المتسارعة ذلك، وعلى متابعة تأمين وصول المساعدات الآتية من دول عربية وصديقة ومن منظمات دولية وإنسانية لتوزيعها بعدالة وشفافية على مراكز الإيواء الـ66 في المحافظة ، ولا يشغله كل ذلك عن السهر على الإستقرار والسلم الأهلي وعلى أمن هذه المراكز وانتظام سير رعاية نازحيها وتأمين احتياجاتهم ولو تطلّب منه كل ذلك مبيت ليال في مكتبه في المحافظة .
" مستقبل ويب " التقى المحافظ ضو وحاوره حول سير وآلية إدارة ملف النزوح جنوباً من مختلف جوانبه :
الحرب لم تبدأ في 23 أيلول!
* هل كانت محافظة الجنوب محضّرة لمواجهة تداعيات عدوان إسرائيلي ونزوح بهذا الحجم ؟
- من المعروف أن الحرب لم تبدأ في 23 أيلول 2024 بل بدأت في 8 تشرين الأول 2023، وبعكس باقي المحافظات لم نتفاجأ بأنه سيكون لدينا حركة نزوح . فمنذ 8 تشرين الأول 2023 حتى صبيحة 23 أيلول 2024 كان لدينا ما يقارب 100 ألف نازح في الجنوب ، منهم نسبة لا تتجاوز 10 او 12 بالمائة كانت في مراكز إيواء في صور وفي الزهراني وخصوصاً آخر 5 أشهر. ونحن تعاطينا مع الأزمة على مدار سنة كاملة. انما في 23 أيلول هذا العام كانت موجة النزوح الثانية او الثالثة ولكنها كانت على مستوى أكبر من المتوقع . لا نستطيع القول أننا تفاجأنا بهذا الرقم ، لكن للأسف لم يكن هناك خطة بمعنى الخطة لأسباب كثيرة ومتعددة وليس الآن هو الوقت المناسب لنحكي عن التقصير الذي حصل ولا لتحميل مسؤليات.. ولكن ربما لمرة في تاريخ لبنان وعندما تنتهي الأزمة يجب ان نحكي ونقول كل واحد أين قصّر وأين قام بدوره لنعرف في المرحلة المقبلة كيف يجب ان نتعاطى مع هذا الموضوع.
آلية إدارة النزوح
*كيف تدير محافظة الجنوب عملية الإغاثة للنازحين وما هي الآلية المتبعة وخاصة مع المناطق التي أصبحت تحت النار ، صور والزهراني ؟
- يوجد في المحافظة غرفة مركزية لإدارة الكوارث في الجنوب ، متفرع منها أكثر من غرفة. مثلاً على مستوى اتحاد بلديات صور هناك غرفة إدارة كانت موجودة اساساً، ولكن وفقا للآلية الجديدة لإدارة الكوارث التي بدأت سنة 2014 هذه الغرفة تتبع لنا وهي جزء لا يتجزأ من إدارتنا ومن غرفتنا. ونحن على مدار الأشهر العشرة الماضية كانت المحافظة على تواصل دائم معها وتهتم بكل تفصيل ، وكل المشاكل كنا نواجهها سوياً ونحلها سوياً. وكنا كمحافظة على اطلاع ساعة بساعة بما يحدث وكيف يتم تأمين مساعدات للنازحين وكيف يتم الإتصال مع المنظمات الدولية لنؤمن الخدمة والمساعدة للناس سواء في صور أو في قضاء الزهراني . واليوم لا يزال فريق العمل في اتحاد بلديات صور، ورئيس الإتحاد يقوم بدور كبير ورئيس الغرفة هناك مرتضى مهنا يقوم بعمل جبار ، لأنه حتى الآن لا زال هناك نازحون في مراكز إيواء في صور ( حوالي 700 نازح ) غير من بقيوا صامدين في البيوت، تؤمن لهم الخدمة والمساعدة وفقاً للإمكانيات المتاحة ولظروف الطريق التي أصبحت اليوم خطرة ، فنؤمن لهم بواسطة الصليب الأحمر اللبناني مشكوراً كل المساعدات التي نستطيع تأمينها ومنها المياه .
عدد النازحين وتوزعهم على الأقضية
*كم يبلغ عدد النازحين في محافظة الجنوب حتى الآن وكيف وأين يتوزعون ؟
- يبلغ عدد نازحي محافظة لبنان الجنوبي الموجودين في مراكز الإيواء 14279 نازحاً (3723 عائلة ) في66 مركزاً موزعين على الشكل التالي : في قضاء صيدا بما فيه صيدا المدينة 11687 نازحاً (2976 عائلة ) ، في قضاء جزين 1935 نازحاً (541 عائلة )، وفي صور 657 نازحاً (206 عائلات ). هذا الى جانب طبعاً العائلات النازحة التي استقرت في بيوت وشقق مستأجرة او عند أقارب وأصدقاء لهم والذين يجرب العمل على احصائهم لتأمين المساعدات اليهم . ولهذه الغاية أطلقنا كمحافظة استمارة الكترونية يستطيع المستفيد ان يملأها بالمعلومات اللازمة لمعرفة اين يتواجد وكيفية التواصل معه ، وهذه الداتا تجمع لدينا ليتم الإتصال الشخصي مع كل صاحب علاقة لنتأكد من المعلومات.
*ما هي خطتكم لتأمين مراكز إيواء للأعداد الجديدة من النازحين في ظل استمرار النزوح؟
-منذ حوالي 10 أيام أعلنا أن محافظة الجنوب أصبحت مكتظة بالنازحين ولم يبق لدينا مراكز إيواء لنستطيع استقبال الناس فيها. واذا جرت عملية اخلاء لمن تبقى من المواطنين في المناطق التي لا تزال تشهد نزوحاً واضطررنا لفتح مراكز إيواء جديدة، ليس أمامنا سوى أماكن في القطاع الخاص قد تساعدنا، وان نزيد قليلاً نسبة الإيواء في بعض المراكز الحالية، أو في مراكز أخرى نفضل أن لا نتحدث عنها الآن ونتركها لمرحلة تالية اذا اضطررنا. لكن لا شك انه حتى الآن النزوح مستمر، وعلى سبيل المثال فقط من منطقة صور استقبلنا الأسبوع الماضي أكثر من ألف نازح .
المساعدات وطريقة توزيعها
*كيف تقيّمون المساعدات التي تقدم للنازحين وهل هي كافية حتى الآن ؟
- نستطيع القول - وهذا نعتبره في ظل هذه الظروف الصعبة إنجازاً ورغم أن محافظة الجنوب هي من المحافظات المنكوبة - ان التقديمات على مستوى المحافظة حتى الآن جيدة ومقبولة، وربما تكون الأفضل لجهة تأمين مستلزمات الإيواء. فلم يعد لدينا في كل مراكز الإيواء مشكلة فرش ولا مشكلة حرامات ولا مشكلة حصص تنظيف، ولا يوجد مركز إيواء لا تصل اليه وجبة ساخنة على الأقل مرة في اليوم، حيث يتم تقديم وجبات الطعام بالتنسيق مع الجمعيات والمطابخ. وفي ظل المساعدات الجارية يتم العمل لمرحلة لاحقة من أجل تأمين وسيلة طبخ او مطابخ في كل مراكز الإيواء، خاصة وأن حجم المساعدات التي تأتي ونوعها تتضمن مواداً غذائية بحاجة لطبخ مثل الأرز والطحين وغيرهما، وسنحاول العمل على تأمين وتجهيز مطابخ في المراكز ليتسنى للنازحين أن يطبخوا فيها، وهناك جميعات لديها مطابخ كيف تكون آلية التنسيق بخصوصها مع البلديات لإدارة هذا الموضوع ولتصل الوجبة كاملة ونؤمن الغذاء على مدار كل شهر بشهره.
وبالنسبة للمنظمات الدولية التي تعمل معنا حتى الآن، كل يعمل وفقاً لإمكانياته . برنامج الغذاء العالمي يؤمن وجبات طعام ، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونيسف ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين وكل المنظمات الدولية تؤمن وفق الإمكانيات المتاحة لديها.. لكن هل هي كافية؟.. بالتأكيد لا ، هي ليست كافية لأن هذا الحجم من المساعدات او الإمكانيات المالية التي يعلمون بها ليس بحجم أزمة بهذا المستوى. نحكي بما يفوق المليون نازح على مستوى لبنان ، لذا يجب أن يكون هناك إمكانيات تكفي لهذا العدد وهذا اليوم غير متوفر . ونحن نشكر كل الجهات التي تقدم لنا المساعدات وخصوصاَ الدول العربية مشكورة : الإمارات العربية المتحدة حيث تسلمنا كجنوب ألف حصة هي دفعة من الدفعات التي تأتي، والأمر نفسه بالنسبة للمساعدات التي تأتي من دولة قطر ومن المملكة العربية السعودية . اليوم هذا الجسر الجوي الذي بدأ الى لبنان سيستمر لأيام وأسابيع مقبلة، ونحن نتوقع وهذا أملنا كبير وخصوصاً بالأشقاء العرب انهم لن يتركونا وهم لم يتركونا يوماً ، فإذا بقي حجم المساعدات يتزايد وفقاً للجسر الجوي الذي يأتي بها، يفترض من الآن ولعشرة أيام قادمة أن نبدأ بالتقاط أنفاسنا وتتأمن المساعدات والخدمة ليس فقط لمراكز الإيواء بل وأيضاً للنازحين في البيوت" .
*كيف يتم توزيع المساعدات ؟
- نفرز المساعدات على مستوى البلديات وتوزع فور وصولها من خلال البلديات على مستحقيها، وفق آلية محددة وشفافة لنتأكد من عدالة التوزيع ، ومعنا أيضاً شركاء أساسيون في موضوع التوزيع . فنظراً لأن محافظة الجنوب تحديداً لها طابع أمني خاص، هذا يحتم علينا أن يكون لدينا شراكة كما هي دائماً مع الصليب الأحمر الليناني الذي يساعدنا بنقل وتوزيع المساعدات ونعتبره شريكا أساسياً . ويتم توزيع المساعدات بإشراف مدراء المراكز والبلديات المختصة التي ايضاً لديها غرف عملياتها وتشرف على عملية التوزيع ، إضافة الى مراقبين من وزارة الشؤون الاجتماعية موجودين في كل المراكز . وهذا ينسحب على أي شيء نوزعه ليكون لدينا شفافية مطلقة . وكل شيء نوزعه سنعرضه لدينا يوماً بيوم ونقول لمن وزعنا وبأية طريقة . ويستطيع كل من يكلف من قبل الحكومة او الجهات المانحة وأي كان مستقبلاً أن يأتي ويطلع على سجلاتنا .
النزوح الفلسطيني والسوري
*كيف يتم التعاطي مع النزوح الفلسطيني والنزوح السوري من الجنوب؟
- نحن في أثناء الحرب او النزوح لم نكن نفرق بين نازح لبناني ونازح فلسطيني او سوري .. لأن هذا واجب إنساني وإجتماعي. نحن لا نترك أحداً في الطريق ولا نترك أحداً عرضة للخطر. وفيما خص النازح الفلسطيني كان هناك تنسيق مع وكالة الأنروا لنقل الأخوة الفلسطينيين من مخيمات صور الى بعض المدارس سواء في صيدا أو خارجها ، والأنروا قادرة حتى الآن على احتواء موجة النزوح الفلسطيني .
وفيما خص النازح السوري أيضاً، في أولى فترات النزوح استقبلناهم ولم نبقهم على الطريق، لكن اليوم في ظل الإمكانيات المتاحة، لا إمكانية لدينا لا تنظيمية ولا لوجستية ولا مادية لنغطي النازح اللبناني والسوري معاً، لذلك ننسق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة لنجد حلاً لهذا الموضوع .
ومن هنا نطلق عبركم صرخة للمنظمات الدولية لنتساعد سوياً ، ولنكون على تنسيق تام معها وخصوصاً مفوصية اللاجئين، لنجد حلاً للنازحين من الأخوة السوريين ليكونوا هم أيضاً في مكان مناسب أو لتسهيل عودتهم الى سوريا كما يجري مع قسم من النازحين الذين اختاروا العودة الطوعية الى سوريا . ولا ننسى أيضاً هناك لبنانيون كثر يذهبون الى سوريا كونها ملاذاً آمناً فكيف بالأحرى بالنازح السوري! .
أمن النزوح
*كرئيس لمجلس الأمن الفرعي في الجنوب ، ما هي الإجراءات المتخذة لمواكبة النزوح أمنياً في المراكز وفي المحافظة ككل ؟
- ليس فقط أمن المراكز، بل أيضاً هناك مواطنون يبقون قلقين على الأملاك الخاصة. ولذا اتخذنا تدابير بما خص حماية الأملاك الخاصة وحماية مراكز الإيواء. وحتى الآن لا مشكل في مراكز الإيواء يفوق الطبيعي، ربما تحدث بعض المشكلات الصغيرة وهذه تحدث أينما كان، ولا ترتقي الى مستوى يحتاج الى تدخل أمني، لكن جميع المراكز هي تحت أعيننا وأعين القوى الأمنية. وكل يوم هناك دوريات على كل مراكز الإيواء ونتعاون أيضاً مع شرطة البلديات التي تجول على مراكز الإيواء. ونحن على تواصل ساعة بساعة مع كل مدراء المراكز لنطمئن منهم على أوضاعها وحتى الآن نسبة المشاكل قليلة وخفيفة جداً. وهذا أمر يشكر عليه كل الذين يشتغلون بهذا الشأن وهو رهن بأمور كثيرة: أولاً وعي النازحين بشكل خاص ووعي المجتمع والبيئة المضيفة وحسن الإستقبال والتنسيق بين المجتمع المحلي لمعالجة أية مشكلة في مهدها وعدم السماح بأن تكبر .
يُشهد لصيدا بهذا الأمر!
*كيف تقيّمون استجابة مدينة صيدا للنزوح والنموذج التكافلي الذي تجسده في إغاثة النازحين ؟
- ما سأحكيه عن صيدا ينطبق على كل المدن والمناطق التي تستقبل نازحين، واسمح لنفسي أن أتحدث عن الجنوب لأنه المحافظة التي أهتم بها ، وكما رأيت في كل وسائل الإعلام هذا ينطبق على لبنان كله . لكن بالنسبة لصيدا ، ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها أهلنا من النازحين، وفي كل مرة يتبين لنا أن صيدا تقوم بدورها الإنساني وواجبها الوطني والأخلاقي ، وأن أحداً في صيدا لم يقصّر بهذا الخصوص، ومن كل شرائح المجتمع، من الجمعيات والكشافة والمدارس والمتطوعين والشخصيات والفاعليات والنواب ومن كل الناس لم يقصّر أحد. بالعكس، نرى أن هناك تسابقاً في صيدا على تأمين الخدمة لأهلنا النازحين وعلى أن يكونوا بجانبهم . ويُشهد لصيدا أنها لم تُشعر أحداً من النازحين أنه في غربة او أنه تارك بيته ، بالعكس هم في صيدا يشعرون أنهم لا زالوا في بيوتهم وبين أهلهم وناسهم" .
رأفت نعيم