مازن عبّود-النهار
"الهـابيتوس، كمنتج تاريخي، يولّد ممارسات فردية وجماعية تتوافق مع الظروف الاجتماعية التي نشأ فيها وبالتالي، تشكل الأنشطة الاقتصادية الهوية، حيث توجه السلوك والإدراك الذاتي." بورديو (1990)
اورد SADJADPOUR(2024) في مقاله في العدد الأخير لل Foreign Affairs انّ شاه ايران محمد رضا بهلوي دعا الملك فيصل قبيل خلعه الى تطوير المملكة العربية السعودية حفاظا على ملكه، فردّ الملك على الشاه العلماني النظرة والاوروبي التوجه مذكرا إياه بانّ 90 % من الشعب الإيراني مسلم، مما يجعل ملكه في خطر. سقط الشاه، حلّت الثورة وولاية الفقيه. وها انّ السعودية برؤية 2030 تتبارز وإيران برؤية 1979.
غلبة رؤية 1979 عندنا قوّضت الاقتصاد والحياة. جعلتنا محور حروب وصراعات لا تنتهي. يشرح بورديو في كتاب "منطق الممارسة (1990)" كيفية تشكل الهويات عبر "الهابيتوس". إسرائيل والسلاح الفلسطيني واثبات النفس والهرب من التهميش واشباح الماضي هابيتوس مرعب أنتج هوية قاتلة في لبنان. هوية استثمرت فيها ولاية الفقيه، فكان ما كان. وها انها تتفجر وتفجّر معها البلد. السعودية تبدّلت بعيّد 11 أيلول. قررت تحويل كل معتقل يسعى الى الاستشهاد الى مشروع للحياة.
لبنانيا، ستنتهي حتما الحرب الحالية، وبعد نهايتها سنسأل: من سيقنع شبابنا بضرورة العودة الى هوية جبل عامل، من سيحوّلهم لمشاريع عيش؟ ومن سيقنع خامات إسرائيل المتطرفين وبعض ساستها بأنّ "الغوييم" هم أيضا أبناء الله، وفي دائرة القداسة. من سيقنعهم بانّ القداسة للإنسان وليست لشعب يظن بانه وحده لله؟
ثورة 1979 ردة فعل اعتراضية ومدمرة على اجهاض الغرب لمصدقي والديمقراطية. فصارت إيران ولاية لفقيه يطوّع من حوله لخدمة نظريته. الانموذج السعودي اليوم يشبه العصر، ويشبهني أكثر. نسخته للإسلام تخدم السلام والرفاهية. تبدلت السعودية مع الأمير محمد بن سلمان. صارت تستثمر أكثر في نظرية روبرت سولو (نوبل للاقتصاد، 2012). اذ أدرك قادتها انّ النمو لا يرتبط فقط بتراكم رأس المال، بل بالتقدم التكنولوجي والتعلم الذي يولّد تغييرات تدريجية صغيرة. قوتها انها ترسل سبعين ألف تلميذ سنويا الى الجامعات الكبرى العالمية. اما إيران فتتراجع، نتيجة هجرة الكوادر. 150000 كادرا هجروا بلاد فارس في 2014. خسارة قدرت ب150 مليار دولار.
ما يجري يدفعنا الى السؤال: "اما حان ميقات السلام والتعلم، اما حان ميقات تغيير "الهابيتوس" القاتل على طرفيّ الحدود والمنطقة؟