المركزية - كرم وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري الشاعر طلال حيدر في حفل على مسرح كركلا في حرش تابت، تخلل حفل التكريم وثائقي أعده المايسترو عبد الحليم كركلا عن الصداقة التي جمعته مع طلال حيدر على مدى خمسة وسبعين عامًا، بالإضافة إلى مسيرته مع الأعمال الفنية لمسرح كركلا من خلال عرض لوحات فنية على وقع أغان من شعره ومن ألحان الفنان مارسيل خليفة.
حضر الحفل سفير قطر في لبنان سعود عبد الرحمن آل ثاني وممثل لكل من سفيري المغرب والهند، المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة، ممثل المنظمة العالمية للفرنكوفونية في لبنان ليفون اميرجنيان، رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران، وكوكبة من الشعراء وأهل الفكر والثقافة وفنانون واعلاميون واصدقاء المحتفى به والعائلة.
قدم الحفل الكاتب والمخرج والمسرحي رفعت طربيه الذي ألقى مقتطفات من شعر المحتفى به، وأشار إلى أن "طلال حيدر كان دائماً البطل الأول على مسرح كركلا"، وقال:"طلال حيدر، ابن الأصالة، ظل حتى العظم ابن الأرض، ابن بعلبك ولكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورة وايقاعاً راكباً صهيل الخيل.
كركلا: ثم كانت كلمة للمايسترو عبد الحليم كركلا رحب فيها بالحضور، ورأى أن "قصة العشقِ بين طلال حيدر وبين بعلبك كانت الإلهام لرؤيته في عالم الشعر"، وقال:"طلال حيدر أسطورة بعلبك، التي سَكَبَتْ في عَيْنَيْهِ نوراً منها وجَعَلَت من هيبةِ مَعَابِدِهَا حضناً دفيئًا لشعره. استفاق على حداء الشمس فَعَلَمَتَهُ أَن يَنظُرَ إلى ذاتِهِ ليرى النور، وسهر على ترانيم القمر، فعلمه الليل كيف يكون بشعره ساحرًا، قطف المعاني كلها منك يا بعلبك".
أضاف:"لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافيًا كَأَسَاطِيرِ الزَمَان غامضًا ساحرًا خارجًا عن المألوف، حَصَدَنَا مَواسم التراث معًا لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه".
وتابع:"من أجل مَجْدِكَ يا لبنان معًا لا نزال، وسنبقى معًا لنمضي نحو عالم جديد من الإبداع. أكثرُ من نصفِ قرنٍ ومسرح كركلا يحمل رسالة الثقافة العربية إلى أكبر دور الأوبرا والمسارح العالمية معبراً عن أصالةِ شعبٍ وثراءَ تاريخ، وخلال هذه المسيرة رافقني طلال إلى عواصم الحضارات".
وقال:"طلال حيدر مثل عبد الحليم كركلا ومثله مارسيل خليفة وغيرنا من شعراء وأدباء وفناني لبنان الكبار، هم أبناء وطن مساحته صغيرة ولكن رجالاته من الكبار الكبار، نقول عن طلال أنه بطل من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دومًا في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان".
مطر: من جهته لفت المحامي محمد مطر إلى أن "طلال حيدر يرى لبنان في وحدته وأحب جميع مكوناته وعناصره، أدخل بشعره الفرح والبهجة والجمال إلى قلوب شعبه، وهو من حوّل العامية من لهجة إلى لغة لبنانية محكية جامعة بعيداً من قدسية الفصحى".
أضاف:"اختار طلال حيدر الحرية دوماً وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان".
بزيع: بدوره رأى الشاعر شوقي بزيع أن "التئام هذا الاحتفال قبل أيام ثلاثة من التئام المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية، يتيح لمن يريد المقارنة ان يخلص الى الاستنتاج بأن الفارق بين قاعة وقاعة هو الفرق نفسه بين سطوح الاوطان واعماقها"، وقال:"لأن معنى لبنان الحقيقي هو معنى معرفي بامتياز، فاسمحوا لي باسمكم جميعاً، وبصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة في الكيان، أن أعلن طلال حيدر رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير".
وأشار إلى انه "خلافاً لمعظم الشعراء العرب، لا نعثر في شعر طلال حيدر على تفجع كربلائي أو تلذذ مازوشي بالألم، بل ثمة فرح بالوجود، يلاقيه في منتصف الطريق فرحه باللغة التي تبتعد عن الإنشاء السقيم والشروح المملة، لتتحلق حول نواتها".
زغيب: ورأى الشاعر هنري زغيب أنه "عندما يقترب الحاكم من المبدعين فهو يضمن خلوده على الزمان". وتحدث عن "الفرق بين العمل للدولة والعمل للوطن، وقال:"لبنان الدولة هو لبنان الجغرافيا والديموغرافيا، ولبنان ضئيل بالجغرافيا وقليل بالديموغرافيا ولكن لبنان الوطن جليل بـ"الإبداعوغرافيا"، وهذا ما تنبه له الوزير المكاري وقرّر العمل قليلاً للدولة كوزير يصرّف الأعمال وفي الوقت نفسه كوزير فعل يشتق الحدث ليخلد الإبداع في الزمان كما فعل اليوم بتكريم طلال حيدر، وهو بذلك يعمل للوطن وليس فقط للدولة".
وقال:"إننا اليوم في وطن طلال حيدر، والكلام عنه يبقى ضئيلاً أمام شعره".
خليفة: أما الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر فقال عن طلال حيدر:" بطل بقاعيّ، مأخوذ شعره من المتسكعين والباعة المتجولّين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة، بطل وصعلوك في آن ،حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره".
أضاف:"في الثمانين من عمر سريع يظلّ شاباً، خارجاً عن المألوف، متمرداً ، صوفيّ التأمل والروح والحلم والتوحّد. يحب ويغني ويرقص ويهذي ويستشعر وهو يعيش في الموت .بدائيّ ماكر، مصاب بحب الحياة، الفاحش والبريء إلى العالم، مربوط به على شغف ، مبهور بشعلة تلتهمه كما لو كانت نار الجحيم، شعلة تجعله ينبض بشيء من الجنون".
ورأى أن "لا احتمال للحياة خارج الخرافة. ولا جمال للحياة خارج الخرافة ولا حياة خارج هذا الشيء القليل او الكثير او التام من الجنون الذي هو الشعر . إنه الشعر الذي يتجسّد في هذا المجنون إلى حدّ الروح"، واشار إلى ان "كل شعر يضيء هو انتصار على الموت والحرب والوحشيّة والابادة الروحيّة والنفسيّة والجسديّة".
المكاري: ثم كانت كلمة للوزير المكاري فقال:"قالوا الكثير عنكَ وفيك. وأنا أقول: طلال حيدر "بيكفّي". اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً.. كبيراً بالقيمة طبعاً، وإن شاء الله بتضلّ "فجعان حياة" كما تقول، و"يمرق العمر عَ كتافك.. إنتَ شو خصّك".. "يا عمر عَ مهلك بعد في عندو فرح".
أضاف:"عاشقُ بعلبك تسلّل من قلعتِها. هو أحد أعْمِدَتِها، وقد حَمَلَ شِعْراً مُجنّحاً بمَذاقِ النبيذ المُعتّق وارْتَحَلَ نحو قِمّةِ الكلام ولا غَرَابة.. هكذا تفْعَلُ النُسور فوق بعلبك. طلال حيدر، لقد غنّيتَ لُبنان بِشِعْرِكَ، طلال حيدر لقد أغْنَيْتَ لُبنان بِشِعرِكَ، ولم تكن يوماً إلاّ ذاك المُتجدّد كأسطورة الإله الفينيقي، لم تكن يوماً إلاّ ذاك المُغْتَسِل بماءِ الجنون. وقد قال عنك الكبير غسان تويني ذات يوم: "عاقلٌ يُريد أن يتمثّل بالمجنون"، فيما أنتَ مجنونٌ ومجنونٌ ومجنون".
وتابع المكاري:"على قاعدة الكبار يُكرّمون الكبار، يُكرِّمُكَ في هذه الأمسية الجميلة الكبير عبد الحليم كركلّا، فإلى هذا المسرح أخَذْتَ الشعرَ مَعَكَ وطرَّزْتَ به مسرحيات عبد الحليم كركلّا تماماً كما طرّزْتَ أغنيات فيروز، ووديع الصافي، ومارسيل خليفة، وماجدة الماجِدة، وغيرهم وغيرهم من الكِبار الكِبار".
وأردف:"طلال حيدر كُنتَ شاعراً قبل أيّ شيء آخر، و"شِعْرُك أُغنية كيفما جاء" كما قال الراحل أنسي الحاج، وقد أظْهَرْتَ عبقريّة هذا الوطن الفريد، هذا الوطن العالمي على مستوى الفكر والإبداع. طلال حيدر أنتَ أميرٌ على منبر، أنتَ خالدٌ خُلودَ بَعَلْبَك، لُغتُك أنيقة بليغة مُتَوَهِّجَة، لُبنانيَّتُك نقيّة مُنفتِحة، وأسوارُ قصائدِكَ عالية كتيجان، طلال حيدر أنتَ قلعة، طلال حيدر أنت بَعَلْبَك".
ووجه المكاري شكراً خاصاً إلى رفعت طربيه وإلى كل من ساهم في نجاح هذا التكريم.
حيدر: وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر فشكر للوزير المكاري تكريمه ولكل من ساهم في إنجاح الحفل. وقال:" كان الصمت كلاماً، ثم اقترف الإنسان خطيئة اللغة. كتب رموزاً صوتية، اسمها الكلام، لينقل إلى الآخر ما لم يعد يستطيع أن ينقله إليه بإرسال صامت خفي، لأن الآخر كثر وبعد وصار غريباً. ولم يعد يستطيع أن ينقل إليه بالتوهج، لأن الآخر لم يعد المتلقي، عبر مسافة لا مرئية وزمن لا يقاس. صار الآخر آخراً حتى نهاية اللغة، فأتى الشعر ليسترجع عودة الآخر إلى دائرة النحن، كي لا نعبر مضيق الموت في وحشية الانفراد".
وأضاف:"من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور"، وشدد على أن "الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل".