من مدرستهم التي فتحت لهم آفاق العلم والمعرفة والإبداع وروح الإنتماء الوطني ، الى مدرسة الطبيعة ينشدون التأمل والسكينة ، مستكشفين كنوزها الخضراء ومكامن الجمال التي أودعها الخالق في ربوع لبنان أرضاً وشجراً وبيئة وتراثاً ومواطن سحر ومناظر خلابة، انطلق طلاب الصف الحادي عشر في ثانوية السفير في مسير بيئي سياحي في رحاب محمية غابة بكاسين الصنوبرية في منطقة جزين ( اكبر غابة صنوبر في الشرق الأوسط)، في اطار نشاط يهدف لتحفيز اهتمامهم بالبيئة وتطبيق ما اكتسبوه في مدرستهم من دروس ومعارف ومهارات حول ضرورة وأهمية الحفاظ عليها .
النشاط الذي نظمه "نادي المشي في الطّبيعة في ثانويّة السّفير- Safir Hiking Club " تحول الى رحلة ممتعة للطلاب بما أضافه الى نفوسهم من شعور بالسعادة والإرتياح وبما تضمنه من انغماس في حياة الطبيعة وتماهٍ مع مزاجها الهادىء والمحفز للطاقة الإيجابية لديهم ومن محطات توقف وتأمل واكتشاف تكاملت بها ومعها وسائل الإمتاع للحواس، مشاهد طبيعية ملونة تأسر قلوبهم قبل أنظارهم، وأصوات زقزقة عصافير وخرير مياه وحفيف أوراق أشجار تتردد معها أصداء أصواتهم لتكتمل بهم "أوركسترا" الطبيعة والإنسان ، وروائح صنوبر ونباتات برية تغمرهم بعطرها وشذاها، وأشعة شمس تغازل قاماتهم الواعدة ونسيم عليل يدغدغ وجناتهم المتفتحة بالأمل والحياة والجمال .
ورافق الطلّاب في رحلتهم ، مدير الثّانويّة الدّكتور سلطان ناصر الدّين ومنسق النشاط ومسؤول نادي المشي في الطبيعة في الثانوية الناشط البيئي الأستاذ محمد الشامي وعدد من الأساتذة والدليل السياحي وإبن بكاسين الأستاذ روي عازار.
وسط أشجار الصنوبر، وعبر المسالك الضيقة المزنرة بالأشجار وبحزام أخضر، وفي أجواء جمعت بين ألفة الصحبة وبهجة الإكتشاف، مشى الطلاب لمسافة 8 كيلومترات داخل المحمية يتنشقون الهواء النقي ويتنفسون فرحاً وارتياحاً ويرتمون في أحضان الطبيعة العذراء يستمدون منها الصفاء والتجدد.
عازار
وشرح روي عازار للطلاب عن غابة بكاسين الصنوبرية وأهميتها الطبيعية والبيئية والتراثية والإقتصادية للمنطقة ومراحل العناية بأشجار الصنوبر وقطاف أكوازه وكسرها وفرطها واستخراج حبوب الصنوبر منها. وقال: غابة بكاسين هي اكبر محمية حرش صنوبر في الشرق الأوسط وفيها الصنوبر الجوي الذي ينتج حبوب الصنوبر التي نأكلها، وصنوبر بكاسين معروف بجودته ويصدر الى الخارج .
وأضاف : الطبيعة هي اكبر متنفس للإنسان من الضغوط اليومية والنفسية، ويجد المتنقل في حرش بكاسين متعة كبيرة وهو يعبر مسالكها بين الطبيعة والشجر وجداول المياه والمراكز الأثرية مثل مطحنة ومزار عقل و"الأتون" والجسور الحجرية التي تعود للعهد العثماني. وبكاسين اختيرت منذ سنتين كأجمل ضيعة في لبنان وواحدة بين أجمل عشر بلدات طبيعية في العالم. ترتفع عن سطح البحر من 800 الى 1200 متر وترتدي ثوباً أبيض في موسم الثلوج شتاءً ، وهي ضيعة الشمس التي تغمرها منذ شروقها وحتى غروبها .
ناصر الدين
وقال مدير الثانوية الدكتور سلطان ناصر الدين: هو لقاء مميز مع الطبيعة في قلب غابة بكاسين ، حيث سرنا بين الأشجار الوارفة واستنشقنا عبير الصنوبر العتيق برفقة الطلاب الأحبة، استكشفنا الجمال في كل ورقة وحجر وحبة تراب، واستمعنا الى تغريد الطيور وهمسات الهواء وسقسقة المياه وهي تحكي قصص الغابة وجمالاتها . هذا المسير ليس مجرد نزهة، بل هو درس حي في حب البيئة والإرتباط بالأرض، حيث لمسنا بأيدينا وأدركنا بعقولنا وأحسسنا بقلوبنا قيمة الطبيعة وأهمية حمايتها. المسير في الطبيعة الخضراء الجميلة راحة وحياة .
الأساتذة والطلاب
ورأى الأستاذ محمد الشامي ، الذي اعتاد المسير في الطبيعة منذ العام 2010 ، أن "الطبيعة هي نحن ، بتطورنا وبنيتنا، نحن جزء من هذه المنظومة البيئية نتماهى معها بكل تصرفنا وتفاعلنا وبيولوجيتنا ، ولا ننفصل عنها . والعودة الى الطبيعة بالنسبة لي هي تعبير عن رفض ما فعلته الحضارة بالإنسان بإبعاده عن طبيعيته..هي العودة الى حيث ينتمي" ، داعياً بإسم الطبيعة الجيل الجديد لترك الهواتف الذكية والعودة الى رحاب الطبيعة واحضانها.
واعتبرت الأستاذة في ثانوية السفير والناشطة البيئية زينة وردي ان "المشي وسط الطبيعة هو تواصل معها ، وعودة الى حياتنا الحقيقية والى ذواتنا ورافد لصفاء نفوسنا والشعور بالرضى، وهو أمر لا نجده كثيراً في الحياة اليومية بعيداً عن الطبيعة.. الطبيعة تقدم لنا السكينة والتأمل والنظرة الشمولية والإيجابية للآخرين".
وقالت الطالبة رولا الظريف : شعرنا من خلال هذا النشاط بقيمة الطبيعة في لبنان. بمجرد ان نرى الطبيعة ونسير فيها تغمرنا سعادة كبيرة وراحة بال. لقد كانت رحلة من العمر، اكتشفنا أن طبيعة لبنان حقاً كنز يجب ان نحافظ عليه .
ووصف الطالب جاد فرحات هذا النشاط بـأنه "مغامرة ممتعة، فيها تحدٍّ. كانت بشكل عام رحلة رائعة تعلمت منها درساً وهو ضرورة أن أواظب على ممارسة الرياضة واحافظ على جسم نشيط. فضلاً عن أن الخروج مع الرفاق ومشاركتهم هذه المغامرة يمنحك شعوراً بالسعادة ".
وقالت الطالبة حوراء السن: العودة الى الطبيعة بالنسبة لي هي أجمل ما يمكن أن يقوم به الإنسان في حياته لأنها تساعده على التخلص من أي شعور بالتوتر أو بالخوف ومن ضغوط الحياة وتمنحه الراحة . وانا سعيدة جداً بهذه التجربة والرحلة منظمة وممتعة، وتعملت خلالها من الطبيعة كيف أكون دائماً هادئة كما الأشجار .
ورأى الطالب آدم عامر أن " لبنان بلد جميل لا مثيل له، وطبيعته خلّابة تساعدك على التخلص من الطاقة السلبية ، والمشي في الطبيعة هو متنفس لمن يشعر بضيق حيث يجد لديها الراحة التي ينشدها".
أما الأستاذ في ثانوية السفير حسن خازم فقد عبّر عن انطباعه من هذه الرحلة شعراً فأنشد :" تحت السما وشجراتنا الحلوين / مشينا سوا بحضن الهوا مشينا/ تعبنا هلكنا بسّ مبسوطين/ بلمعة فرح ضوّتلنا بكاسين/ بِ ضحكنا وهمّ الدني نسينا".
رأفت نعيم