كتبت صحيفة "اللواء": وأخيراً حسمت السلطة أمرها وأنكب مجلس الوزراء على درس مشروع قانون موازنة العام الحالي، على أمل أن يخلص إلى النتيجة التي يتوخاها منه المجتمع الدولي، بل ويطلبها بإلحاح لكي يحصل لبنان الذي يتخبّط بأزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية على المساعدات التي اقرها مؤتمر سيدر من أجل تمكينه من تجاوز هذه الأزمة.
حسناً فعلت هذه السلطة وإن تأخرت بعض الوقت حتى لا نقول أكثر من ذلك، ووضعت الدولة على السكة الصحيحة كما يقول وزير المالية المولج بوضع الموازنة على الورق، الا ان ذلك لا يكفي إذا لم يكن عند هذه السلطة خطة مدروسة جيداً تقنع هذا المجتمع بأنها جادة في وعودها التي قطعتها له في مؤتمر سيدر وأول هذه الوعود هو اجراء إصلاحات من شأنها ان توقف الهدر المتمادي بلا حسيب ولا رقيب في المال العام، بدءًا من قطاع الكهرباء الذي أخذ من خزينة الدولة أي من جيب المواطن اللبناني حتى الآن ما يزيد على نصف الدين العام البالغ حوالى تسعين مليار دولار أميركي، والذي ما زال يستنزف الدولة بما لا يقل عن ملياري دولار سنوياً، وما زالت الحكومة حائرة في كيفية إيقاف هذا الهدر في المال العام إضافة إلى الاسراف الغريب العجيب في المؤسسات العامة تحت عناوين واهية ما أدى إلى ارتفاع العجز في الموازنة إلى نسب كبيرة غير مقبولة من المجتمع الدولي.
والمعروف حتى الآن والمسرب إلى وسائل الإعلام ان المشروع الذي ينكب حالياً مجلس الوزراء على درسه، غير مبني على خطة إصلاحية متكاملة وإن كان الوزير المعني اعتمد سياسة التقشف في اعدادها ليطال الطبقات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود من دون الوصول إلى مكامن الهدر الحقيقية من التهرب الضرائبي إلى الأملاك المبنية إلى المرافئ التي تسرق من خزينة الدولة اموالاً طائلة كافية وحدها في حال حصلت عليها هذه السلطة على سد العجز الحاصل ورفع مستوى النمو العام إلى درجة مقبولة ومطمئنة، إذا صح التعبير، وهذا يعني ان سياسة «الترقيع» ما زالت سارية المفعول على مستوى هذه السلطة، من منطلق المحافظة على مكتسباتها التي تحققت جرّاء هذه السياسة، لأن المطلوب لخفض العجز لا يقوم على مثل هذه السياسة، بل يتطلب فعلاً قرارات موجعة لهذه الطبقة نفسها التي تتحمل وحدها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من تردي أوصل الدولة إلى حدود الإفلاس باعتراف أرباب هذه السلطة أنفسهم، لكن مثل هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، مما يعني ان سياسة التقشف ستطال الطبقات الفقيرة والمتوسطة الدخل ولن تمس الطبقات التي تنهب خزينة الدولة حتى اوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم، وحملت الشعب اللبناني على النزول الى الشارع لحماية حقوقه المكتسبة والحؤول دون تمكين أرباب هذه السلطة من استغلال الأزمة المالية والاقتصادية للنيل من هذه الحقوق ولمزيد من الأفكار لهذا الشعب. والمطلوب إذن في ظل هذا الجو المكهرب ان يعي أرباب السلطة مسؤولياتهم الوطنية وليتخلوا عن مكتسباتهم لكي نصل إلى وضع موازنة حقيقية تضع حداً لمزاريب الهدر التي تذهب الى جيوب الكبار الذين يتصدرون مواقع السلطة ومرتكزاتها الأساسية.