نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقال رأي للكاتب غانيش سيتارامان، تحدث فيه عن خروج فيسبوك عن السيطرة، وتحوله لتهديد خطير بالنسبة للإنسانية.
وقال الكاتب في مقاله إن "هذه المنصة الاجتماعية التي أنشئت منذ 15 سنة طرأت عليها العديد من التغيرات. ففي البداية، كان فيسبوك تكنولوجيا اجتماعية مميزة أضفت تجربة فريدة من نوعها على واقعنا، حيث ساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية، ومشاركة مشاعرنا وتجاربنا الشخصية مع الأصدقاء، لكنه تحول مع مرور السنوات إلى تهديد اجتماعي خطير في الولايات المتحدة والعالم".
وأفاد الكاتب بأن مشاعر المستخدمين تجاه فيسبوك باتت متضاربة، حيث تتراوح بين الإعجاب والإحباط من انتهاكه للخصوصية، والمخاوف من تلاعبه بنتائج الانتخابات الأمريكية. وفي هذا الإطار، تطرق الاقتصادي روجر ماكنامي في كتابه بعنوان "زوكيد – الاستيقاظ على كارثة" إلى التحديات التي تثيرها هذه المنصة الاجتماعية، والمخاطر التي تمثلها على المجتمع.
والجدير بالذكر أن ماكنامي كان مستثمرا في شركة فيسبوك، ومستشارا لكل من مارك زوكربيرج وشيريل ساندبرج. لكن في الأسابيع التي سبقت الانتخابات الرئاسية لسنة 2016، اعترى ماكنامي شعور بالقلق من أن المنصة التي كان من المفترض أن تساهم في جمع العالم معا، استخدمت لتأجيج الفوضى والانقسام. وفي هذا الصدد، تواصل ماكنامي مع الشركة، إلا أنه لم يكن راضيا عن الرد الذي تلقاه.
ونقل الكاتب عن ماكنامي أن فيسبوك بات يشكّل تهديدا واضحا للديمقراطية، فضلا عن المخاطر الصحية والاقتصادية التي بسببه أصبحت واقعا لا يمكن إنكاره. واستند ماكنامي في انتقاده للمخاطر الاقتصادية على مشاكل احتكار الرأسمالية. فعلى سبيل المثال، استحوذت الشركة منافسيها المحتملين، على غرار إنستغرام وواتساب، حتى لا تتاح لهم فرصة تحدي هيمنتها.
وبيّن الكاتب أن المخاطر التي تشكلها هذه المنصة على الديمقراطية تكمن في ميزة "نيوزفيد"، التي تدفع مستخدمي المنصة نحو استخدام "فقاعات المرشح" التي تحجب الآراء المختلفة. وفضلا عن وجود المتصيدين والبوتات، فإن هذه المنصة تحتوي على عدد كبير من الصفحات والمجموعات المزيفة والمعلومات المضللة والأكاذيب. وأكد ماكنامي أن لهذا الأمر تأثيرا كبيرا لا يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، وإنما على العالم أجمع.
وأورد ماكنامي أن الشركات التكنولوجية تستعين ببعض الإجراءات حتى تدفع الأفراد إلى استخدام منتجاتها بشكل متزايد إلى حدود الإدمان أحيانا. فعلى سبيل المثال، تلجأ ميزة "نيوزفيد" إلى إجراء ما يسمى "الوعاء العميق"، وهو عبارة عن قائمة لا نهاية لها من المنشورات التي تهدف إلى إبقاء المستخدمين في الموقع لأطول مدة ممكنة. وبهذه الطريقة، تعمل الإشعارات على صرف انتباه المستخدمين عن العمل الذي بين أيديهم، وإغرائهم للعودة إلى التطبيق.
وذكر الكاتب أن هذه الإجراءات وغيرها من استراتيجيات التصميم تستطيع التأثير بعمق على سعادة الإنسان، وتجعلنا أسوأ حالا؛ بسبب طريقة عملها، على حد تعبير ماكنامي. وقد ركز ماكنامي على الأسباب التي مكنت "فيسبوك" وبعض الشركات الأخرى من تشكيل تهديد على الاقتصاد والديمقراطية والصحة العامة، لعل أولها أن المنتجات ذات المصادر المفتوحة والموارد المركزية تعني أن الشركات الناشئة تستطيع أن تكون أكثر مرونة من أي وقت مضى؛ ما يسهل على أصحاب رأس المال الاستثماري أن يحددوا بسهولة الاستثمارات الخاسرة من الناجحة.
أما السبب الثاني، فيتمحور حول تصاعد الفلسفة الليبرتارية، خاصة بين المديرين التنفيذيين والمستثمرين في وادي السيليكون. لكن هذا المنهج الفردي من شأنه أن "يعفي مطبقي هذه الفلسفة من تحمل مسؤولية التأثير الذي تخلفه أفعالهم على الآخرين". وثالثا، شهد الاقتصاد السياسي تحولا، حيث أصبحت النيوليبرالية هي الفكر السائد. ويعتقد السياسيون أن الأسواق هي أفضل ضابط للشؤون الاجتماعية، وأنه لا يجدر بالحكومة التدخل. وقد أدى إلغاء التنظيم أو غيابه إلى قدرة هذه الشركات على اكتساب القوة السوقية واحتكار القطاع.
وأشار الكاتب إلى أن عمالقة التكنولوجيا اعترفوا بأن صناعتهم تتطلب نوعا من التنظيم، وهذا أحد الأسباب التي تجعل من "زوكيد" والكتب المماثلة له في غاية الأهمية. ومن خلال تحديد مجموعة متنوعة من المشاكل والظروف التي شعززتها، فإن هذه الدراسة تساعد على بناء أسس للإصلاح. ولكن السؤال المطروح هو مدى استعداد المصلحين والمنظمين والمواطنين وشجاعتهم على القتال من أجل تحقيق تغييرات هيكلية على نطاق أوسع، لأنه في نهاية المطاف يبقى مستقبل اقتصادنا ومجتمعنا وديمقراطيتنا على المحك.
للمزيد اضغط هنا