أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، استقالته مساء الاثنين، فجأة ودون مقدمات وبشكل غير مألوف في تغريدة عبر "انستغرام"، معتذرا للشعب الإيراني عما قال إنها "أوجه قصور" دفعته للاستقالة.
وتصاعدت خلافات ظريف خلال الآونة الأخيرة مع المتشددين والحرس الثوري حول جدوى البقاء في الاتفاق النووي منذ أن انسحبت منه أميركا في مايو/أيار، وهناك الكثير من الملفات والضغوط التي من شأنها أن تدفع به للاستقالة.
وكان نواب التيار المتشدد قاموا باستدعاء ظريف عدة مرات أمام البرلمان ليجيب على أسئلتهم حول عودة العقوبات الأميركية وتأثيرها على الاقتصاد الإيراني، وغالباً ما شهدت تلك الجلسات مشادات كلامية وتبادلا للاتهامات.
وتزامنت استقالة ظريف مع زيارة رئيس النظام السوري إلى طهران للقاء المرشد خامنئي والرئيس حسن روحاني، حيث من المعروف أن ظريف رغم دعمه العلني للتدخل الإيراني في سوريا، إلا أنه على خلاف شديد مع الحرس الثوري حول كيفية إدارة نفوذ إيران هناك أو في سائر دول المنطقة.
كما أنه تعرض لهجوم عنيف من قبل الحرس الثوري والجهات اليمينية المقربة من المرشد بسبب تصريحات له في حوار مع صحيفة "لي بوينت" الفرنسية السبت (22 ديسمبر 2018) نفي خلالها أن يكون قادة النظام الإيراني قد صرحوا بتهديدات حول تدمير إسرائيل على الإطلاق.
وأكدت "لي بوينت" أن هذه التصريحات تتناقض مع مع نشره المرشد الأعلى، آية الله خامنئي على تويتر في 3 حزيران/يونيو، حيث كتب أن إسرائيل كانت "ورماً سرطانياً خبيثاً في المنطقة العربية التي أرادت اختطافها والقضاء عليها".
وكان ظريف قد تعهد للاتحاد الأوروبي بالدفع نحو التوقيع على اتفاقية (FATF) كجزء من تعهدات إيران بموجب الاتفاق النووي، لكن ذلك لم يتحقق جراء معارضة المتشددين الذي يرون أن التوقيع على هذه الاتفاقية يفتح الباب أمام إمكانية محاسبة إيران دولياً بسبب دعم تلك الجماعات الإرهابية كميليشيات حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي العراقي وغيرها.
وقال أمير أحمدي في مقال له بموقع "انتخاب" الحكومي، إن "تعيين جون بولتون مستشارًا ومديرًا لمجلس الأمن القومي الأميركي يعزز احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران"، مضيفاً أن "حكومة روحاني لا تستطيع القيام بالمواجهة السياسية والدبلوماسية لإدارة ترمب، ولذا يجب أن يتم استبدالها بحكومة عسكرية".
ومن المعروف أن محمد جواد ظريف ساهم بشكل أساسي في تأسيس أكبر لوبي إيراني بالولايات المتحدة وهو "المجلس القومي للإيرانيين في أميركا" والذي يعرف بـ"ناياك" وهو إختصار لـNational Iranian American Council (NIAC ) وبالفارسية "شوراي ملي ايرانيان أمريكا" والذي كان يتزعمه تريتا بارسي.
وتوسعت علاقات اللوبي داخل أميركا منذ أن كان محمد جواد ظريف مندوبا لإيران في الأمم المتحدة لمدة 5 سنوات (2002-2007) وذلك من خلال علاقاته بنواب الكونغرس والمجاميع السياسية وغرف الفكر ومراكز صنع القرار في أميركا.
ويروج ظريف وبتبعه نشطاء اللوبيات الايرانية على عدم إبراز عدم إبراز الشعارات الثورية كـ"الموت لأمريكا" و"الشيطان الأكبر" و"محو إسرائيل" وغيرها، واستبدالها بشعارات المرحلة التي أطلقها خامنئي وأسماها بـ"المرونة البطولية".
ينشط اللوبي الإيراني في الإعلام الغربي لتسويق إيران كشريك في الحرب على الإرهاب والقبول بدورها في المنطقة حتى لو كان على حساب استمرار دعم الأنظمة الديكتاتورية كنظام الأسد واستمرار اراقة دماء الأبرياء في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول.
ويساعد اللوبي الإيراني في هذا المجال، جماعات يسارية أميركية و مجموعات مناهضة للحرب والتي لديها علاقات مع النظام الإيراني منذ عهد أحمدي نجاد، بالاضافة إلى بعض الجماعات الليبرالية في أميركا المعجبة بالخطاب "الاعتدالي" لروحاني تجاه الغرب، والتي ترى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يتطلب نوعاً من التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
وكان ظريف قد استقبل إحدى هذه الجماعات الاثنين، أي قبيل استقالته بساعات، حيث التقى بناشطي منظمة "كود بينك" وتبادل معهم الحديث بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية ومواقف إيران تجاهها.
وكان ظريف قد كشف في تصريحات له في يونيو/حزيران الماضي، أن الولايات المتحدة قد أحكمت قبضتها على الشريان الاقتصادي لإيران ومنعت كل الطرق لمساعدة طهران من خلال تفكيك شبكاتها المحلية والدولية للالتفاف على العقوبات.
وفشلت محاولات ظريف داخليا ودوليا في إنقاذ الاتفاق النووي سواء في إقناع المتشددين الداخليين للتنازل عن مطالبهم التعجيزية حول المفاوضات أو إقناع الأوروبيين بضرورة تقديم دعم حقيقي لإيران مالياً واقتصادياً لانتشالها من واقعها المأساوي في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية بسبب الغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية للناس العاديين.
وكان ظريف قد ادعى خلال كلمة له في أبريل الماضي، أمام "مجلس العلاقات الخارجية" وهو مركز فكري في نيويورك، أنه ليس هناك اضطهاد للأقليات في إيران وأن السلطات لا تفرض الحجاب الإجباري، كما أنه لا يتم اعتقال أحد بسبب آرائه"، ما أدى إلى سخط عام للإيرانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا هذه التصريحات بأنها "كاذبة" جملة وتفصيلاً.
واعتبرت منظمات حقوقية أن تصريحات ظريف متناقضة مع الواقع ومع القمع الذي تعرض له النساء والأقليات وباقي شرائح الشعب الإيراني يومياً والانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان على أيدي أجهزة النظام المتشدد في طهران.